-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارة التربية: الاستهتار بالنخبة متواصل!

وزارة التربية: الاستهتار بالنخبة متواصل!

في 12 ديسمبر 2021 صدر لنا مقالٌ في “الشروق اليومي” بعنوان “عندما تَـنْـسـِف وزارة التربية المشاريع الوطنية”. والمقصود بالمشاريع الوطنية هنا هي تلك التي تُعنى بالنخبة، مثل المنافسات الأولمبية العالمية في جميع التخصصات العلمية، وعلى رأسها الرياضيات. ولا يخفى عن المتتبّعين أن وزير التربية السابق محمد وجعوط كان يولي لهذا المشروع أهمية قصوى؛ إذ أنّ اهتمامه هذا كان يتميز به قبل عقود من توليه شؤون وزارة التربية.

اللجنة الوطنية للأولمبياد

الوزيرُ السابق قام -ثلاثة أشهر قبل مغادرته الوزارة- بتنصيب لجنة وطنية خاصة بالمنافسات الأولمبية في جميع الاختصاصات. وكان يجتهد لتنطلق هذه اللجنة في أشغالها انطلاقة جادة ودائمة. وللأسف لم يُعر خلفُه الاهتمام اللازم لهذا النشاط ذي البعد الوطني، فظل المشروع يراوح مكانه إلى اليوم. ودليل ذلك أنه حتى قبل عهدة الأستاذ وجعوط، كانت الوزارة تقوم بتدريبات تنطلق نشاطاتها في مطلع السنة الدراسية، ثم تليها دورة خلال شهر ديسمبر، ثم دورة ثالثة أثناء شهر مارس. وفي آخر السنة الدراسية، تنظم دورة تدريبية مكثفة للنخبة قبل المشاركة في الأولمبياد العالمية. ذلك ما كان معمولا به منذ سنوات. أما هذه السنة فلم نسمع بتنظيم أي دورة تدريبية في هذا المجال. وهذا ما دفعنا إلى كتابة المقال المشار إليه أعلاه في شهر ديسمبر الفارط  لتنبيه المسؤول وإطلاع الرأي العام.

بما أن الوزارة فنّدت ما جاء في مقالنا حول “نسفها للمشاريع الوطنية”، يحق لنا أن نسألها اليوم بعد إعلانها عن كل هذه المشاريع منذ منتصف ديسمبر 2021: هل شُرع في تدريب التلاميذ الذين سيمثّلون الجزائر في المنافسات العالمية القادمة التي ستقام بجامعة أوسلو النرويجية من 6 إلى 16 جويلية 2022؟ إذا كان الجواب بنعم، هل شاركت اللجنة الوطنية في هذه التدريبات؟ وكم كانت عدد الحصص التدريبية؟ حسب ما بلغنا فهذا لم يتم منه شيء.

كنا أبرزنا في ذلك المقال درجة لامبالاة وزارة التربية بهذا الموضوع، وأشرنا إلى استقالة رئيس اللجنة الوطنية للأولمبياد التي قدّمها في أكتوبر 2021 احتجاجا على تجاهل الوزارة الرد عليه رغم اتصالاته العديدة والمتعددة الأشكال. وظل الوضع على ذلك الحال حتى صدور مقالنا يوم 12 ديسمبر. وبقدرة قادر قامت وزارة التربية في اليوم الموالي بالاتصال برئيس اللجنة الوطنية المستقيل واستقبله آنذاك السيد وزير التربية الذي وعده بالنهوض بالأولمبياد. وها قد مرّ على ذلك اللقاء 3 أشهر، ولذا نسأل: ما الذي قامت به وزارة التربية في موضوع الأولمبياد والتدريبات منذ ذلك الحين؟ ما بلغنا أن دار لقمان ظلت على حالها.

لماذا نصف هذا التصرف من وزارة التربية بالاستهتار؟ لأنه تصرُّفٌ يريد التظاهر بأن القوم يؤدون واجبهم على أكمل وجه، والواقع يبيّن نقيض ذلك. والدليل أنه في 14 ديسمبر الماضي صدر في “الشروق اليومي” ردّ من وزارة التربية على مقالنا يفنّد ما ذهبنا إليه، ويزعم “أن المقال يُوظِّف الأهمية القصوى التي توليها الدولة للتوجه العلمي والتكنولوجي للبلاد ويستدل بها لتمرير رسالة غير صحيحة ومُغرضة للرأي العام لا ندري لماذا ولصالح مَنْ؟” ثم يصف المعلومات التي جاءت في مقالنا بأنها “تحليلات غير دقيقة ومتسرّعة”!

ولتبرئة الذمة أمام السلطات العليا، يضيف رد الوزارة بأسلوب نتحفظ على وصفه: “إن خطف ملف يدخل في صميم توجّه الجزائر الجديدة، مُكَرَّسًا في برنامج السيد رئيس الجمهورية وبرنامج عمل الحكومة واختزاله في أسماء لأعوان دولة أدّوا ما عليهم مشكورين من واجب مهني ووطني هو استخفافٌ بذات الملف”!

