-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وزارة التربية تتمادى…

وزارة التربية تتمادى…

تتمادى وزارة التربية في تجاهل الدور الذي يجب أن تؤديه في حق النخبة والمتفوّقين من التلاميذ. وتكتفي، كما هو الحال في الكثير من مؤسسات الدولة،بانتهاز المناسبات الوطنية للتظاهر بما ليس فيهاتحت أضواء التغطيات الإعلامية من أجل تسويق بضاعة فاسدة ذرًا للرماد في العيون، وتغليطًاللحاكم والمحكوم في مواضيع وطنية من الأهمية بمكان.

استهتار لا يُغتفر
لماذا لا نحكم بمثل هذه الأحكام القاسية على وزارة التربية والتلاميذ الذين يشاركون في منافسات الأولمبياد من واجبهم –بل من حقهم- كي يمثلوا بلدهم أحسن تمثيل أن يتم تدريبهم على مدار السنة،بل على مدار السنوات. كيف نريد أن يكون هؤلاء البراعم في المقدمة بين أقرانهم في المنافساتالإقليميةوالعالمية ويرفعون راية الوطنونحن لا نبالي بتدريبهم ولا نقدم لهم أدنى زاد علمي يمكنهم من مواجهة تحديات تلك المنافسات؟
هل نحن مخطئون عندما نؤكد أن إبراز كفاءات ومهارات تلاميذنا العلمية لا تندرج أبدا ضمن انشغالات وزارة التربية وكبار الساسة؟ألم نلاحظ في كل مرة كيف تتستر وزارة التربية على نتائج نخبنا العلمية المشاركة في المنافسات العالمية كيلا ينكشف تقصيرها واستهتارها؟… هل يرضي هؤلاء المسؤولين تجنبهم إثارة الموضوع إعلاميا حتى لا تُفضحخطاياهم في الوقت الذي تتباهى فيه أمم قريبة منا وأخرى بعدة عنا بحصيلة نخبها وتفوّقها في المنافسات العلمية؟
لعله من المفيد للقارئ أن نعود قليلاإلى الوراء لندرك مدى تمادي وزارة التربية في سوء أداء واجبها في حق النخبة منذ عقود: نحن نتابع أحوال مشاركة الجزائر في المنافسات الأولمبية العالمية في الرياضيات منذ أن حلّت بها مصيبة جويلية عام 1991، عندما استضافت السويد هذه المنافسات، وحدث أن الوفد الجزائري مدّد إقامته بهذا البلد بعد انتهاء المنافسات. وعند المغادرة كان على فريقنا دفع المستحقات المالية المترتّبة عن هذا التمديد. غير أن الضيوف لم يكونوا مزودين بما يكفي من المال لتسديد ماعليهم.ولما تجاهلت وزارة التربية تسديد الديْن خلال 7 سنوات قام السويديون بمراسلة الهيئة العالمية للمنافسات الأولمبية طالبين منهاحرمان الجزائر من المشاركةفي المنافسات المقبلة. وظلت نخبنا تعيش هذا الحرمان حتى تمّ حلّ مشكل تسديد الديْن من قِبل أحد المحسنين الجزائريين الغيورين عام 2008 أمام عجز ولامبالاة وزارة التربية!
لكن مشكل تدريب المشاركين ظل قائما رغم بعض المحاولات المتعثرة بدءًا من عام 2015 مع المدرّب الماهر مليك طالبي. وفي عهد الوزير محمد واجعوط كانت النيّة صادقة في حلّ هذه “المعضلة” بصفة نهائية فوُضعت جملة من القواعد ونُصّبت لجنة وطنية للأولمبيادتتولّى هذا الأمر، لكن سرعان ما فَقَد الوزير منصبه وتبخّر الحلم،ولم تُستكمل العملية فعاد الوضع إلى نقطة الصفر. وكلما أثيرت هذه القضية تظاهر القوم في وزارة التربية بالحركيةلِلَفْت الانتباه إلى أنهم يعملون على قدم وساق في سبيل إنجاح تلك التدريبات. والواقع أن سيرورة المشهد تكرار لسيناريو حزين يعيد نفسه سنة بعد سنة منذ عقود… دون أن يحرّك ذلك ساكنا لكبار المسؤولين.
وهل من دليل على هذا التسيّب أكبر منكون التدريبات لمواجهة نخب العالم في جويلية القادملم يتم منها لحد الساعة إلا مقدار بعوضة خلال بضعة أيام من أسبوع العطلة الربيعية؟!! أي استهتار هذا من قِبَلمؤسسة حكومية تزعم أنها تقوم بواجبها الوطني تجاه النخبة وإعدادها لتشريف البلاد في المنافسات العالمية؟ لو حدث خلال سنة أو سنتين لبررنا ذلك بأنه خطأ غير متعمد، لكن أن يتكرر هذا سنويا خلال عقود فصاحب الخطأ ينبغي أن يُسأل ويُحاسب على تقصيره المتواصل.

