-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد الشروط التي حددها الرئيس تبون في مجال الذاكرة

هل يتجرأ ماكرون على فعل ما عجز عنه سابقوه؟

محمد مسلم
  • 6465
  • 0
هل يتجرأ ماكرون على فعل ما عجز عنه سابقوه؟
أرشيف

كشفت التصريحات التي أدلى بها المؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس براس)، بعض الأسباب التي تقف خلف عدم تجاوب السلطات الجزائرية مع تقريره حول الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي أودعه لدى الرئاسة الفرنسية في جانفي 2021، بطلب من هذه الأخيرة.
وتبيّن من كلام بنجامان ستورا، الذي يعتبر مستشارا خاصا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في شؤون الذاكرة، أن الطرف الجزائري لم يتجاوب مع التقرير الذي أنجزه (ستورا)، لكون هذا الأخير تمحور فقط حول السنوات السبع للثورة التحريرية، في حين أن عمر الاحتلال الفرنسي للجزائر، يمتد على مدار قرن و32 سنة.
ووفق ما نقله بنجامان ستورا عن الرئيس عبد المجيد تبون، فإن الجزائر ترى بضرورة إنجاز تقرير يمسح طول فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر وليس سنوات الثورة فقط، وهو المطلب الذي يعتبر برأي المتابعين للعلاقات الجزائرية الفرنسية، موضوعيا، لأن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية خلال مدة قرن وربع قرن، التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية، كانت أعظم وأبشع، وترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفق بنود القانون الدولي.
ويخفي اقتصار الفترة التي عالجها تقرير بنجامان ستورافي تقريره، على سنوات الثورة دون غيرها من سنوات الاحتلال، حيلة ماكرة مفادها سعي السلطات الفرنسية إلى طمس جرائم الاحتلال ما قبل 1954، فضلا عن السعي إلى ترسيخ فكرة زائفة مفادها أن “العنف” أو “الجرائم” خلال فترة “حرب الجزائر” (أي الثورة التحريرية) كما تسميها الأدبيات التاريخية في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، كان من الطرفين، أي من طرف جيش الاحتلال الفرنسي، ولكن أيضا من الطرف الآخر، ممثلا في “جيش التحرير الوطني”، وهي مقاربة ظالمة تحاول ترسيخها “الدوائر الحالمة بالجزائر فرنسية” من “أقدام سوداء” (معمرون) و”حركى” وهؤلاء يشكلون الوعاء الانتخابي الذي يساند اليمين المتطرف المعادي للمصالح الجزائرية في المستعمرة السابقة.
في حين يرى الطرف الجزائري، أن الثورة التحريرية، التي سقط خلالها مليون ونصف مليون شهيد، ما هي إلا استمرار لكفاح الشعب الجزائري من أجل الانعتاق من نير الاحتلال الغاشم منذ العام 1830، مع الفارق في القوة والإصرار والإمكانيات والدعم الدولي، علما أن عدد الشهداء الذين سقطوا منذ أن وطأت أقدام الجيش الفرنسي الجزائر، يقدرون بنحو خمسة ملايين و630 ألف شهيد، كما جاء على لسان الرئيس تبون، فيما يرفع بعض المؤرخين العدد الإجمالي للشهداء إلى سبعة ملايين شهيد، وهناك حتى من تحدث عن عشرة ملايين شهيد.
وإذا كانت جرائم الاحتلال الفرنسي خلال الثورة التحريرية قد تم توثيقها بشكل متواتر أفزع العالم، إلا أن الجرائم التي سبقت 1954، تبقى أقل توثيقا بالرغم من أنها أفظع بكثير، لأن هناك عروشا وقبائل أبيدت عن بكرة أبيها بما فيها النساء والأطفال والشيوخ، في بداية توسع الجيش الاستعماري في المناطق المتاخمة للعاصمة، كما حصل لقبائل العوفية في الحراش، ثم بعد ذلك في الجزائر العميقة، على غرار ما تعرضت له قبيلة الزعاطشة على سبيل المثال لا الحصر.
والفرق بين جرائم جيش الاحتلال في فترة ما قبل 1954 وخلال الثورة التحريرية، هو أن الجيش الفرنسي كان يقضي على القبائل حتى وهي لم تقاوم بغية السيطرة على الأراضي ثم الإحلال، أي توطين عشرات الآلاف من الأوروبيين بهدف تغيير التركيبة السكانية للجزائر، تمهيدا لإلحاقها بالسيادة الفرنسية في إطار مسمى الأقاليم الفرنسية ما وراء البحر Outre mer، على العكس من فترة الثورة التحريرية، التي كان فيها “جيش التحرير” أكثر تنظيما وتسليحا، وانتشارا مقارنة بالمقاومات الشعبية التي سبقت اندلاع الثورة.
المقترح الذي بلّغه الرئيس تبون لنظيره الفرنسي عبر المؤرخ بنجامان ستورا، نقل الكرة إلى مرمى باريس، التي عبرت عن عدم رضاها على عدم تجاوب الطرف الجزائري مع مشروع ماكرون لـ”مصالحة الذاكرات”. وإن كان ستورا قد أيد المقترح وفق ما نقلته “فرانس براس”، إلا أن الكلمة الأخيرة تبقى للرئيس الفرنسي، الذي يسعى جاهدا لحل مشكلة الذاكرة، غير أن السؤال الذي يطرحه الكثير من المراقبين، هو: ما هي حدود تحرك ماكرون في هذا الملف الحساس؟ وما مدى قدرته على تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمت له ولأمثاله من الرؤساء الفرنسيين السابقين؟ فأي توصيف جاد وموضوعي لممارسات جيش الاحتلال دون الاعتراف بوقوع “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، وتقديم اعتذار عنها، يسقط مبررات وجود رغبة لدى الطرف الفرنسي في حل أزمة ماضيه الاستعماري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!