الشروق العربي
وقع عليها مع أمريكا في 1795

وثيقة العهدنامة… حين كانت الجزائر سيدة على العالم

فاروق كداش
  • 8882
  • 12

التاريخ السيادي للجزائر يمتد على قرون وقرون. وفي زمن كانت دول العالم تعيش الفقر والجهل، كانت تحسب لأساطيل المحروسة ألف حساب. وإن كانت الولايات المتحدة أقوى دولة الآن، ففي ماض بعيد لجأت إلى الجزائر لحماية سفنها من النهب والقرصنة. الشروق العربي، تتفحص أول معاهدة سلام، أبرمت بين الداي حسين وجورج واشنطن، تحمل في طياتها عظمة بلادنا.

للجزائر والولايات المتحدة ماضٍ مشترك وثري، وقد يفكر الشباب اليوم في كون هذا الماضي لا يتعدى نصف قرن من الزمن، غير أنه أقدم مما قد يتخيله المرء. وكانت الجزائر، أو بالأحرى مملكة الجزائر، من أولى الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، كما كانت هناك قنصلية أمريكية في الجزائر العاصمة، قبل الاحتلال الفرنسي.

من الضروري وضعكم في الإطار الزمني لهذه المعاهدة التاريخية، لنتذكر أنه، في القرن الثامن عشر، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني الويلات من جراء حرب الاستقلال، التي تمت في جويلية 1776. وقد أثقلت تبعات هذه الحرب كاهلها بالديون، ولم يكن لديها أسطول بحري قادر على ضمان حماية سفنها التجارية، رغم أن البحرية الملكية البريطانية أو الأسطول البرتغالي كانا يتوليان مهمة ضمان سلامة هذه السفن التجارية، ولم تمنع هذه الحماية مملكة الجزائر من الاستيلاء على سفينتين أمريكيتين، في عام 1785، و”إحدى عشرة سفينة تجارية”، في عام 1793، ما وضع الولايات المتحدة في مأزق اقتصادي حقيقي، واضطرت إلى التفاوض بشأن حماية تجارتها البحرية، في انتظار بناء أسطولها الخاص، في بداية القرن التاسع عشر.

أمريكا قبل أن تكون أمريكا

قبل عام 1785، كانت السفن الأمريكية بالتأكيد فريسة سهلة للقراصنة، ممن أطلق عليهم الغرب آنذاك “البربرية”. وبناء على ذلك، قرر مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراح “معاهدة سلام وصداقة” مع الجزائر.

وقد وقعت هذه المعاهدة في 1795، وكان من بين بنودها ضمان احترام حرية حركة البضائع والأشخاص، وأعطت طبيعة البضائع المعفاة من الرسوم الجمركية، وقننت العلاقات التجارية والعسكرية والدبلوماسية، التي أقامها الشريكان، ووضحت وعززت صلاحيات القنصل الأمريكي.

ولإدراك مكانة الجزائر في تلك الحقبة، فقد تقرر إبرام هذه المعاهدة في الجزائر العاصمة، يوم 5 سبتمبر 1795، بين الداي حسن باشا، من الجانب الجزائري، وجوزيف دونالدسون جونيور، من الجانب الأمريكي، ممثلا عن

الرئيس الأمريكي، جورج واشنطن. ومن المثير للاهتمام، أنه في تاريخ الولايات المتحدة الفتية لم تكن هناك اعتداءات من دول أجنبية، ماعدا الجزائر ودول الجوار، التي كانت قوية بقوة الجزائر ومركزها في شمال إفريقيا.

وتشير النسخة العثمانية، التي وقعها حسن باشا، الذي حكم الجزائر من 1791 إلى 1798، وهذا بفضل العنوان المقروء نسبيا، إلى أن “معاهدة السلام”هذه جزائرية- أمريكية. وقد كان هذا النوع من الاتفاقيات في العهد العثماني يطلق عليه اسم “عهدنامه”.

نهاية حقبة ذهبية

ويبقى التاريخ الهجري، الذي يظهر في أسفل المعاهدة يسارا، غير واضح، للأسف، بحيث لا يمكن الجزم على وجه اليقين، بأنه في الواقع هو تاريخ 1795، وليس اتفاقيات 1815 و1816، بعد معركة كيب جاتا في 15 جوان 1815، التي تعرض فيها أسطول رايس حميدو للهزيمة. وقد وضعت هذه المعركة حدا نهائيا لهيمنة الأساطيل الجزائرية على البحار، وانتهت معها الجزية التي كانت الدول الغربية تجبر على دفعها.

وهذا جانب من نص معاهدة ثانية، صادق عليها كونغرس الولايات المتحدة، في 26 ديسمبر 1815.

يجب أن يكون هناك من تاريخ إبرام هذه المعاهدة سلام وصداقة، غير قابلين للانتهاك، بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ومواطنيها من ناحية، وداي ورعايا الجزائر العاصمة في بربريا، من ناحية أخرى، بموافقة الطرفين الحرة، وبشروط الدول الأكثر رعاية. وإذا منح أي من الطرفين في ما بعد لأي دولة أخرى، أي خدمة أو امتياز خاص في الملاحة أو التجارة، فسيصبح ذلك على الفور مشتركًا للطرف الآخر، بحرية، عندما يُمنح هذه الدولة الأخرى بحرية، ولكن، عندما تكون المنحة مشروطة، يجب أن يكون خيار الأطراف المتعاقدة قبول أو تغيير أو رفض مثل هذه الشروط، بالطريقة التي تكون أكثر ملاءمة لمصالحهم.

مقالات ذات صلة