الرأي
إلى المتشيّعين من شباب الجزائر

هل قصّر أهل السنّة في حقّ أهل البيت؟

سلطان بركاني
  • 12699
  • 119

يروّج كثير من علماء ودعاة الشيعة بين عوامّهم، وفي أوساط بعض شباب أهل السنّة ممّن لا يملكون مناعة علمية وثقافية، تمكّنهم من اكتشاف زيف كثير من الدّعاوى؛ أنّ أهل السنّة مقصّرون في ولاية أهل البيت الأبرار، وأنّهم لم يقوموا بحقّهم الذي أوجبته لهم نصوص الكتاب والسنّة.

وهذه مغالطة كبيرة انطلت على كثير من المتحمّسين الذين لا يحبّون تكلّف عناء إخضاع الدّعاوى لميزان التحقيق والتمحيص والاستقصاء، وجعلتهم يعتنقون مذهبا، ظنّوه أوْلى المذاهب، وأحقّها بأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.

والحقّ أنّ أهل السنّة يُتّهمون بالتّقصير في حقّ أهل البيت، لا لشيء، إلا لأنّهم يرفضون تلك المبالغات وذلك الغلوّ الفاحش الذي يعتقده الشّيعة فيهم، ولو صحّ هذا الاتّهام في حقّ أهل السنّة، لصحّ أن يتّهم المسلمون بالتّقصير في حقّ نبيّ الله عيسى – عليه السّلام -، لِمجرّد أنّهم يرفضون الغلوّ الذي يعتقده فيه النّصارى، ولأنّهم يُسوّون بينه وبين باقي الأنبياء _ عليهم السّلام -: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”.


أهل السنّة يحبّون أهل البيت محبّة شرعيّة بلا إفراط ولا تفريط 

أهل السنّة يتقرّبون إلى الله -جلّ وعلا- بمحبّة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم، لأنّ محبّتهم من لوازم محبّة النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم-، ولكنّهم يرون أنّ هذه المحبّة ينبغي أن تكون وفق ما بيّنه أهل البيت أنفسهم، وفي هذا الصّدد، تأتي وصية الإمام زين العابدين علي بن الحسين _رضي الله عنه- لأهل العراق حينما قال: “يا أهل العراق أحبونا حبّ الإسلام، ولا تحبّونا حبّ الأصنام، فما زال بنا حبّكم حتى صار علينا شيناً”. 

ومحبّة الإسلام يجب أن تكون منضبطة بضوابط شرعيّة، أهمّها: 

1 . أن تكون دون محبّة الله جلّ وعلا ومحبّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم:

يقول الله -جلّ وعلا-: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَاب”.

ومحبّة الله ورسوله تقتضي أن يُحفظ حقّ الله _ جلّ وعلا – في أن يُعبد ويُدعى ويُلجأ إليه ويُستغاث به وحده، ويُحفظ حقّ النبيّ _ صلّى الله عليه وآله وسلّم – في أن يكون هو المتبوع الأوّل الذي توزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله.

2 . أن لا تقود إلى الغلوّ المحرّم:

يقول الإمام علي بن الحسين – عليه السّلام -: “إنّ اليهود أحبّوا عزيرا حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإنّ النصارى أحبّوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وأنا على سنّة من ذلك أنّ قوما من شيعتنا سيحبّوننا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى بن مريم، فلا هم منا ولا نحن منهم”.

والشّيعة الآن لم يكتفوا بتفضيل أئمّة أهل البيت على جميع الأنبياء سوى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم، بل تعدّوا ذلك، ونسبوا إليهم صفات ليست إلا لله سبحانه، كعلم الغيب، وانتفاء السّهو والنّسيان، وإغاثة المستغيثين، وحساب الخلائق يوم القيامة…

3 . أن تثمر الاتّباع:

ولاية أهل البيت – عليهم رضوان الله – تُنال بمحبّتهم المحبّة الشرعيّة، وباتّباع نهجهم واقتفاء آثارهم، ولا تنال بالغلوّ في ذواتهم، وإلا فإنّ النّصارى يدّعون ولاية عيسى – عليه السّلام -، واليهود يدّعون ولاية موسى -عليه السّلام-، وهؤلاء وأولئك معا يدّعون ولاية إبراهيم -عليه السّلام-، ولكنّ الله -جلّ وعلا- يقول: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ”، وهكذا أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنّ أولى النّاس بهم الذين اتّبعوهم، لا الذين غلوا فيهم.

