-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… وترحل العالمة مريم ميرزخاني (1977-2017)

… وترحل العالمة مريم ميرزخاني (1977-2017)

عانى العالم الإسلامي ولا يزال يعاني من التهميش في مجالات كثيرة، ومن عدم قدرته على التأسيس لنهضة علمية حقيقية. والسبب أسباب، منها الداخلية ومنها الخارجية، ومنها الظاهرة ومنها الباطنة. لو نتساءل مثلا عن عدد الحاصلين على جائزة نوبل الذين زاولوا جزءا كبيرا من دراستهم في البلاد الإسلامية، باعتبار هذه الجائزة أحد معايير التفوق العلمي لدى الأفراد ولدى الدول إذا ما تعدد الحاصلون عليها -وإذا استثنينا جائزة نوبل للسلام وفي الآداب لِمَا فيهما من توجهات سياسية صارخة- فإننا لا نجد في المجال العلمي أكثر من ثلاثة علماء أتوا من بلاد الإسلام!

أول هؤلاء هو الباكستاني محمد عبد السلام (1926-1996): حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979. وبغض النظر عما قدمه عبد السلام في مجال اختصاصه فقد عُرف بما وفره للعالم الإسلامي خاصة وللعالم الثالث عامة بتأسيسه للمركز الدولي للفيزياء النظرية بمدينة ترييست الإيطالية عام 1964. 

يوفر هذا المركز خدمات جليلة من مراجع وإيواء وتكفل مجاني ومنح دراسية لنيل دورات تكوينية على مدار السنة للمستضعفين، وكذا شهادات أكاديمية في الفيزياء والرياضيات عالية المستوى. ومن المعلوم أن كثيرا من الجزائريين استفادوا ويستفيدون من خدمات هذا المركز إلى اليوم. وقد حمل المركز اسم مؤسسه بعد رحيله. 

ثاني الثلاثة هو المصري أحمد زويل (1946-2016): فاز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، وحاول في نفس السنة تقديم خدمة علمية لوطنه الأم بإنشاء مدينة للعلوم والتكنولوجيا تحمل اسمه بالقاهرة. وتعثر المشروع عدة مرات، ثم تبنته السلطات المصرية واعتبرته “مشروع مصر القومي للنهضة العلمية”. والمشروع ماض في تحقيق أهدافه.

أما ثالثة الثلاثة فهي الإيرانية مريم ميرزخاني (1977-2017) : وافتها المنية يوم السبت الماضي (15 جويلية 2017) وعمرها لم يتجاوز 40 سنة إثر إصابتها بالسرطان عانت منه نحو سنتين. كانت تشغل منصب أستاذة في الرياضيات بجامعة ستانفورد الأميريكة الشهيرة منذ بلغت 31 سنة. وتحصلت على الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 2004. وعبقرية الراحلة جعلت منها أول امرأة في العالم  تفوز بـ “جائزة نوبل” في الرياضيات، المسماة “ميدالية فيلدز”. كان ذلك عام 2014!

درست ميرزخاني حتى شهادة الماستر في طهران، فزاولت تعليمها الثانوي في المؤسسة الحكومية الخاصة بالنجباء. كما مثلت بلادها كتلميذة في المنافسات الأولمبية العالمية في الرياضيات خلال 1994-1995 ففازت بالميداليات الذهبية. ثم تخرجت من جامعة الشريف التكنولوجية الذائعة الصيت في طهران والعالم.

 عندما استجوبتها الصحف ووسائل الإعلام الغربية بعد نيلها هذا الفوز الكبير (ميدالية فيلدز) كانت مريم تجيب عن الأسئلة بشكل يُشعِر القارئ باعتزازها بأصولها، وبمسقط رأسها وبالمكان الذي ترعرعت فيه ونالت فيه شهاداتها الأولى. وهذا الاعتزاز بوطنها كان يدعوها من دون شك إلى التفاتة علمية طيبة نحوه مثلما كان الحال لدى محمد عبد السلام ومثلما حاول أن يقدم أحمد زويل. لكن الصراع مع الموت باغتها ورحلت دون تحقيق ذلك. 

كان الرئيس الإيراني قد كتب إثر فوز ميرزخاني بميدالية فيلدز تهنئة لها يقول فيها “يمكن اليوم للإيرانيين أن يفتخروا بكون أول امرأة تفوز بميدالية ‘فيلدز’ هي مواطنة إيرانية”، كما نعاها يوم وفاتها ونعتها العديد من الهيئات العلمية في العالم.

وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن ميرزخاني كانت تعمل بالولايات المتحدة منذ إنهاء دراستها، وعندما نالت ميدالية فيلدز حاولت بعض الصحف الغربية أن تفتك منها نقدًا أو انتقادًا لبلدها في مجال التعليم وغيره فلم تفلح رغم أن الراحلة كان يبدو عليها التحرر والتمرد.

إليك نموذجا من أجوبتها عندما طُلب منها قبل سنتين المقارنة بين الدراسة في بلدها وفي الغرب، قالت: “من الصعب بالنسبة لي أن أعلق على هذا السؤال لأن تجربتي هنا في الولايات المتحدة تقتصر على عدد قليل من الجامعات. وأنا أعرف القليل جدا مما يجري في التعليم الثانوي هنا. ومع ذلك، أود أن أقول إن نظام التعليم في إيران ليس الطريقة التي قد يتصورها الناس هنا. عندما كنت طالبة دراسات عليا في جامعة هارفارد (أمريكا)، كان يتعيّن علي أن أوضح مرارا أنه قد سُمح لي بالتسجيل في إحدى الجامعات الإيرانية. وحتى إن كان صحيحا أن الفتيان والفتيات يزاولون دراستهم في مدارس منفصلة حتى المدرسة الثانوية (في إيران) فإن ذلك لا يمنع الجنسين من المشاركة في المنافسات الأولمبية العالمية أو في المخيمات العلمية الصيفية.”

