-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل كان ابن باديس اندماجيا؟ 1/2

التهامي مجوري
  • 1956
  • 13
هل كان ابن باديس اندماجيا؟ 1/2

كلمة اندماجي في العرف الجزائري تطلق على من كان يدعو إلى إدماج المجتمع الجزائري في المجتمع الفرنسي خلال الفترة الاستعمارية، ودعاة هذه الفكرة يعرفون بالنخبة، التي قال عنها جون جويس، ما استطاعوا اللحاق بالفرنسيين، ولم يقدروا على المحافظة على أصولهم، أما الجزائريون فينعتونهم بـ”بني ويوي”؛ وولاء هذه الفئة للثقافة الفرنسية شائع ومعروف، واعتقادهم بعدم قدرة الجزائريين على الإستقلال تحصيل حاصل فيما بينهم ، وما دام الأمر كذلك، فينبغي أن يركز على الحقوق التي على الدولة الفرنسية تجاه الجزائريين، فتمنحهم حق المواطنة بجميع أبعادها، سياسية كانت او أجتماعية او ثقافية، حتى يعم العدل والإنصاف، وينال الجزائريون حقوقهم!!

وهذه النخبة لم تقف عند هذا الحد؛ بل اندمجت في العملية السياسية بكل قوة اعترافا بواقع النظام السياسي القائم، وتناضل في إطاره من أجل نيل الحقوق الضائعة للمجتمع الجزائري من خلاله، وذلك فيما دون الاستقلال بطبيعة الحال.

وفي مقابل هذه المجموعة يوجد تيار آخر، وطني أصيل أسس للمقاومة السياسية على يد الأمير خالد، وتطور بعد ذلك في إطار نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب وحركة الانتصار، على يد مصالي الحاج وإخوانه، وهذا التيار لم يعترف بهذا الخيار وإنما قاومه بمصطلح الإستقلال.

والشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، ليس ضمن هذين التكتلين، مع بقائه على الصلة بيهما معا، حيث كان واحد من الذين كانوا في تلك المرحلة، يجاهد ويناضل بطريقته المختلفة عن اولئك الاندماجيين، ومختلفة أيضا عن الفريق الثاني، وهذا فضلا عن أنه كان أحد رواد الإصلاح في العالم الإسلامي، وباعث الحركة العلمية والنهضوية في الجزائر، خلال نصف قرن من الزمان، ولكن ما تركه من آثار وأفكار وبصمات في واقع الناس، يوحي بجهود مجموعات من العاملين لقرون طويلة، وليس جهد شخص لسنوات فحسب، وكما قال الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي عنه في مجال تعليم العربية، من تعلم العربية في العهد الإستعماري الفضل كله لابن باديس، الذي بدأ تعليمها للناس ابتداء من سنة 1913 في الجامع الأخضر، بحيث لم يمر أكثر من عشر سنوات حتى أصدر أول جريدة له وهي جريدة المنتقد في عام 1925، وكأنه شعر بأن قراء العربية بلغوا النصاب الذي يجب أن يصله الخطاب الباديسي فأصدر لهم جريدة، وبعد أقل من عشر سنوات أخرى، كانت مبادرة جمعية العلماء وكأنه شعر بوجود نخبة على المستوى الوطني تحتاج إلى تأطير ووعاء تلتقي فيه.

وقبل هذه المرحلة كانت هناك أعمال تقوم بها الزوايا وحملة الهم الإعلامي، ولكنها لم ترتق إلى مستوى الفعل الممنهج الذي يقوم بالفعل ويهدف إلى غاية أكبر…، مثلما فعل ابن باديس.

فقد كانت الزوايا تعلم اللغة العربية وتحفظ القرآن، وكانت هناك جرائد ومجلات تصدر بالعربية يومها، ولكن هذه الجهود لم تكن بالغاية الهادفة بدقة كما كان يرسم لذلك ابن باديس وصحبه، باستثناء انشطة أهل ميزاب فقد كانت متميزة في ذلك في إطار نخبهم.