ومع ذلك، فما أثلج صدرنا في ذلك الرد لوزارة التربية، رغم خلوّه من صدق القول، هذا المقطع “تجدد وزارة التربية الوطنية اهتمامها البالغ بتكوين النخب المدرسية، وهي تسعى حاليا لتمديد منافسات الأولمبياد للمواد التعليمية الأخرى وعلى رأسها الفيزياء، المعلوماتية، علوم الطبيعة والأرض… إضافة إلى التحضير للمشاركة هذه السنة في أولمبياد 2022 في حال تنظيمها. كما ستنظم وزارة التربية الوطنية ابتداءً من هذه السنة المنافسات العلمية بمراحلها الولائية والجهوية والوطنية في كل المواد التعليمية وستحظى الرياضيات والفيزياء باهتمام خاص”.

ذلك ما جعلنا نعقّب آنذاك على ردّ الوزارة، بالعبارات التالية: “وبعيدا عن هذا الجدل، فقد سُررنا كثيرا بما جاء في آخر الردّ حول تحرّك وزارة التربية الجاد هذه السنة بخصوص إعداد النُّخب على جميع المستويات… وقلْ اعملوا فسيرى الله عملكم. تمنياتنا بالتوفيق في هذا الأداء”.

تساؤلات

بما أن الوزارة فنّدت ما جاء في مقالنا حول “نسفها للمشاريع الوطنية”، يحق لنا أن نسألها اليوم بعد إعلانها عن كل هذه المشاريع منذ منتصف ديسمبر 2021: هل شُرع في تدريب التلاميذ الذين سيمثّلون الجزائر في المنافسات العالمية القادمة التي ستقام بجامعة أوسلو النرويجية من 6 إلى 16 جويلية 2022؟ إذا كان الجواب بنعم، هل شاركت اللجنة الوطنية في هذه التدريبات؟ وكم كانت عدد الحصص التدريبية؟ حسب ما بلغنا فهذا لم يتم منه شيء.

ثم كيف يضيف رد الوزارة ”… للمشاركة هذه السنة في أولمبياد 2022 في حال تنظيمها”، والوزارة تدرك أن هذه المنافسات لم تنقطع أبدا، وهي تنظَّم في أسوء الأحوال عن بُعد كما كان الحال في جويلية الماضي؟ وماذا عن “المنافسات العلمية بمراحلها الولائية والجهوية والوطنية في كل المواد التعليمية” التي يذكر رد الوزارة أنها ستتم ونحن في شهر مارس؟ حسب ما بلغنا فهذا لم يتم!

ولعل القارئ لا يعلم أن هناك جمعية وطنية تُدعى “الجمعية الرياضياتية الجزائرية” نقرأ في العدد 12 من نشريتها الصادرة في جانفي 2022 أنها أنشأت لجنة سُمِّيت “أولمبياد الرياضيات الجزائرية” هدفها تدريب المدربين والتلاميذ للمشاركة في المنافسات الأولمبية للرياضيات. وقرر مكتب الجمعية أن يترأس هذه اللجنة نائبُ رئيسها. ويذكر الخبر أنه تم تشكيل فريق قبل سنة وانطلق في نشاطاته، وأن للجنة صفحة فيسبوك انضم إليها 13 ألف مشترك. كما أوضح أن اللجنة نظمت عدة لقاءات عن بُعد، وأعدت كتابًا يهدف إلى التحضير الجيد لهذه الأولمبياد.

ومن الأسئلة التي نطرحها في هذا السياق: هل هناك تواصلٌ بين الوزارة وهذه اللجنة؟ وإن كان الجواب بنعم، هل أثبتت هذه اللجنة مصداقيتها في باب “التحضير الجيد” لمنافسات أولمبية عالمية يعلم الجميع أن الخوض فيها من الصعوبة بمكان؟ الاستهتار هنا يبدو بيّنًا: إذا ما كانت الوزارة تتعاون مع هذه اللجنة وبدون علم اللجنة الوطنية الرسمية التابعة للوزارة فهذا أمرٌ خطير! وإذا ما كانت الوزارة -بوصفها الجهة المسؤولة الوحيدة التي تتعامل معها هيئة المنافسات الأولمبية العالمية- تجهل وجود هذه اللجنة الأولمبية الوطنية التي تنشط منذ سنة فالأمر أدهى وأمرّ.

يحدث ذلك والعالم سيحتفل بعد ساعات باليوم العالمي للرياضيات… هذه الرياضيات التي يكثر الحديث عنها وعن أهميتها في أعلى هرم السلطة. وهذا الاهتمام هو الذي أدى بالسلطات إلى تدشين مدرسةٍ عليا للرياضيات لازلنا نجهل تفاصيل مخرجاتها، وماذا عساها تقدّم للبلاد إذا ما تمادى استهتارُ الوصاية في باب الرقيِّ بالنخبة وتزويد تلك المدرسة بالمتفوّقين من التلاميذ؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!