كانت الراحلة ترى أنه لا يمكن أن يكون كل الناس بارعين في الرياضيات، لكنها تعتقد أن الكثير من التلاميذ والطلبة لا تُمنح لهم، ولا يمنحون لأنفسهم، الفرص المواتية للتفوق في الرياضيات. وتقول إنها عانت شخصيا من هذه الضائقة. وتضيف أنه بدون أن يكون الطالب متحمسا وفضوليا في مجال الرياضيات فسيبدو له هذا العلم عديم الفائدة ومزعج، ذلك أن “جمال الرياضيات لا يدركه إلا الصابرون وذوو النفس الطويل!” 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • سوسن

    ما دخل السنة و الشيعة هنا؟؟ هذه عالمة ، ألا تعرف ما معنى عالمة؟ أي لا علاقة لها بالأديان و المذاهب ، قدمت الخير للبشرية فعليها رحمة الله هي أحسن من كثير ممن يدعون التدين

  • عبدالحميدالسلفي

    السلام عليكم.
    يعني على حد تعبير بعض المعلقين:
    -كل عالم كافر
    -أنا عالم
    -النتيجة الحتمية العالم كافر.
    هذا هو المنطق الصوري الخاطئ ولا يليق إلا بالعقول القاصرة. لقد خلق الله هذا الوجود من أجل الإذعان له سبحانه بالعبودية التامة فمن ألقى السمع وهو شهيد فقد فاز بالدنيا والآخرة ومن آثر الحياة الدنيا فما له في الآخرة من خلاق ,ومن أحسن التدبير جمع بين خير الدنيا وخير الآخرة.
    فطوبى لمن جعل عقله ميزة تدرك حق الخالق وتتودد إليه بالعبودية المطلقة له وحده لا شريك له فتكون خير شاهد على ربوبيته وألوهيته.
    -

  • ايلينا

    و قد عينتها الدولة الايرانية كمدرّسة للرياضيات في الجامعة و هي لم تجاوز ال 25 سنة ، رغم أنّ جامعة طهران لا تقبل إلا بدكتور و مريم لم تكن دكتورة آنذاك ،كما تم تسليمها ثلاثة مشاريع نووية في سلك حساس جدا قبل أن تنال هذه الجوائز العالمية ! و اكراما لعالمة الرياضيات مريم مرزاخان شرع البرلمان الإيراني قانونا جديدا يقضي بتجنيس زوج و أبناء الإيرانيات ان كان أجنبيا ،و هذا لأنّ مريم متزوجة من رجل أرروبي ( من التشيك )
    المجد للعلم و العلماء الذي يكسر كل القواعد والأعراف والدساتير الرجعية

  • ايلينا

    الايرانية (مريم ميرزاخاي) ذات ال 25 عاما ، هي أول عالمة رياضيات من أصول مسلمة تصل إلى هذا المستوى العالمي ، تم تكريمها من طرف الرئيس الإيراني روحاني و نعتها السلطات و شخصيات إيرانية بارزة
    رغم أن إيران دولة نظامها إسلامي الا أنها تشجع النساء العالمات ، و كل المواقع الإيرانية بما فيها موقع الرئاسة وضعوا صورتها من دون حجاب ، كما قرروا تصميم تمثال لها مع تسمية بعض الجامعات على إسمها رغم توجهاتها العٓلمانية المعروفة و المعارضة لهم في بعض الأمور بالذات في الناحية الدينية

  • ايلينا

    في ايران يلقى العلماء معاملة خاصة حتى لو كانوا من النساء ، أغلب العلماء الإيرانيين غير متدينين و لديهم أماكن خاصة للإقامة يتوفر فيها كل شيء مقابل أن يبدعوا في مجالاتهم
    لطالما أثبت التاريخ و الحاضر أنّ الفرس هم المسيطرون على العلم التجريبي و الفلسفي و الفكري في البلدان الإسلامية ، و كلّنا نعرف أنه منذ القديم كان أغلب العلماء و المفكرين و أبرزهم الذي يحسبون على الإسلام هم من بلاد الفرس كابن سينا و الخوارزمي إلخ
    كلهم تم تكفيرهم و زنندقتهم و اخراجهم من ملة الاسلام و مازال أحفادهم يفكّرون مثلهم.!

  • محمد لخضر

    ذلك أن "جمال الرياضيات لا يدركه إلا الصابرون وذوو النفس الطويل!".... :انها الحقيقة لقد كنت صابرا مع الرياضيات ،هناك تمارين وجدت حلها بعد مدة طويلة ،لقد مكنني تنمية قدراتي في الرياضيات والفيزياء من الحصول على البكالوريافي جوان1977،في تلك الفترة يمنع استعمال الآلة الحاسبة،لا توجد دروس خصوصية،المراجع نحصل من الخارج(les ABC-VUIBERT-FAIRE le POINT........).

  • Jalal

    Parfaitement d'accord, les Iraniennes sont des femmes libres au vrai sense du mot. Le seul obstacle est le tchador, et il est sur la voie de la disparition, crois-moi.