فابن باديس واحد من علماء العالم الإسلامي، ولكنه يختلف عن غيره من علماء عصره في تعامله مع الوحي وتناوله لقضايا الدين والفكر  الديني، وفي علاقته بالحياة الدنيا عموما، فهو من القلائل من رجال الإصلاح الذين وُفِّقوا في فهم الإسلام فهما مُحَيَّنا مختلفا عن الموروثات المستنسخة عبر العصور، بل ووفق في عرض هذا الإسلام بأفق إنساني يحتاج إليه كل محب للخير مهتم بحاضر الإنسان ومستقبله في شرق العالم وغربه.

لم أصبر على عرض هذه الفقرات التي من المفروض أن مكانها آخر البحث؛ لأنها نتيجة للبحث وليست مقدمة له، ولكن نفسي لم تطاوعني لأصبر إلى نهاية الكلام حتى أجيب عن سؤال العنوان: هل كان ابن باديس اندماجيا؟

وأكثر من ذلك لم تطاوعني نفسي أيضا بأن أفترض أن ابن باديس كان اندماجيا!! لمكانة الرجل في حركة الإصلاح والنهضة والحركة العلمية في الجزائر خاصة، ومع ذلك قلت في نفسي أفترض جدلا أن ابن باديس كان اندماجيا، استنتاجا مما كتب من كلام يوحي برضاه عن فرنسا وتقديره لها ولجهودها في الجزائر…، كما يروج لذلك الحاقدون عليه وعلى آثاره التربوية بنشر مقطوعات من كلامه مجتزأة من مقالات كثيرة كقوله “فنحن ندعو فرنسا إلى ما تقتضيه مبادئها الثلاثة التاريخية “الحرية والمساواة والأخوة” من رفع مستوانا العلمي والأدبي بتعميم التعليم”، و”علينا تأسيس جمعية دينية إسلامية تهذيبية تعين فرنسا على تهذيب الشعب وترقيته ورفع مستواه إلى الدرجة اللائقة بسمعة فرنسا ومدنيتها وتربيتها للشعوب وتثقيفها؟ فإذا كان هذا ما ينقمون علينا فقد أساءوا إلى فرنسا قبل أن يسيئوا إلينا”، و”يقولون أن في جريدة الجمعية دعوة إلى فصل الجزائر عن فرنسا. فأجبته بأن هذا الفصل لم يفكر فيه أحد من الجمعية فلا وجود له – قطعا- في جريدة الجمعية”، في معرض عرضه لحوار جرى بينه وبين فرنسي…

هذا الكلام قاله ابن باديس وقال غيره، وأعاد نشره الناقمون على ابن باديس علهم ينالون منه؛ بل وأطلقوا صفحة على الفايسبوك أعطةها إسم “جمعية العلماء الأصلية” أو جمعية العلماء الأصيلة”، فهو الرجل الذي لم يجد القوم ما ينقمون به عليه إلا مثل هذه اللقطات، وكفى بالمرء علوا وارتفاعا أن تعد معايبه، على فرض أن ما قاله غير قابل للتأويل.

فكرة الإجابة عن هذا التساؤل لم تبدأ من عندي هكذا ارتجالا، وإنما مرت بمخاض طويل وعسير، حيث وجدتُ بعض الأصدقاء والأحباب من الذين بقوا حيارى فيما يعرضه المغرضون ومتتبعوا العورات من أقوال اين باديس التي كتبها خلال سنوات نشاطه العلمي والدعوي، وفي خضم المعارك التي خاضها ضد فرنسا وأذنابها في حياته 1913-1940.

ولمعرفتي بالرجل وادبياته ومنهجه في العمل الإصلاحي، وبحكم أن هذا الذي يشاع لم يغير من موقفي ورأيي في شيء من ابن باديس رحمه الله وأعماله، قررت أن أكتب شيئا أساهم به في الكشف والتوضيح لما يراه البعض مربكا.