يقول الإمام أبو جعفر محمّد الباقر عليه السّلام مخاطبا أحد أصحابه: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتّواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصّوم والصّلاة والبرّ بالوالدين، والتّعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

قال جابر: يا ابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة؟ فقال: يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرّجل أن يقول أحبّ عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله؛ فرسول الله -صلى الله عليه وآله- خير من علي -عليه السّلام- ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لِما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عز وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع”. عن الكافي للكليني.


أهل السنّة يوالون أهل البيت جميعا

أهل السنّة لا يقتصرون في ولايتهم ومحبّتهم على الإثني عشر، الذين يقول الشّيعة بإمامتهم، وإنّما يوالون كافّة أهل البيت. فهم يوالون بنات النبيّ _ صلّى الله عليه وآله وسلّم- جميعا: فاطمة وزينب ورقية وأمّ كلثوم _رضي الله عنهنّ-، وجميعهنّ من أهل البيت.

ويوالون زوجات النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- جميعا: خديجة، عائشة، حفصة، أمّ سلمة، صفيّة، سودة، زينب بنت خزيمة، زينب بنت جحش، جويرية، أمّ حبيبة، وميمونة _ رضي الله عنهنّ-، وجميعهنّ من أهل البيت.

ويوالون علي بن أبي طالب وأخويه جعفرا وعقيلا _رضي الله عنهم-.

ويوالون أبناء عليّ: الحسن، الحسين، زينبَ، أمّ كلثوم، محمدا المعروف بابن الحنفية، أبا بكر، عمر، عثمان، وغيرهم.

ويوالون أبناء الحسن _ رضي الله عنه-: زيدا، الحسن، الحسين، أبا بكر، عمر، وغيرهم.

ويوالون أبناء الحسين _ رضي الله عنه-: عليا الأكبر، عليا الأصغر، محمدا، عبد الله، جعفرا، وغيرهم.

ويوالون أبناء عليّ بن الحسين _ عليه رحمة الله-: الباقر، زيدًا، عبد الله، الحسن، عليا، عبيد الله، الحسين، وغيرهم.

ويوالون أبناء الباقر: جعفرا الصّادق، عبد الله، وإبراهيم.

ويوالون أبناء الصّادق: موسى، محمدا، إسماعيل، وإسحاق.

ويوالون أبناء الكاظم: عليا الرّضا، إبراهيم، العباس، القاسم، إسماعيل، الحسن، إسحاق، جعفرا، أحمد، عبيد الله، هارون، عبد الله، الحسن، الفضل، وسليمان.

ويوالون أبناء الرّضا: محمدا الجواد، الحسن، جعفرا، وإبراهيم.

ويوالون أبناء الجواد: محمدا الهادي وموسى بن محمّد.

ويوالون أبناء عليّ الهادي: الحسن العسكريّ، الحسين، محمدا، وجعفرا.

ويعتقدون أنّ الحسن العسكريّ مات _ رحمه الله- ولم يخلّف عقباً.

ويوالون أبناء هؤلاء وأحفادهم إلى يوم القيامة.

 

فضائل ومناقب أهل البيت عند أهل السنّة

لا يكاد يخلو مصدر من المصادر الحديثية لأهل السنّة من أبواب كاملة خصّصت لبيان مناقب وفضائل أهل بيت النبيّ _ صلّى الله عليه وآله وسلّم- وبيان حقوقهم، ولعلّنا نضرب لذلك مثالا بأصحّ كتابين من كتب الحديث عند أهل السنّة، صحيح البخاري وصحيح مسلم:

عقد البخاريّ في كتاب المناقب من صحيحه عدّة أبواب لبيان فضائل أهل البيت، أورد تحت كلّ باب منها عدّة روايات في الفضائل، ومن تلك الأبواب:

 •باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن -رضي الله عنه-، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: (أنت منّي وأنا منك)، وقال عمر: توفي رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وهو عنه راض.

 •باب مناقب قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنقبة فاطمة -عليها السّلام- بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة).

 •باب مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، قال نافع بن جبير عن أبي هريرة: عانق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحسن.

