الرأي

هل تنتصر عقلانية المغاربة؟!

محمد سليم قلالة
  • 3763
  • 15
ح.م

يبدو أن هناك قوى الآن تسعى إلى نشر الفتنة مَغربا بعد أن أوقدت نارها مَشرقا منذ عدة سنوات وتركتها مُستعِرة. لم تَبق أي دولة عربية دون أن تشتعل نار الحرب فيها أو تكون طرفا فيها.. كل بلاد المشرق اليوم إن لم تكن في حرب فهي متورطة فيها رغم أنه قيل أن الحكمة تربّت في أحضان الشرق.. فهل نسمح نحن بذلك بعد الذي شاهدناه في العراق وسورية واليمن وليبيا؟ وما الذي علينا القيام به؟

ليس لنا سوى بديل واحد، ونحن أبناء العقلانية الأندلسية الرُّشدية، وهو: رفع راية التسوية السلمية لحل أي نزاع مهما كانت حدته، ورفض كل خطاب تحريضي أو استفزازي مهما كان نوعه ومن أي كان، إن على المستوى الرسمي أو الشعبي، الفردي أو الجماعي، المؤسساتي أو المرتبط بالمجتمع…

علينا جميعا الوصول إلى اتفاق ضمني يقضي بهذا مهما تطورت الأحداث، ومهما سعى صُنّاع الفتنة لإيقاظها.. ليست هناك مشكلة بين الأشقاء لا حلَّ سلميا لها مهما كانت الصعوبات ومهما كانت الجراح.. فقط هي الأيادي العميلة والقوى الخفية التي تعمل ليل نهار لمنعنا من إدراك ذلك.

إننا دائما نقول بالحساب العقلاني البسيط: ماذا لو صُرفت أموالُ الحرب على اليمن على نهضة اليمن؟ والأموال التي صُرفت على العراق من أجل نهضة العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لسورية ولبنان والأردن ومصر والسودان وليبيا؟

وعلينا اليوم أن نستمر في القول بضرورة استباق الأحداث واستحداث الأفعال التي نُريد، لا التي يريدها لنا تجارُ الفتنة وبائعو السلاح.. علينا التفكير بمنهجية وواقعية في سيناريوهات الحلول السلمية، وما أكثرها، وأن نَصنعها ونبتكرها إن لم نجد، من خلال وساطة العقلاء، وإن تعذّر نصوص القوانين الدولية، وإن تعذّر تجزئة الحل إلى فروع ومراحل، وإن تعذّر الاتفاق على مشاريع تنمية مشتركة إلى حين تتغير المعطيات، وإن تعذّر بالاتفاق على أننا كشعوب لا يمكننا خوض ثلاث حروب في آن واحد، ضد كورونا وضد الفقر وضد بعضنا البعض.. وعشرات البدائل العقلانية التي يمكن طرحها غير تلك التي طُبقت مشرقا وأدت الى  ما أدت إليه.. صراعات بلا نهاية فيها منتصرٌ واحد.. هو “كارتلات” السلاح العالمي، وتجار الحروب والمتاجرين بقضايا الشعوب ودماء الأبرياء.

لقد ذكر تقريرٌ صادر عن مجلس المحاسبة الفرنسي بعنوان “العمليات الخارجية لفرنسا ما بين 2012 و2015” والمنشور في أكتوبر سنة 2016 أن عمليات برخان “أي التدخل الفرنسي في مالي” كلفت فرنسا 600 مليون يورو في السنة، ولكنها مكنت شركات صناعة السلاح الفرنسية (مثل “داصو” و”سافران” و”طاليس”…) من بيع ما مقداره 20 مليار دولار من الأسلحة في سنة 2017، وتشغيل قرابة الـ200 ألف عامل، لتصبح فرنسا ثالث مورِّد للسلاح في العالم ومازالت إلى اليوم.

بما يعني أن الغربيين يبقون في آخر المطاف تجارَ أسلحة، وأكثر ما يُسعدهم أن تشتعل نيرانٌ أخرى ليس فقط في منطقتنا، بل في بقية بقاع العالم.

وما ينطبق على الفرنسيين ينطبق على غيرهم.. لنأخذ حذرنا.. ولا يقع المغاربة فيما وقع فيه المشارقة.. نار ليبيا مازالت مشتعلة.. ولا نُطفئها، ولا نستبق غيرها إلا بعقلانيتنا المعروفة بعد أن عَرفنا كيف كان مصير تعطيل حكمة إخواننا المشارقة، وإلى اليوم.

مقالات ذات صلة