-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تخلت فرنسا عن عادتها القديمة؟

هل تخلت فرنسا عن عادتها القديمة؟

يشهد خط الجزائر- باريس خلال الأيام الأخيرة، حركة نشيطة لمنظمات رجال الأعمال من البلدين، تتركز حول بحث تصور لاستثمارات مشتركة مستقبلا، وذلك لأول مرة، بعد أن كانت الشركات الفرنسية تنظر إلى الجزائر على أنها مجرّد سوق لبيع منتجاتها وليس استثمارات تخلق الثروة ومناصب الشغل.

وهذه التحرّكات بين رجال أعمال البلدين تأتي في إطار التحضير لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا شهر جوان القادم، من أجل تحديد قائمة القطاعات المعنية بشراكات بين الجانبين.

وكان رئيس الجمهورية واضحا في تحديد التوجه الجديد للجزائر بشأن الشراكات الاقتصادية مع الأجانب، وذلك في تصريحات لمجلة “لوبوان” الفرنسية قبل أشهر، عندما سُئل حول ملف الاستثمارات الأجنبية بالجزائر، وشدد على أن من أزعجهم تنامي استثمارات دول أخرى في الجزائر، فالباب مفتوحٌ للاستثمارات الحقيقية، من دون شروط سياسية أو غيرها.

وظلت السياسة الاقتصادية لفرنسا تجاه الجزائر، محل انتقادات من الخبراء وحتى الرسميين خلال السنوات الماضية، بدعوى أنها كانت محصورة في اعتبار الجزائر سوقا لمنتجاتها، مع التركيز أيضا على قطاع الخدمات بدل الاستثمارات الخالقة للثروة ونقل التكنولوجيا وتوطينها.

وهذا التوجُّه كان محل انتقادات حتى من أطرافٍ في فرنسا، بعد تراجع حضورها الاقتصادي في الجزائر سواء من ناحية حجم الاستثمارات أو تدحرجها في قائمة أكبر شركاء الجزائر التجاريين لصالح قوى أخرى مثل الصين وتركيا وإيطاليا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.

وحسب أرقام رسمية فرنسية، بلغ حجمُ الاستثمار الأجنبي الفرنسي المباشر في الجزائر 2.6 مليار أورو، ويتركز بشكل أساسي في ثلاثة قطاعات، تأتي على رأسها الأنشطة المالية والتأمينية بنسبة الثلث (36٪)، إلى جانب الصناعات التحويلية والصناعة الصيدلانية وغيرها.

والملاحظ في هذه الأرقام أن الاستثمارات الفرنسية ظلت تراوح مكانها منذ عقود، وتركز على قطاع الخدمات والصناعات الصغيرة، وفشلت سلطاتُ باريس حتى في استغلال ما كان يسمى “حظوة” تتمتع بها سابقا، لإطلاق استثماراتٍ كبرى في مختلف القطاعات.

ودفعت سلطات باريس ضريبة هذا التوجّه، بعد أن أزاحتها الصين من موقعها كأكبر شريك تجاري للجزائر، خلال العقد الأخير، والشيء نفسه يقال بشأن حجم استثماراتها التي انكمشت مقارنة بقوى أخرى صاعدة، فضلا عن عدم تجديد عقود شركات فرنسية في قطاعي المياه والنقل.

وكان المستثمرون الفرنسيون، وبدعم سياسي، يبررون هذا التردد بـ”ضعف مناخ الاستثمار” وكذا “العراقيل البيروقراطية”، وهي مبرراتٌ استُعملت غطاءً فقط، كون المشاريع الأخرى في قطاع الخدمات والصناعات الخفيفة أقيمت في الجزائر وليس في دولة أخرى.

وأمام تنامي الاستثمارات الأجنبية في الجزائر من قوى جديدة مثل تركيا والصين وإيطاليا، فضلا عن القيود التي مست الاستيراد، يبدو أن سلطات باريس وشركاتها، أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما إما الانخراط بقوة في استثمارات حقيقية أو مشاهدة مسلسل نزيف شركاتها في الجزائر وانحسار حضورها لصالح قوى أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!