الرأي

هل تستفيدُ الجزائر من التجربة الأتاتوركية؟

حسين لقرع
  • 1150
  • 4
ح.م

ليس صحيحاً أنّ الطريقة الوحيدة لتحقيق الانتقال من نظام شمولي إلى نظامٍ ديمقراطي يمرّ حتماً عبر المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي كما يروّج لذلك الرافضون لرئاسيات 12 ديسمبر، بل يمكن تحقيقُ ذلك بالمسار الانتخابي المباشر أيضاً، والأمثلة عديدة في العالم، ومنها دولٌ إفريقية كالسينغال وغامبيا وكينيا وكوت ديفوار وغيرها من البلدان التي حققت الانتقال الديمقراطي بعد نضالٍ سياسي وشعبي دؤوب دام سنوات طويلة تخلّلته الكثير من المعاناة وتقديم التضحيات…

في تركيا، كانت التجربة مختلفة إلى حدٍّ ما ومميَّزة؛ فقد حكمها الأتاتوركيون العلمانيون 69 سنة كاملة، لكنهم بعد هذه المدة الطويلة توصّلوا إلى قناعةٍ تامّة بأن حكمهم قد أصبح وبالا على بلادهم وعقبة كأداء في طريق نموّها وتطورها، وسببٌ رئيس في تخلُّفها ومعاناة شعبها، فقرروا السماح بحدوث التغيير والانتقال نحو الديمقراطية الحقيقية وإعادة الكلمة للشعب، فبدأ التحوّل منذ عام 2002 واحترم الأتاتوركيون نتائج الانتخابات التشريعية هذه المرّة ولم يسعوا إلى الانقلاب على إرادة الشعب كما فعلوا في مناسباتٍ سابقة. ومن جهتهم، لم يحاول الحزبُ الحاكم الجديد “العدالة والتنمية” تحقيق القطيعة الجذرية مع الأتاتوركيين في وقتٍ وجيز، ولم يدخل في صراعات معهم، بل كان يعتمد التغيير الهادئ المتدرِّج، وتفرَّغ لإخراج البلاد من تخلُّفها الاقتصادي المزمن، وتحقيق نهضتها في جميع المجالات، فقطع خطواتٍ عملاقة على درب الازدهار والتنمية الاقتصادية جعلتها تحتلّ مكانة دولية مرموقة وتحقِّق رخاءً كبيرا للشعب التركي.

في الجزائر، يمكن تحقيقُ تجربة مماثلة إذا اقتنع النظامُ السياسي بحتمية التغيير ولم يخلّف سوى الفشل والفقر والتخلّف وتفشي الفساد وتبديد مقدرات البلاد ونهب ثرواتها حتى بلغت حافّة  الإفلاس… لابدّ أن تقتدي السلطة بالأتاتوركيين وتقتنع بأنّ الديمقراطية الحقيقية هي الخلاصُ من هذه الأزمة ..متعدّدة الأبعاد، وأن تسمح بإجراء رئاسيات حرة ونظيفة في نهاية العام تكون بمثابة اللبنة الأولى لدمقطرة البلاد والسير بها تدريجيا نحو التغيير الجذري الذي يطالب به الشعبُ بإلحاح منذ 7 أشهر كاملة.

انتخاباتُ 12 ديسمبر المقبل ستكون محطّة مفصلية في تاريخ الجزائرالمستقلة، إذا امتنعت السلطة السياسية عن الالتفاف عن سلطة تنظيم الانتخابات، وسمحت بإجرائها في أجواء كافية من النزاهة، ما يُفضي إلى انتخاب رئيسٍ بطريقة ديمقراطية تكون مَهمَّتُه الأساسية في الخمس سنوات القادمة هي تحقيق التغيير التدريجي، وتعديل عميق للدستور بما يعزّز الديمقراطية والحريات، ومواصلة مكافحة الفساد، وإرساء دولة الحق والقانون…

ولعلّ خير مَهمَّة يمكن أن يقوم بها الحَراك الشعبي بهذا الصدد هو الضغط السلمي لتحقيق التغيير السلس عن طريق الانتخابات، والتجنّد لحماية الصناديق يوم الاقتراع إلى غاية إعلان النتائج، ونقصد به حَراك الجزائر العميقة الذي يطالب بدولةٍ ديمقراطية نوفمبرية باديسية، وليس حَراك الأقلية الفرنكو علمانية التي تريد حكم البلاد بلا انتخابات.

مقالات ذات صلة