الرأي

هل يكره الجزائريون تاريخهم؟

حسين لقرع
  • 2363
  • 0

يستغرب الأشقاء العرب الذين يعيشون في الجزائر، من السلوكات “الباردة” للجزائريين في أعياد الثورة والاستقلال، ومن عدم افتخار الجزائريين بثورتهم وعدم اكتراثهم بها، مع أنها أعظمُ ثورة في القرن العشرين، ويقولون إنها لو حدثت في دولة أخرى كمصر مثلاً لأنجزت حولها مئات الأفلام والمسلسلات البطولية، ولكتبت آلاف الروايات والقصص والكتب الممجّدة لها، ولكانت مصدرَ فخر شديد لشعبها أمام شعوب المعمورة، والأمر نفسه كان سيحدث في أمريكا وكانت ستجنّد لها هوليوود لصنع مئات الأفلام العالمية الأسطورية، ولكنها حدثت في الجزائر، فلم تنل حقها من الاهتمام.. والفخر، فهل يكره الجزائريون تاريخهم؟

التعليقات التي تعوّدنا على سماعها من الشباب، وحتى من الكبار، تؤكد أن السبب الرئيس لبرودهم تجاه ثورة أول نوفمبر تعود إلى استعمال النظام لها كسجلّ تجاري واختلاق ما أسماهالشرعية الثوريةلتبرير بقائه في الحكم طيلة 53 سنة كاملة من الاستقلال، وبالتالي تفويت فرصة التغيير نحو الأحسن، ما جعل الأجيال الجديدة تنظر إلى المناسبة بتجاهل تام، حتى لا نقول شيئاً آخر.

لو احترمت السلطة بيانَ أول نوفمبر وبنت فور الحصول على الاستقلالدولة اجتماعية ديمقراطية في إطار المبادئ الإسلاميةلكان الوضعُ أحسن بكثير اليوم، لكن الأنانية دفعتها إلى بناء دولةٍ شمولية مغلَقة احتكرت فيها الحكم طيلة 53  سنة وأغلقت فيها المجال السياسي بإحكام، سواء خلال الأحادية أو حتى بعد اعترافها الشكلي بالديمقراطية والتعددية في 1988، كما غابت العدالةُ الاجتماعية وغرقت البلاد في فساد غير مسبوق، إلى درجة أنها تحتل كل سنة مرتبة غير مشرّفة في قائمة منظمةشفافية دوليةللدول النزيهة والدول الفاسدة.

لقد أنجز الشعبُ الجزائري ثورة عظيمة حظيت بإعجاب العالم كله، لكن ثورته لم تكتمل لأنه لم يُمكَّن من بناء الدولة التي حلم بها الشهداء، ففضلاً عن الشمولية المفروضة عليه، فقد فوّت عليه حكامُه فرصة بناء اقـتصاد قوي، متنوّع المصادر، قائم على العمل والإنتاج.. فهاهو بعد أكثر من نصف قرن من استغلال تريليونات الدولارات المتأتِّية منالريعالنفطي، يبقى في نقطة البداية: الاقتصاد لا يزال ريعياً ويتأثر بشدة، كما يعاني الشعبُ الأمرّين، كلما حدثت هزة نفطية في العالم وتراجعت أسعارُ البترول.

الجزائريون لا يكرهون تاريخهم حينما يقابلون ذكرى الثورة أو الاستقلال ببرود، كما أنهم لا يمقـتون بلدهم عندما ينطلقون جماعيا في كل مرة في قوارب الموت إلى أوربا مغامرين بأرواحهم؛ ففي كلا الحالتين يحتجّون على الأوضاع الراهنة بطرقهم الخاصة، والخلل بالتأكيد يكمن في من أوصلونا إلى هذه الأوضاع برغم كل الفرص التي سنحت لهم للارتقاء بالبلاد إلى صفّ البلدان المحترمة، ومنها دول كانت أصغر شأناً منا خاضت تجاربَ تنموية رائدة وطلّقت التخلف بالثلاث، بينما بقيت الجزائر تتجرّع الخيبة والمرارة.

هي ثورة كان يمكن أن تبني دولة تكون أنموذجا متفرّدا في الديمقراطية والتنمية أيضاً، وتحقّق الرخاء والعدالة الاجتماعية للمواطن، لكن السياسات الشمولية والريعية المعتمدة بإصرارمنذ الاستقلال إلى الآن، وتفشي الفساد، أوصلتها إلى ما نعرف جميعاً، والخطير أنه لا مؤشّرات تلوح في الأفق عن إمكانية حدوث تغيير حقيقي.

مقالات ذات صلة