واقع التوجه الفكري والتربوي الذي بدأنا نعيشه

إن واقع الإثارة الفكرية التي يطرحها التوجه التربوي والسياسي في سير نظام المدرسة واقع بدأنا نعيشه في الفترة الأخيرة، إنه الواقع الذي يشكل حدثا تربويا يميز الاتجاه الذي أصبحت البلاد تتبناه، وهو الحدث الذي فرضه التغيير الذي أقدمت عليه الدولة في المجال التنظيمي، وفي طرح بعض الجوانب التربوية من خلال الإجراءات التي تقرر العمل بها، سياسيا وتربويا، ليصبح سير المدرسة منسجما مع ما آل إليه الوضعُ العامّ في حياة الوطن إذ أصبح أسلوب النظام المسيِّر لأمور الدولة هو الأسلوب المميز الذي يترجم الاهتمام السياسي الوطني، الذي تم تحديده من قبل المسؤولين منذ سنتين، منذ أن أصبح الشعار الذي يردده السياسيون هو مصطلح الجزائر الجديدة، وهي الجزائر التي حددت وجهتها وأهدافها، في المجال السياسي والاقتصادي ضمن القرارات التي أقدمت عليها الدولة بهدف إحداث التغيير المطلوب التي تسعى إليه الأمة والذي يلائم التوجه السياسي القائم الذي يعبر عن إرادة الأمة واهتماماتها، ويجعلها أمة متميزة في تفكيرها. أمة تساير حقائق العصر، وتستلهم في برامجها تطورات الحياة العلمية.

هذه هي القرارات والأهداف الجديدة التي فكرت فيها الأمة ونفّد بعضَها القائمون على سير التعليم، وهدف من وراء ذلك إلى تحقيق المسعى الذي يحدث المزيد من التغيير الإيجابي الذي يتلائم مع ما ينتظره المجتمع الذي تتجه أماله ليكون سير المدرسة متزنا ومتوازنا، ويكون النظام التعليمي مسايرا للتطورات الجارية في العالم في المجال العلمي والتربوي. هذه هي القرارات والأهداف التي فكرت فيها الأمة.

إن هذا التوجه الذي بدأت الوزارة تتعامل معه قد تم استخلاصه من المناقشة التي دارت في اجتماع الوزراء الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية، وهو الاجتماع الذي طُرحت فيه جوانب سياسية وتربوية هامة كانت البلاد بحاجة إلى طرحها ومناقشتها، أهمها قرار إدراج تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، القرار الذي طرحه الرئيس وبيّن أهميتها والاهتمام به وجعل الإجراء المنفذ له معوضا للّغة الفرنسية التي يرى المربون ضرورة تأجيل تدريسها إلى ما بعد الابتدائي.

إن هذه اللغة الذي تقرر إدراجها في التعليم الابتدائي، لها مكانتها المتميزة في المجال العلمي ودورها في مجالات التواصل الحضاري في العالم إلى جانب لغتنا الوطنية التي يجب أن تسترد مكانتها التاريخية ودورها العلمي، وتقتحم المجالات التي تحد مجالات التعليم العالي الذي يجد فيها ما يحقق آمال الأمة في المجال العلمي والتقني.

إن اهتمام الدولة بهذه اللغة يحقق لنا الأمل الذي كنا ننتظره، وبهذا القرار تصبح المدرسة عندنا تعيش تحولا سياسيا وتربويا كبيرا يجعل البلاد تحقق التطور الذي تسعى إليه، وتصبح السياسة اللغوية المشعة تساير الأحداث الجارية في العالم. وبعد مناقشة النقطة الخاصة بالطرح اللغوي تواصل النقاش بخصوص الوضع التعليمي بالدعوة إلى مراجعته والتدقيق في مناقشة أوضاعه، وهي النقطة التي دعا فيها الرئيس إلى الاهتمام بمراجعة الوضع التعليمي في المرحلة القاعدية لأنها أساس نظام التعليم الإلزامي.

