الرأي

هل الديمقراطية ضد إرادة الشعب..!؟

محمد سليم قلالة
  • 1274
  • 12
ح.م

في أمريكا أغلبية الشعب ضد “دونالد ترامب” ومع ذلك يفوز برئاسة أكبر دولة في العالم! لو حدث ذلك عندنا أو في أي بلد من بلدان العالم الثالث لكانت النتيجة من دون شك حربا أهلية لن تتوقف إلا بعد حصد عشرات الآلاف من القتلى أو أكثر. ولكن لأنّ الأمريكيين يحترمون القانون، فقد قبلوا بفوز “ترامب” بالرئاسة، بالرغم من أنه حصل على عددٍ أقل من الأصوات في الانتخابات من منافسته “هيلاري كلينتون”…

أفرزت النتائج النهائية المُعتَرف بها من الطرفين أن قرابة 66 مليون ناخب صوّتوا لصالح “هيلاري كلينتون” من الحزب الديمقراطي (65853514) أي 48 بالمائة، في حين لم يصوِّت لـ”دونالد ترامب” سوى 46.1 بالمائة، أي قرابة 63 مليون (62984828). من الناحية المنطقية وحسابيا، واحتراما لإرادة الشعب كما نقول، فإن الفائز في الانتخابات هي “كلينتون”، ولكن النظام الانتخابي الأمريكي والقانون الأمريكي لا يربط كرسي الرئاسة بعدد الأصوات المُحصَّل عليها على المستوى الوطني، أي بإرادة الشعب المباشرة، إنما بما يحصل عليه المترشح من أصوات غير مباشرة، مما يُعرَف بكبار الناخبين.. وهو ما كان في صالح “ترامب”، 304 صوت له، مقابل 227 صوت لصالح “كلينتون”.

ماذا لو حدث هذا عندنا وكانت المترشحة الفائزة فضلا عن ذلك، زوجة أحد الرؤساء السابقين؟ إنها الكارثة بكل المقاييس.

إذن، مسألة الانتخابات والديمقراطية ليست عملية حسابية بحتة كما يبدو للوهلة الأولى، إنما تتعلق بثقافة المجتمع وبمدى استعداده لتقبُّل الربح والخسارة، وبمدى إيمانه بالتداول على السلطة، وبخصوصية تجربته، ولو كانت في بعض جوانبها ضد المنطق الحسابي.

مثالٌ آخر نُقدِّمه من التجربة التونسية الأخيرة، إذ فاز “قيس سعيّد” بـ72.71 بالمائة من الأصوات، ما يوحي للوهلة الأولى أن أكثر من ثلثي الشعب التونسي معه، في حين أن الحقيقة في المطلق وحسابيا تقول إنه لم يشارك في الانتخابات سوى 48.98 بالمائة في الدور الأول و55.0 بالمائة في الدور الثاني، ما يعني أن قرابة نصف المسجلين في القوائم الانتخابية لم يصوِّتوا أصلا؛ أي أن قيس سعيّد لم يفز في واقع الأمر سوى بنصف النسبة التي حصل عليها، أي نحو 36 بالمائة من عدد المسجلين. ومنه، إذا حاولنا تغليط الرأي العام واعتبرنا المقاطعين، لسبب أو لآخر، رافضين له، فإن الغالبية الساحقة أي أكثر من الثلثين لم تنتخبه.

وهكذا بالنسبة لبقيَّة التجارب، الشيء الذي جعلنا نستخلص، أن التجربة الديمقراطية الغربية التي نعيشها اليوم والقائمة على التعددية ليست بالضرورة هي أفضل الأنظمة السائدة في العالم، ولا تخلو من ثغرات ولكنها هي “أسوأ نظام حكم باستثناء الأنظمة الأخرى” كما قال “ونستون تشرشل”، علينا التعامل معها بحذر ووفق خصوصيتنا والظرف الذي نمرُّ به، في انتظار أن نبحث عن بديل لها في جذورنا التاريخية وحضارتنا الإسلامية، أو على الأقل أن نطلب الحكمة من الصين التي لا تعددية ولا انتخابات فيها، ومع ذلك الدولة الصينية قائمة، وتنافس أكبر الديمقراطيات في العالم: الولايات المتحدة ذاتها…  لنتعامل مع واقعنا بشيء من العقلانية، ولنكن كما نريد لا مثل أمريكا ولا الصين ولا تونس. هو ذا الخيار العقلاني إذا كُنَّا نبحث عنه.

مقالات ذات صلة