وزارة تخاف من الفيسبوك!!
الحراك الذي حدث في تونس ومصر وليبيا ويحدث في اليمن وسوريا، صار هاجسا مخيفا لعديد الحكومات والشعوب، حتى لو كان عاديا ومنطقيا وضروريا في بعض البلدان لإصلاح ما يمكن إصلاحه وتغيير ما يمكن تغييره، بل وأصبح حديث الساعة عندنا أيضا في الأوساط الشعبية والرسمية، حتى أن إحدى صفحات الفيسبوك المشبوهة التي دعت إلى ثورة في الجزائر أثارت هلعا كبيرا وردود فعل رسمية مختلفة، كان أغربها الطلب الذي تقدمت به وزارة الشباب والرياضة إلى الرابطة المحترفة بتأجيل مباريات كرة القدم التي لعبت في العاصمة البارحة خوفا مما جاء في الصفحة وكأننا فعلا في ظروف سياسية وأمنية تقتضي ذالك..
- رد فعل الوزارة المريب والمشبوه والضعيف يدعو إلى الحيرة والقلق أكثر من دعوات التغيير والإصلاح، وأكثر من الاحتجاجات التي نسمع عنها هنا وهناك، ويدل على فقر مدقع في التفكير والتدبير والتصرف من طرف السلطات العمومية مع دعوة جاءت من مصدر مجهول وغير مسؤول، وهي التي تملك وسائل الإعلام الثقيلة والخفيفة، المرئية والمسموعة وحتى المكتوبة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتملك المؤسسات والجمعيات والإمكانيات والوسائل، ولكنها تخاف من دعوات مشبوهة ومن تنظيم مباريات في كرة القدم قد تكون مسرحا لتجاوزات يستغلها البعض، وتوحي بعدم قدرتنا على تنظيم مباريات في الكرة وحفظ النظام العام إذا خرجت الجماهير للتظاهر!!..
هذا النوع من التخوفات والممارسات هو الذي يجب تغييره وإصلاحه، هو وغيره من التصرفات الأخرى التي تسيء إلى الدولة ومؤسساتها وإلى شعبنا، وتخيفنا أكثر مما نخاف من دعوات المغامرين بالقيام بثورة شعبية في الجزائر، وهي التي تقودنا إلى الحديث عن ضرورة تصحيح أخطائنا التي تتكرر في كل مرة، وتصحيح فهمنا لواقعنا المتميز، وتصحيح نظرتنا لأبنائنا وشبابنا على أنهم قصّر لا يمكنهم التمييز، وكذلك تصحيح كل الممارسات غير المسؤولة من طرف بعض المسؤولين، وكل مفاهيمنا الخاطئة للثورات والاحتجاجات والتغيرات الحاصلة اليوم في مجتمعاتنا..
تصرفات كهذه وتخوفات من هذا الحجم تقودني إلى استعمال مصطلح “التصحيح” وليس الإصلاح أو التغيير، لأننا أثبتنا فشلنا في إصلاح منظوماتنا السياسية والاقتصادية والصحية والتربوية والرياضية، وفشلنا في تغيير الذهنيات والممارسات والأشخاص، وفشلنا في اتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات اللازمة قبل فوات الأوان، حتى وصلنا إلى الخوف من شبان وجدوا في الوسائط الحديثة وسيلة للتواصل والتجنيد..
فشلنا في الإصلاح والتغيير، وفشلنا في التواصل مع شبابنا، لذلك يجب الذهاب نحو التصحيح، لأن التغيير أصبح يشكل عقدة لنا جميعا بعد الذي حدث في تونس ومصر وليبيا، ولأن الإصلاح أصبح يخيفنا جميعا ويهدد مصالحنا ومكتسباتنا الخاصة، ولم نوفق فيه منذ زمن بعيد.
وعندما أقول التصحيح فإنني أقصد تهذيب مصطلحي الإصلاح والتغيير، والذهاب نحو تحولات عميقة باستعمال مصطلح “جديد قديم” يتجاوز الأشخاص والأحداث الظرفية، ويتوجه بنا نحو تصحيح المسار والفهم والتصرف، لبناء مؤسسات قوية واعتماد أسس وقواعد ومبادئ وسياسة وثقافة وتقاليد متينة يستمد منها الشعب قوته، وترتكز عليها الدولة في بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة وقوة القانون، والفهم الجيد لمتطلبات أبنائنا التي صارت أكبر وأهم مما يأتي على صفحات الفيسبوك، وأكبر من التعبير عنها في ملاعب الكرة والشوارع والساحات العمومية، لأننا ندرك أن الوطن خط أحمر لدى الجميع ولن نسمح للمغامرين بالتلاعب أو المتاجرة به، ولكن من حق الجزائريين التعبير السلمي والحضاري عن غضبهم وتذمرهم وعدم رضاهم عن أحوالهم، وعن رغبتهم في التصحيح السياسي والفكري والأخلاقي..
الشعب الجزائري لن يجعل من تغيير الرئيس والوزير والمدير غاية في حد ذاتها أو وسيلة لإحداث التصحيح، ولا يريد إصلاح المستشفيات وإصلاح العدالة وإصلاح المنظومة التربوية وغيرها من القطاعات، بل يريد منا تصحيح أخطائنا الفردية والجماعية التي ارتكبناها، وتصحيح مناهجنا الفكرية والأخلاقية والعلمية، وتصحيح نظرتنا إلى جزائر العهد الجديد والجيل الجديد، وإذا اقتضى ذالك تغيير الرجال على كل المستويات فأهلا وسهلا ومرحبا دون شماتة أو حقد أو كراهية، ودون إراقة الدماء..
derradjih@gmail.com