-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل أتاك نبأ الجمهورية الخامسة؟

هل أتاك نبأ الجمهورية الخامسة؟

إنّ الإستبداد السياسي لظلم عظيم، به تنهار الحضارات، وتفسد العلاقات، وتُنتَهك الحُرمات، وتُنهَبُ الثروات.
وأشد أنواع الإستبداد ما كان باسم حقوق الإنسان وضمان حرياته، أو كان بسم الله وشريعته، أو باسم الوطنية والقيم الثورية، إذ تُتَّخذُ هذه المعتقداتُ غطاءً لكسب رضا الجماهير ثم بعد ذلك يُدار لها ظهر المجن فتُستعبد باسم الحرية، وتُقهر باسم الشرع، وتُنهب باسم القيم الوطنية والثورية.
اشتهرت فرنسا بثورتها التي رفعت فيها شعار الأخوة والعدالة والمساوات، وتحت هذا الشعار عاش الفرنسيون أحلك أيام القهر والطغيان، وباسم فرنسا الحرة أُبيدت شعوب وانتُهِكت أعراضها وسُرقت خيراتها ثم وُثِّقت تبعيتها.
ولم تسلم دول وشعوب كثيرة من شر سياسة قادتها وجشعهم واستكبارهم. ولمّا كان الإستبداد مِلّة واحدة فقد نهب ساكوزي من أموال الشعب الليبي ما ضمن به الوصول لحكم فرنسا بالإتفاق مع الإستبداد الذي كان سائدا في ليبيا، وكان نتيجة ذلك أن انتُهكت سيادة ليبيا وذُبح أبناؤُها وجُوزي قائدها جزاء سنمار. وكان هذا الإجرام السياسي الفرنسي تحت سمع وبصر الجمهورية، بلد حقوق الإنسان وبلد الأنوار.

أشد أنواع الإستبداد ما كان باسم حقوق الإنسان وضمان حرياته، أو كان بسم الله وشريعته، أو باسم الوطنية والقيم الثورية، إذ تُتَّخذُ هذه المعتقداتُ غطاءً لكسب رضا الجماهير ثم بعد ذلك يُدار لها ظهر المجن فتُستعبد باسم الحرية، وتُقهر باسم الشرع، وتُنهب باسم القيم الوطنية والثورية.

إنّ حقيقة فرنسا هي ما يشهد به تاريخها في منطقتنا وعموم إفريقيا. وقد قيّض الله لها أخيرا رئيسا آخر ليُميط اللّثام على ما خفي من سيادتها، وأنّ خطابها الدبلوماسي المشحون بشعارات التعاون والمرافقة التنموية لصيانة كرامة الإنسان وتَمَتُّعه بحريّته كلها تُخفي استكبارا واستعبادا واستبدادا واستنزافا لثروات الشعوب التي هي في قناعتها أقل قيمة إنسانية وأقل كفاءة وأقل علما وأقل وعيا، ومن ثَمَّ فهُم ليسوا أهلا للتّمتع بكل ما حباهم الله به من ثروات، وأنّ فرنسا المتمدينة أحق بذلك. وهو نفس المنطق الذي رُفِع شعارا الحملة الإستعمارية والذي كان يتلخص بـ (نقل الحضارة إلى الشعوب الهمجية).
كثر الكلام في فرنسا خلال العهدة الثانية للرئيس الفرنسي ماكرون عمّا يسمّونه بداية انهيار الجمهورية الخامسة. وتبدو هذه المؤشرات فيما يلي، الحكامة: الفاقدة للاحترام السياسي، والموصوفة بالعدوانية إجتماعيا، والاستكبار ثقافيا، والانفراد بالرأي والقرار مؤسساتيا، وهي مؤشرات منذرة بانحدار حضاري بدأت تتضح معالمه إثر انتخابات الرئيس الفرنسي لعهدة ثانية.
وقد ذهب بعضهم إلى وصفه بـ”رئيس النكسة والفوضى والعنف”، هو الأمر الذي أَنتج موجات من الإحتجاجات العنيفة، ومواجهتها بعنف أشد من طرف قوات الأمن العمومي بشكل لم تعرفه الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ تأسيسها. لقد أورث ذلك رعبا في أوساط المجتمع، وأنتج ظواهرَ من العنف الأمني والمجتمعي، واعتداءً فاضحا على الحريات الفردية والجماعية، وهدّد المجتمع في أمنه المعاشي واستقراره العام المعتاد، بل تعدّى ذلك إلى المسِّ بعقائد الأفراد والاعتداء على حقهم في الحياة.
إنّ رئيس فرنسا لم يكتفِ بما فعله في بلده، بل تعدت عنجهيته إلى دول أخرى تربطها بفرنسا علاقات تاريخية واقتصادية متميزة ضمنت لها منذ عشرات السنين مصادرَ ثروة هائلة وتَفَوُّقا اقتصاديا وسياسيا آمنا ودائما.
والذي يتابع زيارات الرئيس الفرنسي إلى الدول الإفريقية التي تُعرف في فرنسا بـ”المستعمرات القديمة” سيلاحظ من دون كثير عناء خطابا استعلائيا ووصاية استعمارية تدفع إلى التّقزز والغضب. فرغم تاريخ فرنسا الأسوَد في هذه الأقاليم مازال رئيسها يعتقد أنّ شعوب هذه الأقاليم وثرواتها الكبرى تابعة لفرنسا، وأنّ أيّ محاولة لاستقلالها وتحررها بقراراتها السياسية والإقتصادية مساسٌ بسيادة فرنسا الراعية الفِعلية والوَصِيَّة الوحيدة على تنمية هذه الأقاليم.
أظهر الرئيس الفرنسي في زياراته لبعض دول الساحل الغربي من القارة الإفريقية وبعض دول الشمال الإفريقي استكبارا واستعلاء يدفع إلى الغضب والثورة. كما كشفت سياسته في التعامل مع هذه الدول على ازدواجية في الخطاب والمواقف تدفع إلى الإحتقار. بل وكشفت بوضوح نفاقا صريحا وتضاربا مكشوفا بين الشعارات التي ترفعها فرنسا الرسمية وممارساتها على أرض الواقع.
ولمّا اندلعت الأزمة الأوكرانية سقطت آخر أوراق التوت على عورات الغرب عموما وفرنسا خصوصا، فكانت كـ(من يرغب في اللبن ويخبي الطاس) كما يقال في المثل الشعبي. كُشِفت عورة فرنسا للدول المتحررة منها حديثا، وعَلِم الجميع أنّ تنمية شعوبهم ودولهم تكون أكثر ضمانا وأسرع تحقيقا بفك ارتباطهم بالمستعمِر القديم.
إنّ انهيار السياسة الفرنسية المتدرج والأكيد على المستويين الداخلي والدولي من أهم العلامات الكبرى لانحدارها الحضاري الوشيك واقتراب سقوط جمهوريتها الخامسة.
قال الشابي قديما: ومن يزرع الشوك يجني الجراح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!