وإلى جانب هذه الإرادة التي تهدف إلى توضيح المبهم، تجدر الإشارة أيضا إلى أنني لم أفكر في الكتابة في الموضوع لمعالجة قضية شككت فيها تجاه ابن باديس وآرائه ومواقفه؛ لأنني أعتقد أن أمثال ابن باديس من الذين يدافع عنهم الله كما قال تعالى (إن الله يدافع عن الذينن آمنوا) ومن كان هذا شانه من أولئك الخصوم، أرى أن المناسب من المواقف معهم المثل الشعبي القائل: “لا يضر السحاب نبح الكلاب”.

وما دفعني للكتابة أيضا وألح عليّ هو أصرار بعض الإخوة علي بالكتابة دفعا للشبه وتنويرا للرأي العام وأبناء الجمعية تحديدا، من الذين قد تزعزعهم تلك المقولات المبتورة، فخضعت للطلب وتوكلت على الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • عبد الله

    الجزائر : الى أين ؟؟؟ الى الاسلام والعروبه. الرسول صلى الله عليه و سلم كان عربيا و جده اسماعيل عليه الصلاة والسلام كان عربيا كذلك و لكن ابراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن عربيا و لا ابنائه اسحاق و يعقوب عليهم الصلاة والسلام فتأمل يا من تدعي ان الجزائري تنكر لاصله. و اما بالنسبه للمغرب العربي فهذه من ثمرات الخلافه الامويه فكان لها فضل في تعريب المغرب و الاندلس و اما الاتراك و الهنود ... فراجع تاريخ الخلافه العباسيه و لماذا فعلت ذلك بعدم تعريبهم.

  • الجزائر : الى أين ؟؟؟

    للمعلق غريب : في منظورك كل من اعتنق الاسلام بل كل من أراد الاسلام دينا يجب أن يتنكر لأصله ولغته ليعتنق اللغة والهوية العربية .. لأن هذا الدين عربي اللسان .. فماذا تقول اذن للأتراك والأفغان والماليين والباكستانيين والهنود والمالزيين والأندونسيين ... أي لأكثر من مليار مسلم من غير العرب؟؟ ثم لعلمك فان 70 % من المسلمين في عالمنا ليسوا عربا -- ثانيا : التنكر للأصل فضيحة تطارد المعني وأسرته الى يوم الدين في ثقافة الجزائريين وسكان المغرب على العموم منذ فجر التاريخ .. وثالثا : الدين والعقيدة قضية جد خاصة وبالتالي فمن الحماقة الخوض فيها وفي غيرها من الخصوصيات التي هي أيضا حقوق وحريات : التدين والتنقل والتعبير والرأي واللباس ... كلها حريات شخصية وخصوصيات فردية .

  • المتأمل

    للمعلق غريب : أولا : تعليقك في وادٍ والتعليق الذي قُمتَ بالتعقيب عليه في وادٍ آخر .. ثانيا : الدين قضية شخصية وحرية فردية تنص عليها كل التشريعات وكل الدساتير بما فيها الدستور الجزائري وبالتالي فالجزائري الذي يريد أن يكون مسلما فهو حر طليق ومن أراد أن يكون شيئا أخر : مسيحي أو ملحد أو .... فهو أيضا حر طليق ... يوم قيل لأحد الفلاسفة الأمريكيين : على من تنتخب : على الجمهوريين أو على الديموقراطيين أجاب : أنا طائر طليق فلا تسالوننا عن وجهتي .

  • أحيانا وجب وضع النقاط على الحروف !!