إن تحليل الوضع القائم يفرض معرفة الجوانب الأساسية التي يتناولها الوضع، إن المراجعة التي دعا إليها الرئيس في مجلس الوزراء تبين أهمية التفكير في تحليل الواقع الذي نعيشه، وأهم ما ينبغي تناوله في مرحلة القاعدية هو تركيز النظر في المواد المقررة وفي مضامينها وفي المدة الزمنية المخصصة لإنجازها، وينبغي أن تشمل المراجعة ذكر المواد ومحتوياتها والأساليب التي تُعلَّم بها مع ذكر الأنشطة الأساسي والتي يجب إدراجها في السنوات الأولى، وذكر المواد التي ينبغي تأجيل تعليمها إلى ما بعد الثالثة أو بداية من الثالثة مع تعميق النظر في محتوى كل مادة ومدى ملاءمتها لمستوى المتعلّم، هذا هو أساسُ المراجعة التي نودُّ أن تهتم بها الوزارة، وهذا هو التوجُّه الذي يركز عليه، وبتحليله يتضح الاهتمام الرسمي الذي يركز على الجوانب الهامة، وهو جانب من جوانب المراجعة، وهناك جانب آخر يجب ذكره، وهو الجانب الهام الذي يطرح التوجه التربوي الذي نريد العمل به لأنه يعالج الإشكال الذي يطرح في هذه المرحلة وهو الذي ينبغي أن يسير عليه نظام التعليم.

إن أهم ما يجب مراجعته في المرحلة الابتدائية، إضافة إلى ما ذكر، هو عمل المعلمين.. هذا هو الجانب التربوي الهام الذي لابد من العمل به، لأنه يحقق عددا من النتائج أهمها: أنه يرفع مستوى الأداء ويعالج مظاهر الضعف ويخفّف العبء على المعلم لأنه لا يكلفه إلا بتدريس ثلاث مواد يختارها وهذا يجعله يدقق في العمل، ويعمّق تفكيره في هذه المواد، لأن الوضع الحالي يفرض عليه تدريس جميع المواد، وإمكاناته العلمية لا تتيح له ذلك، وهذا ما جعلنا منذ سنوات نطالب بتطبيق هذه الخطة التي سبق وأن جرّبناها وكانت لها نتائج طيبة لأنها تخفف العبء عن المعلم وترفع المستوى وتعالج الضعف ومضمون الخطة يجعل المعلم متمكنا مما يدرِّسه لأنها تعفيه من تدريسه، لذا يتعين حسب الخطة توزيع المهام بحيث يكلف بعضهم بالعمل مع السنتين الأولى والثانية ويدرِّس لهما كل الأنشطة لأنها بسيطة ومتكاملة، وباقي المعلمين نوعان، نوع يكلف بالمواد العلمية (تخصص جزئي) وهي العلوم والرياضيات والجغرافيا، يدرِّسها لبعض الأقسام، ونوع من المعلمين يكلف بالمواد الأدبية وهي: التاريخ واللغة العربية والتربية الإسلامية، يدرِّسها لبعض الأقسام، وتتولى الإدارةُ مع المفتشين اختيار المؤهّلين لهذه الأقسام، هذه الخطة تم تطبيقها في السابق وكانت لها نتائج طيبة، لأن عمل المعلم تم حصره في ثلاث مواد فقط، وهي المواد التي يتقنها ويميل إليها.

