الرأي

هل تفعلها موسكو؟

صالح عوض
  • 1997
  • 6

كانت الطائرة الروسية بالقرب من قاعدة حميميم باللاذقية تقوم بمهمة إستراتيجية في مراقبة تحرُّكات المجموعات المسلحة في إدلب.. وكان آخر ما تتوقعه المؤسسة الأمنية الروسية أن تقوم طائراتٌ إسرائيلية بعمل عسكري مباشر ضد المواقع الروسية.

لقد كان التفاهم عميقا بين الروس والإسرائيليين، ولعل الروس في داخلهم كانوا أشد إعجابا بالنموذج الصهيوني من كل المنطقة، ومن المعلوم ان الروس الحاليين يتوارثون موقفا ثابتا بالدفاع عن وجود الكيان الصهيوني وضامن له رغم كل العلاقات المتينة بين السوفييت والأنظمة العربية المواجِهة للكيان الصهيوني..

وعندما تعرضت المنطقة لإعصار الربيع العربي تحركت موسكو لتثبيت مواقع لها في منطقة تشهد تحولات إستراتيجية قد تعصف بآخر تواجد روسي في المنطقة.. وبعد ان ضاعت الفرصة على روسيا في العراق وليبيا لم يتبق الا سورية وهي الأخطر استراتيجيا والأكثر احتمالا للضياع.. تحركت روسيا لتحسم الأمر ولكن قبل ان تخطو خطوتها الأولى فتحت باب التفاهمات الإستراتيجية واسعا مع قادة الكيان الصهيوني وأقامت غرف عمليات تنسيق مشترَكة مع المؤسسة العسكرية الصهيونية وكانت التفاهمات تصل إلى حد رسم خطوط العمليات مما يجعل الكيان الصهيوني في مأمن حقيقي من انفلاتات قد تشكل خطرا على أمنه.

وهذا ما يفسر قيام الطائرات الاسرائيلية بقصف المواقع الايرانية والسورية مرارا وإلحاق خسائر فادحة بها دون أي رد فعل روسي.. ولعل الروس استجابوا لمطالب الصهاينة بأن يبعدوا الإيرانيين وفصائل المقاومة الشعبية عن الحدود مع فلسطين، وفي هذا الإطار يمكن ملاحظة العملية العسكرية الروسية التي استهدفت عشرات المسلحين من قوى المقاومة في جنوب سورية.

إلى هنا يمكن ان نفهم ان الأمور كانت تسير حسب رغبات الطرفين الروسي والاسرائيلي، الا ان المعافاة التي عادت إلى الدولة السورية، إذ بسطت نفوذها على اكثر من 95 بالمائة من التراب السوري اثار قلق الكيان الصهيوني فهو قد اصبح امام جيش متمرس في القتال وقد خرج من معارك طاحنة بانتصارات وتكتيك عسكري فائق، مستفيدا من المستشارين الروس وسلاحهم، كما ان فصائل المقاومة الشعبية اللبنانية والسورية اصبح لديها من الخبرة ما يكفي لخوض معارك تحرير شعبية.

اذن لابد من إرباك السوريين والروس في اللحظات الأخيرة لعل أمد المعركة يستمر وإرهاق اضافي للجيش السوري والدولة السورية المنهَكة.. فكان استهداف طائرة استراتيجية تقوم بمهمة إستراتيجية في رصد حركة المسلحين في إدلب.

ارتكب قادة اسرائيل حماقة كبرى.. انها اخطر من تلك التي ارتكبها اردوغان عندما اسقط طائرة سوخوي وأرغمه ذلك على تقديم تنازلات سياسية جوهرية للروس.. اسقطت الطائرات الإسرائيلية الطائرة الروسية ليكتشف الروس ان قادة اسرائيل لا يأبهون بمعاهدات ولا تفاهمات وأنهم متغطرسون.. فجاء الرد اللفظي القاسي من قبل كل مؤسسات الدولة الروسية،وجاء الرد بتزويد سورية بمنظومات صواريخ متطوِّرة تغطي سماء سورية وتشوِّش على طيران المنطقة كلها.

كانت فرصة إضافية للدولة السورية ان تتزود بسلاح استراتيجي يحميها من تغوُّل الطيران الصهيوني.. وسيكون للخطوة الروسية ما بعدها، وسيجبر الكيان الصهيوني على تقديم تنازلات كبيرة في إطار الصراع العربي الصهيوني.. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وجعل الله كيدهم في نحرهم.

مقالات ذات صلة