وعقد مسلم في كتاب فضائل الصّحابة من صحيحه عدّة أبواب في مناقب أهل البيت، وأورد تحت كلّ باب منها عدّة روايات، ومن تلك الأبواب:

• باب فضائل عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

• باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما.

• باب فضائل أهل بيت النبيّ _ صلّى الله عليه وسلّم-.

• باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصّلاة والسلام.

 

تراجم وسير أعلام أهل البيت عند أهل السنّة

أمّا تراجم وسير أعلام أهل البيت، فقد حفلت بها كتب السّير والتّراجم عند أهل السنّة، بل إنّ أهل السنّة قد اهتمّوا بأعلامٍ من أهل البيت، لا يكاد يوجد لهم ذكر عند الشّيعة، ويكفي الباحث أن يتصفّح كتابا مثل (سير أعلام النّبلاء) للذّهبيّ، ليجده قد ترجم للعشرات من أئمّة وأعلام البيت النبويّ الشّريف، ممّن يعتقد الشّيعة إمامتهم ومن غيرهم، وتحدّث عن مناقبهم وفضائلهم، وقال وهو يلخّص موقفه من أعلام أهل البيت: “فمولانا الإمام علي: من الخلفاء الرّاشدين، المشهود لهم بالجنّة -رضي الله عنه- نحبّه أشدّ الحبّ، ولا ندّعي عصمته، ولا عصمة أبي بكر الصدّيق. وابناه الحسن والحسين: فسبطا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وسيّدا شباب أهل الجنّة، لو استخلفا لكانا أهلا لذلك. وزين العابدين: كبير القدر، من سادة العلماء العاملين، يصلح للإمامة، وله نظراء، وغيره أكثر فتوى منه، وأكثر رواية. وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر: سيّد، إمام، فقيه، يصلح للخلافة. وكذا ولده جعفر الصّادق: كبير الشّأن، من أئمة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور. وكان ولده موسى: كبير القدر، جيّد العلم، أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشّرف والفضل. وابنه عليّ بن موسى الرّضا: كبير الشّأن، له علم وبيان، ووقْع في النّفوس، صيّره المأمون وليّ عهده لجلالته، فتوفّي سنة ثلاث ومائتين. وابنه محمّد الجواد: من سادة قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه. وكذلك ولده الملقب بالهادي: شريف جليل. وكذلك ابنه الحسن بن عليّ العسكريّ. رحمهم الله تعالى”. من سير أعلام النّبلاء.

بل إنّ أهل السنّة قد أفردوا مصنّفات كاملة لبيان سير ومناقب أعلام أهل البيت، ويكفي أن نذكر في هذا المقام أنّ الدّكتور عليّ الصّلابيّ قد ألّف كتابا في سيرة عليّ بن أبي طالب  -رضي الله عنه- في أكثر من 900 صفحة، وكتابا في سيرة الحسن -رضي الله عنه- قلّ أن يوجد له مثيل في بابه.

 

مرويات أهل البيت في مصنفات أهل السنّة

روى أهل السنّة في مصادرهم روايات كثيرة عن أهل البيت، وحفلت مصنّفاتهم بذكر فضائلهم، بل وألّفوا كتبا كثيرة في سير أعلامهم، ونكتفي هنا بإيراد إحصاء مجمل لروايات أعلام أهل البيت في الكتب التّسعة لأهل السنّة:

•  مرويات عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: 1583 رواية، وهي أكثر من مرويات الخلفاء الثّلاثة مجتمعة (1501 رواية).

•  مرويات الحسن والحسين _رضي الله عنهما-: 78 رواية.

•  مرويات فاطمة _رضي الله عنها-: 11 رواية.

•  مرويات زين العابدين _ رحمه الله-: 25 رواية.

•  مرويات الإمام الباقر _ عليه رحمة الله-: 240 رواية.

 • مرويات الإمام الصّادق _ عليه رحمة الله-: هناك كتاب جمع مرويات هذا الإمام في كتب أهل السنّة عنوانه: “مرويات الإمام جعفر الصّادق في الكتب التّسعة وصحيح ابن حبّان ومعجم الطّبرانيّ الصّغير” تأليف: ياسر موسى.


(*) إمام مسجدٍ قسنطينة

مقالات ذات صلة