بعد إثارة موضوع المراجعة، انتقل النقاش إلى ما تناولته الوزارة في مجال التفكير الجديد الخاص بتوجيه الاهتمام إلى العمل بتزويد المدارس الابتدائية بالوسائل الرقمية (الطابلات واللوحات الالكترونية) وجعلها بين أيدي التلاميذ كوسيلة تعليمية داخل الأقسام تعوّض الكتب وتمكّنهم من استيعاب ما يتضمنه الكتاب المطبوع، وبهذا يتم تخفيف المحفظة التي يثار الحديث عنها، ولكن الحقيقة هي أن وظيفة اللوحات ليست في جعل المتعلم يستغني عن الكتب، فهي أداةٌ تقنية مفيدة في بعض الجوانب العلمية ولكن المربّين ينصحون بعدم المغالاة في استعمالها وفي الإدمان على التعامل معها، لأن لها تأثيرا نفسيا يجعل التلميذ غير راغب في تصفُّح الكتاب المطبوع، ورغم ذلك حرصت الوزارة ضمن إجراءات التغيير على مواصلة تجهيز المدارسة باللوحات الالكترونية ولواحقها قصد وضعها بين أيدي التلاميذ كوسيلة تعليمية داخل الأقسام بديلا عن الكتب المطبوعة، طرح هذا الموضوع ضمن أعمال الندوة التي عقدها وزير التربوية مع مديري التربية في شهر جوان حرصا من الوزارة على القيام بتجهيز المنشآت المدرسية بالوسائل التقنية اللازمة لتمكين التلاميذ من الوسائل الحديثة التي تمكِّنهم من استثمارها في مجال التعلم، إنها اللوحات الالكترونية التي تقرر تعميم توزيعها في المدارس الابتدائية كوسيلة تعليمية.

أهم ما يجب مراجعته في المرحلة الابتدائية هو عمل المعلمين.. هذا هو الجانب التربوي الهام الذي لابد من العمل به، لأنه يحقق عددا من النتائج أهمها: أنه يرفع مستوى الأداء ويعالج مظاهر الضعف ويخفّف العبء على المعلم لأنه لا يكلفه إلا بتدريس ثلاث مواد يختارها وهذا يجعله يدقق في العمل، ويعمّق تفكيره في هذه المواد، لأن الوضع الحالي يفرض عليه تدريس جميع المواد.

إنه موضوعٌ يعالج جانبا تعليميا مفيدا للبعض، ولكنه معقدٌ للبعض الآخر، لأنه يتطلب مناقشة عميقة لتحديد الهدف وأسلوب الاستعمال، ولا نعتقد أن الوزارة قد استوفت هذه المناقشة، وحدّدت الهدف من استعمال اللوحات وأسلوب استعمالها وأصبحت قادرة على حل الإشكال المثار في هذا المجال، وجعل هذه الوسائل أداة لتخفيف نقل المحفظة المطروح، وهو الهدف الذي استخلصناه من السياق ومن المحيط.

هذا هو الموضوع الذي قرر الوزير مناقشته مع مديري التربية في ندوة خاصة ولكن المناقشة لم تصرح بالهدف من معالجته رغم أن السياق يجعله واضحا، وهو ما تفكر فيه الوزارة، وهو السعي إلى الاستغناء عن حمل الكتب الكثيرة فالوزارة تسعى إلى هذا الهدف من وراء تعميم هذه الوسائل، تسعى إلى التقليل من عدد الكتب في المحفظة، لكن هذا الإجراء لا يوافق عليه المربون، ثم إن الإكثار من استعمال اللوحات يترك أثرا نفسيا لدى التلاميذ ويقلل من رغبتهم في التعامل مع الكتاب المطبوع ولا يحقق لهم ما هم بحاجة إليه في المجال العلمي، هذا هو الموضوع المثار للمعالجة.

إن هذه اللغة الذي تقرر إدراجها في التعليم الابتدائي، لها مكانتها المتميزة في المجال العلمي ودورها في مجالات التواصل الحضاري في العالم إلى جانب لغتنا الوطنية التي يجب أن تسترد مكانتها التاريخية ودورها العلمي، وتقتحم المجالات التي تحد مجالات التعليم العالي الذي يجد فيها ما يحقق آمال الأمة في المجال العلمي والتقني.

