-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزء الثاني

هل تتجاوز الكتل السياسية خلافاتها؟

التهامي مجوري
  • 1422
  • 0
هل تتجاوز الكتل السياسية خلافاتها؟

وما نقوله عن التيار الإسلامي، يقال أيضا عن باقي القوى السياسية، فاللائكيون في الجزائر لم يلتقوا يوما على مشروع يوحدهم، إلا في مناسبة واحدة، وهي عندما قرروا رفض نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1991/1992، التي فازت بها الجبهات الثلاث الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وجبهة التحرير الوطني، وجبهة القوى الاشتراكية، في الدور الأول، في مسيرة الديمقراطيين الشهيرة، التي أعلن فيها “الديمقراطيون” رفضهم للتيار الإسلامي، بمن في ذلك جبهة القوى الإشتراكية التي هي واحدة من الفائزين، ولكن بحكم تخوفها من التيار الإسلامي جذبها الحنين إلى أصولها الفكرية أكثر من حرصها إنجاح التجربة الديمقراطية، وإن كان تراجعت بعد ذلك عندما تقرر إلغاء النتائج الانتخابية؛ بل غن هؤلاء الديمقراطيون لم يخفوا في تلك المسيرة عداءهم للثوابت الوطنية المعروفة وعمادها العربة والإسلام.

إن الساحة السياسية غنية بالطاقات الفاعلة، والتجربة الوطنية بجميع تياراتها ثرية، وحاجة المجتمع لتفجير الطاقات الكامنة فيها قائمة، ولكن مستوى النخبة بكل أسف لم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب في التفكير والتنظير والتقدير والأداء، ومن ثم فإن ما يحتاجه المجتمع سيبقى معلقا إلى حين رفع مستوى الخطاب بالقدر المطلوب الذي تقتضيه الساحة السياسية والاجتماعية، سواء من جهة السلطة أو من جهة النخب السياسية المناضلة في الساحة الوطنية.  

لا شك أن التيارات السياسية في بلادنا بعد الاستقلال لها أصول واحدة تلتقي في مبادئها وغاياتها في تجربة الحركة الوطنية وهي مفروزة ابتداء..، فالعلمانيون لهم أصولهم المذهبية وكذلك الإسلاميون، أما الوطنيون –كما أسلفنا- فيمثلون عمق الجميع، ابتداء من الثورة، ثم في زمن الحزب الواحد، حيث لم يكن يسمح النظام بالتعدد السياسي في المجتمع، فكانت التعددية في إطار الحزب الواحد، وكان الجميع يناضل بمبادئه في إطار حزب واحد بأجنة جماهيرية متعددة، وتنظيمات فئوية متنوعة، إتحاد العمال الجزائريين، الإتحاد الوطني للنساء الجزائريات، الإتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية…إلخ.

فالتيارات والأحزاب السياسية، لم تولد بعد الاستقلال، وإنما كانت في الحركة الوطنية، قبل الاستقلال، وكانت تناضل على ما بينها من اختلاف، وفق رزنامة أولويات تضع على رأس هذه الأولويات الاستقلال الوطني، الذي كانت محل إجماع بينهم، مع الاختلاف في كيفية تحقيقه وآلياتها.

إن النضال السياسي كأي نشاط إنساني، له شروط للنجاح، وأسباب للفشل؛ لأنه نشاط متعلق بالإنسان وبما يصلحه وبما يفسده، ومن ثم ينطبق عليه كل ما يتعلق بعالم الإنسان وحركته وتفاعله وانفعالاته..، والتكتل بجميع أسمائه ومسمياته، -اتحاد، تحالف، وحدة…- له صورة واحدة هي الاجتماع والتوافق بين المختلفين من أجل الارتقاء بالخطاب والمشاريع المجتمعية إلى الأحسن والأفضل، أو لاتقاء الوقوع في الأسوإ والأقل فضل. ولوصول التكتل إلى هذه الغايات التي يريد تحقيقها من خلال تجميع القوى المادية والمعنوية، لا بد من أن ينطلق من شعور ما، لا يخرج عن إحدى الصور التالية:

الصورة الأولى: الخوف من الانقراض، فحين تشعر مجموعة أو مجموعات معينة بالخوف من الاندثار، سواء بسبب تصاعد قوى جديدة مؤثرة، أو بسبب إخفاقات وقعت فيها، فتتداعى المجموعات المتقاربة إلى بعضها البعض لتحمي نفسها من الوقوع في التشرذم المفضي إلى الاندثار، وهذه الصورة في الواقع تطبعها “غريزة حب البقاء”، وهي قانون يسري على جميع الأحياء؛ لأن الفرد ضعيف بنفسه قوي بغيره ولا يشعر بالطمأنينة إلا بالقدر الذي يجد فيه نفسه محاط ببني جنسه وبكل من يشترك معه في شيء من الأشياء. وإعمال هذا القانون في واقع النضال السياسي لا يغير من الأمر شيئا؛ لأنه استجابة لغريزة، والغريزة انفعال ولست تفاعل مع الواقع، والانفعال في النشاط السياسي لا ينفع إن لم يكن مسندا بالعلم والعقل ومنطق الأشياء والغايات الواضحة، لأن الفعل الغريزي بطبيعته ليس استجابة لنمو طبيعي في الحراك السياسي، وإنما هو انفعال، أي رد فعل على واقع ربما كان من صنع الغير..، وصانعه قد يكون وضعه ليوقع خصمه فيما يريد من ردود أفعال معينة.