    تعقيبا على المعلق : أولا : الشعب الجزائري لم يظهر خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي بل تاريخه يعود الى ملايين السنين وهذا ما تؤكده عدة اثار تم اكتشافها من قبل العلماء . ثانيا : انتهى زمن قيل وقال وذهب والى الأبد عهد عبادة المشعوذين والدجالين فنحن في عهد التكنولوجيات التي تمكن أي كان من معرفة تفاصيل تفاصيله . ثالثا : هناك حكمة تقول : رأيت الناس كيف تخون ورأيت الكلاب كيف تصون فكلما زادت معرفتي للانسان زاد احترامي للكلاب .

  • غريب

    إلى فوفو المدعو ثانينه : لماذا لا تقولها صراحةً أن عداوتك ليس فقط لقوله العربية لغتنا و إنما لمبدئ الإسلام ديننا ؟ لأن تمسك الشعب الجزائري باللغة العربية مرتبط (حصرياً) بكون القرآن الكريم نزل باللغة العربية و نبينا يتحدث بالعربية ، و لو أن القرآن نزل بأية لغة أخرى مهما كانت (و لو العبرية) لاحتضنها الشعب الجزائري المسلم. و كل من يكره اللغة العربية فعليه أن يراجع نفسه قبل فوات الأوان.

  • جزايرى قح

    ما قلت والو

  • مهلوب

    هل كان ابن باديس اندماجيا؟ في جريدة الشهاب لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العدد جويلية 1936 نجد المطالب التي خرج بها المؤتمر الاسلامي المنعقد في 1936 والتي سافر ابن باديس والوفد الموافق له لباريس والتي قدمها للسلطات الفرنسية وعلى رأسها : الحاق الجزائر بفرنسا رأسا...

  • حائر

    لجمال : لا يتنكر لأصله الا من أكل من ظهره . حاول أن تقرأ دراسات الحمض النووي للجزائريين ( الجينات ) التي تثبت النسب ADN . ويومها لكل حادث حديث .

  • المتأمِّل في بلدي

    صدق من قال: جاء الإسلام ليحوِّل العرب إلى مسلمين.. وأخذ العرب يحوِّلون الإسلام إلى دين عربي.. فالحمد لله على نعمة العقل والفهم الصحيح للإسلام..ف "لا فرق لعربي على أعجمي أو أبيض على أسود إلا بالتقوى.."، إلى السطر

  • جمال

    إلى ثانينة:الشعب الجزائري لا يحتاج لتنوير هويته الاصلية كما قالها المفكر والعالم ابن باديس رحمة الله عليه وعلى أعماله: شعب الجزائر مسلم وإلى العرووووووووبة ينتسب.

  • الهادي

    بل كان نموذجياً

  • عزيز

    كتب مالك بن نبي في مذكراته "العفن " عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد المؤتمر الاسلامي 1936 والمطالب التي نقلوها الى الحكومة الشعبية يومها : ...أدركت من يومها أنه لا يرجى خير كثير من الأزهر والزيتونة وكلية الجزائر .. مهما يكن فقد كبّرت أربعا على (العلماء) وأقمت عليهم الحداد منذ سنة ,1936 واعتبرتهم أعجز من فهم فكرة ناهيك عن تصورها وتنفيذها ... 'لم يكن العلماء سوى مجموعة مسكينة من الخانعين الفاترين، من غير اقتدار يسمو بهم لمستوى الوضع، فقد كانوا يستظلون بعدالة الإله ويستكينون إليها لمواجهة الظلم الشرس الذي حاق بهم .

  • ثانينه

    تنوير الراي ام هو استمرار في تنويم وتغليط الناس..لا نلوم هؤلائي الدين طالبوا فرنسا بالاندماج ولكن نلومهم علي محو الهويه الامازيغيه للجزائريين..وما زال البعض يسير في نفس الكنف دون جدوي لان الشباب اليوم متعلمون ومتنورون يكتشفون الحقيقه دون ان يفرضها احد عليهم ثم ان عصر الابويه والانديجانيه اندثرت مع التكنولوجيا الرقميه التي تجعل الناس سواسيه في تلقي المعلومه في نفس اللحظه وفي ايه بقعه علي الارض.