وأهم جانب لم تثره المناقشة هو أن هذه الوسائل تمكِّن من فهم الجوانب العلمية وتعمِّق الاهتمام بدراسة الجوانب التقنية التي يعيشها التلاميذ في المجال الالكتروني والتي يجدها في الحياة، وما فهمه الناس وفهمناه نحن هو أن الموضوع طُرح للاستغناء عن الكتب المطبوعة ولم يُطرح بفهم الجانب العلمي، لأن اللوحة تعوّض الكتاب فهي تقوم بشرح مضامين تعليمية يمثلها الكتاب، ومهما تكن الجوانب التي تثيرها هذه الوسائل ينبغي أن لا نبالغ في استعمالها، لأن الإدمان في التعامل معها يترك تأثيرات نفسية تجعل التلميذ غير راغب في تصفح الكتاب المطبوع، والالتذاذ بقراءة ما فيه، وما يجب أن ندركه هو أن هذه الوسائل مكلفة ماديا وليس من السهل تمكين كل التلاميذ بها.

بعد المناقشة التي أثيرت في مجلس الوزراء والتي تناولت في البداية اهتمام الدولة بطرح الفكرة الهامة المتممة للبعد السياسي الخاص بالتوجه الفكري والتربوية للغة الانجليزية وإثارة موضوع مراجعة الوضع التعليمي الذي توسع النقاش فيه ثم تناول جانب التفكير الخاص الموجه لتزويد المدارس بالوسائل الرقمية، بعد هذا تضيف في الأخير طرح فكرة جديدة وهامة تتعلق بإثارة فكرة طالما طالبنا بها، وهي تشكيل هيأة سياسية تربوية يسند إليها تحديد التوجيه السياسي التربوي لضبط عمل الوزارة توجيه تفكيرها (هذه الهيأة هي المجلس الأعلى للتربية).

اللوحة تعوّض الكتاب فهي تقوم بشرح مضامين تعليمية يمثلها الكتاب، ومهما تكن الجوانب التي تثيرها هذه الوسائل ينبغي أن لا نبالغ في استعمالها، لأن الإدمان في التعامل معها يترك تأثيرات نفسية تجعل التلميذ غير راغب في تصفح الكتاب المطبوع، والالتذاذ بقراءة ما فيه، وما يجب أن ندركه هو أن هذه الوسائل مكلفة ماديا وليس من السهل تمكين كل التلاميذ بها.

إن المهمة التي تطلب من هذه الهيئة هي أن تقف بجانب الوزارة تسندها في ضبط مشاريعها، توجهها نحو ما تريد الأمة، هذا هو الدور الذي تضطلع به هذه الهيئة، فهي الموجِّهة للوزارة والمحركة لاهتماماتها والمحددة للقرارات التي تقررها لأن الوزارة مهمتها هي تنفيذ ما تقرره هذه الهيئة، وهذا التوجيه فقدناه منذ بداية الانفتاح السياسي ودخول البلاد عهد التعددية الحزبية وإلغاء المجلس الأعلى للتربية الذي كان قائما في فترة معينة.

إن هذه الهيئة التي نطالب بإنشائها هي السند الأساسي الذي تعتمده الوزارة ويستعين بها البرلمان في مناقشة مشاريع القوانين التربوية، وبقاء الوزارة بدون هذه الهيئة يجعلها تلتجئ إلى الارتجال في القرار واعتماد الآراء الفردية والمشاريع الغامضة والابتعاد عن البرامج المدروسة وهذا يفقدها القدرة على ضبط سير العمل وعلى الوضوح في الاتجاه، وبهذا الوضع يصبح التوجُّه التربوي هو الأساس الذي تعتمده الوزارة وتسير وفق رؤيته أن التعجيل بإنشاء هذه الهيئة ينير الطريق التي تسير فيه الوزارة ويتبعه النظام التربوي، لذا نطالب ونلح في المطالبة بإنشاء المجلس الأعلى للتربية.

هذا هو التوجه الفكري والتربوي الذي يجب أن يعيشه النظام التعليمي وتسير عليه الوزارة وتنفذه المدرسة.