الصورة الثانية: وهو التقاء بين فئات متجانسة على موضوع ما جزئي ظرفي مثل تكتل الجزائر الخضراء الذي كان بين مجموعات من التيار الإسلامي في الانتخابات التشريعية السابقة –سنة 2012-، أو استراتيجي ظرفي مثل التكتل الديمقراطي الذي مهد لإلغاء نتائج الدور الأول لانتخابات ديسمبر 1991، والفرق بين الجزئي والاستراتيجي –هذا التفريق ليس دقيقا وإنما وضعناه لتوضيح الفكرة فقط-، هو أن الجزئي، هو التقاء مجموعة متجانسة على جزء من المشروع يمكن أن تلتقي فيه مع غيرها من غير المتجانسين معها، بينما الاستراتيجي  فهو جزئي أيضا ولكنه التقاء فئات متجانسة على أمر استراتيجي لا تلتقي فيه إلا مع المتجانسين معها.

وهذه وإن كانت كلها جزئية بالنسبة للمشروع ككل، فالذين اجتمعوا على برنامج موحد من أجل الفوز بالانتخابات، يختلفون على من اجتمعوا من أجل إلغاء نتائج انتخابية فاز بها خصم لهم؛ لأنها كانت لخصم سياسي.. ومع ذلك كان الإلتقاء في كلتا الحالتين ظرفي انتهى بانتهاء الموضوع، الذي من أجله التقت المجموعات.

الصورة الثالثة: وهي اللقاء الاستراتيجي والمؤدي عادة إلى ذوبان الأجزاء في الكل؛ لأن الكل هو الجامع، والغاية تكون تثبيت مصالح المجتمع بالمشروع الذي يتقدم به هذا الطرف أو ذاك. وما يميز هذه الصورة عن تَيْنِكَ الصورتين المذكورتين، أنها محتوياتها فعل مخطط ومدروس وبرؤية معينة وأهداف محدد وربما بوسائل مضبوطة، وفي إطار كلي استراتيجي بعيد المدى.. على خلاف الصورتين المذكورتين آنفا، المنحصرتان في قضية ظرفية جزئية، وأسبابها نفسية انطباعية عاطفية.

هل بلغت الطبقة السياسية في بلادنا هذا المستوى الذي يفرق بين الفعل والإنفعال؟ لا أظن.. بل المؤكد أن الناشطين السياسيين رهائن للواقع السياسي وتقلباته، وكثيرا ما تذوب خلفياتهم الفكرية في ازدحام الصراعات الحزبية والمشكلات الوهمية..، وهذا ناهيك عن ضعف المستوى الفكري والثقافي المخجل لمناضلينا. يحضرني مثال هنا لشخصيتين سياسيتين وهما الأستاذان: عبد المجيد مناصرة، وعمارة بن يونس..، اللذان تمردا عن حزبيهما، وأسسا حزبين على قواعدهما السابقة، أحدهما إسلامي والآخر لائكي، سألهما ذات يوم صحافي في برنامج تلفزيوني، ماذا يعني لكما الحزبان اللذان كنتما فيهما؟

فقال مناصرة الإسلامي: بالنسبة إلي حركة حمس هي ماضي..

أما عمارة بن يونس اللائكي: قال حزب الأرسيدي أتشرف بماضي فيه؛ لأنه المدرسة التي تربيت فيها.

في هاتين الإجابتين يبدو مستوى الرجلين في التفاعل مع الواقع، وهو أن بن يونس كان أرشد من مناصرة في التعبير عن وفائه للحزب الذي كان ينتمي إليه…،  بينما الآن وبعد سنتين أو ثلاث من ذَيْنِكَ التصريحين، نرى أن مناصرة كان أوفى للحزب الذي كان ينتمي إليه وذلك بعودته إليه، أما عمارة بن يونس فهو الآن وزير في سلطة لا يلتقي معها في صغير أو كبير، ومع ذلك بقول فاعا عنها “يلعن أبو أللي ما يحبناش”، ولكن المحصلة في الشخصيتين اللتين اعتبرهما نموذج للنخبة الجزائرية بجميع تياراتها.. فهما في المعارضة.. ووزراء.. ولهم أحزاب منشقة عن أصولها…إلخ، وهذا النوع من النخبة في تقديري ليس هو الذي يصنع التكتل الفعال ويحدث النقلة السياسية في المجتمع، بدليل أن جميع الأحزاب تعارض السلطة كما تريد السلطة، وليس بمبادرات جديدة صادمة للموروث.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!