هنا يرقد الى الأبد خالد بن الوليد
يقع مسجد “سيدي” خالد بن الوليد كما يحب الحماصنة تسميته، على منطقة مرتفعة، كانت قبل عشرات السنين خارج مدينة حمص في الجمهورية العربية السورية. أما اليوم فقد أصبحت وسط المدينة، كانت هذه القرية تسمى الخالدية واحتفظت بهذا الاسم وتحولت إلى أحد أحياء حمص القديمة وبقي اسمها الخالدية نسبة إلى خالد بن الوليد الذي دفن في هذه القرية حين وفاته عندما دخل حمص فاتحا دون قتال سنة /637/ ميلادية بعد أن كان قد دخل دمشق.
ويبدو ان “سيف الله” قد أحب الإقامة في ضواحي حمص وقضى فيها أربع سنوات وتوفي سنة /641/ ميلادية كما توثق الكثير من المراجع التاريخية لتنتهي في هذه البقعة من الأرض حياة أبرز قادة الإسلام وتخلده كلمته الشهيرة التي تستحق أن تكتب بحروف من ذهب (لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رَمْية، ثم هاأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء)، وحول صحة وجود قبر القائد خالد بن الوليد في هذا المكان تحديدا تؤكد جميع المصادر التاريخية ذلك ومنها /الرحالة ابن جبير – ياقوت الحموي – أبو الفداء – فيليب/ وهناك من يقول إن الصحابي الجليل خالد بن الوليد، قد عاش في أيامه الأخيرة حياة بائسة نتيجة نكرانه من قبل أصحابه ويسند من يدعي بذلك رأيه إلى كلمة “سيف الله المسلول” التي ذكرناها سابقا والتي لا يوجد أي خلاف على صحتها. ونحن نعتقد أنه مجرد استنتاج ممن يدعون ذلك فقط.
يحجون إلى خالد بن الوليد من كل فج عميق
تشير المراجع التاريخية إلى أنه في المرة الأولى التي بني فيها مسجد خالد بن الوليد، كان في القرن الثالث عشر الميلادي وخلال الفترة التي سبقته كان قبر “سيدي خالد” عبارة عن مزار فقط يقع على تلة مرتفعة شرق شمال حمص في قرية الخالدية المنسوبة إليه، وكان الجامع القديم عبارة عن بناء طيني بسيط وفق الطراز المملوكي المعروف ويقال إن من قام ببناء الجامع القديم الظاهر بيبرس عند مروره في حمص عندما كان في حملة إلى “سيس” بعد انتصاره في عين جالوت. وفي القرن التاسع عشر أعيد بناء المسجد “1903-1912” وفي عام 1974 أعيد ترميم مسجد خالد بن الوليد بأمر من الرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث قامت وزارة الدفاع بتولي عمليات الترميم من خلال مؤسساتها المدنية التي تقوم بأعمال الإشادة والبناء وأخذ الجامع اهتماما كبيرا بما يتناسب مع مكانته الإسلامية والتاريخية.
الابلق
جاء بناء مسجد خالد بن الوليد آية في فنون العمارة الإسلامية، إذ إنه أسس وفق العمارة المملوكية وجدد وفق العمارة العثمانية التي تتميز بتناوب الحجارة بين الأبيض والأسود وهو ما يسمى الابلق.. في المسجد تسع قباب، خمس منها كبيرة وأربع قباب صغيرة وهي ذات لون أبيض مختلفة في أحجامها وارتفاعاتها، وأهم ما يميز المسجد المئذنتان المرتفعتان بجانب القباب الجميلة وهما مضلعات من الحجر الأبيض وتزينهما المقرنصات الجميلة والقسم الرئيسي في المسجد هو الصحن الواسع الذي تصل أبعاده إلى (47×36م) وفي الصحن توجد أربع قاعات في القسم الشرقي من الصحن تم توظيف هذه القاعات لمجموعة وظائف، الأولى خصصت للوضوء والثانية خصصت كمتحف للفن الإسلامي، أما القاعتان الأخريان فقد تم تخصيصهما كمعهد لدراسة طلاب العلم الشرعي. وتحت القباب التسع يقع الحرم وهو ما يسمى في بعض المراجع “بيت الصلاة” وهو يمتد من الغرب إلى الشرق بطول (30،5م) وعرض (23،5م) وفوق “بيت الصلاة” تتموضع القباب التسع وأعلاها القبة الوسطى بارتفاع /30 مترا/ وقطر /12 مترا/ وفي صدر “بيت الصلاة” توجد المحاريب الثلاثة المزخرفة بالأحمر والأبيض والأسود من الرخام الجميل ويستند كل محراب على عمودين من الرخام، وعلى خلاف باقي المساجد المملوكية في بناء المنابر، فإن منبر مسجد “سيدي خالد” مصنوع من الرخام الأبيض المزخرف. ويميز بناء المسجد بغلبة الطابع العربي على البناء العثماني بالرغم من وجود لمسات عثمانية، لكن الأكيد أنه لا ينتمي للعمارة العثمانية، لأنه شكل حالة فريدة في العمارة الإسلامية.
في الزاوية الشمالية الغربية من الحرم يتموضع قبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد وبجانبه قبر ابنه عبد الرحمن وفوق القبر أقيمت قبة مزخرفة من الرخام وتم وضع غطاء من المخمل فوق القبر موشحة بالخطوط الخضراء.
وتذكر المراجع التاريخية أن البناء الحالي قد أنجز بأيدي أهالي حمص وبإشراف المعماري عارف خزام وآخر من آل سمرة وكلاهما من أبناء حمص، ويذكر البعض من كتاب التاريخ أن كلفة بناء المسجد كانت /16 ألف دينار/ رصدت من السلطنة العثمانية وعندما لم تكف لإنجاز المسجد بسبب منع جمعية الاتحاد والترقي من إرسال الأموال بالرغم أنها كانت كلها من أموال أهل حمص التي نهبها العثمانيون من المدينة، تمت الاستعانة بالتبرعات والحلي الموجودة في الضريح، ولجأ القائمون على بناء الجامع من أبناء حمص إلى جمع التبرعات من أهالي المدينة ومن النذور التي كانت ترصد للمسجد وقام أهالي المدينة بتوزيع العمل على الأحياء، حيث يقوم كل حي بالعمل خلال يوم كامل في جلب الحجارة من مقلع يوجد في منطقة الوعر الواقعة غرب حمص حتى تم بناء المسجد بأيدي أبناء المدينة عام 1912م.