خذوا العِبرة منسوريا!
يمكن أن نذكر كقدوة في العالم العربي في مجال الأولمبياد العلمية المملكة العربية السعودية أو تونس، لكنه قد يقول قائل : أين نحن من إمكانيات السعودية ومن الجانب التنظيمي في تونس؟ ولذا دعنا نشير إلى سوريا التي تعيش مِحَنًا لا تحصى منذ عشر سنوات، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة العمل على تكوين نخب تلاميذها ومرافقتهم بمختلف الوسائل، وتدريبهم ليشاركوا في مختلف المنافسات العلمية الإقليمية والعالمية.
فهناك في سوريا الشقيقة ما يُعرف بـ”هيئة التميّز والإبداع السورية” التابعة لوزارة التربية من شأنهارعاية أنشطة وفعاليات مختلفة للكشف عن “بذور التميّز” لدى التلاميذ من مختلف الأعمار ودعمها. وهكذا، ومن بين نشاطات هذه الهيئة أنها تضع البرامج لتلاميذ ما دون سنّ المراهقة لأنها تعي بما ورد في الدراسات والتجارب من إثباتأن اكتشاف مهارات التلاميذ ومواهبهم في سنّ مبكرة، هو “الطريقة المثلى لرعاية هذه المهارة والموهبة والوصول بها إلى التميّز، مع اعتبار كل متميّز مشروعًا يحتاج لسنوات من المثابرة والمتابعة والدعم ورسم المسار العلمي الصحيح”.
وتؤمن السلطات السورية،حتى في أحلك الظروف، بأن المنافسات الأولمبية العلميةتعتبر من الأنشطة التي تحث التلاميذ والطلبةعلى”الاكتشاف والتعلم الذاتي والتعاون والتفكير النقدي والتواصل مع الآخر”. ولذا وضعت برامج تكوينية لهذه الفئة من التلاميذ “تهدف بوجه خاص إلى غرس الروح التنافسيةبين الشباب وإلى تعزيز التعاون والعمل على صقل العقول وإتاحة تطوير مهاراتهم في الرياضيات والعلوم”. كما تهدف إلى “خلق بيئة علمية صحية بين التلاميذ… تساعدهم على الوصول إلى مجتمع أفضل”. وتوضحهيئة التميّز والإبداع السوريةوجوب “تطوير المهارات الفكرية والعلمية للمتنافسين واختبار معارفهم عبر أسئلة محفّزة من خارج سياق المناهج الدراسية وبما يتوافق مع العمر العقلي للفئة المستهدفة”.
فهل نستغرب مثلا، والحال هذه، في أن يشارك الفريق السوري هذه السنة (8-9 أبريل) في الأولمبياد الأوروبي للفتيات إلى جانب 56 دولة ويحصد الميدالياتالبرونزية والشهاداتالتقديرية؟ وهل ندرك لماذا لم تفكر الجزائر أصلا في المشاركة في هذه الأولمبياد؟ !
وهل نفهم لماذا تنظم سوريا على ترابها -من بين جملة تظاهراتها الوطنية المحفزة لطلب العلم والتفوّق- تظاهرة “تحدي العلوم” في الرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياءشارك فيها هذه السنة 104 تلاميذ من السنة الأولى من التعليم الثانوي؟ فيكشف هذا الاختبار على14 تلميذا متميزًاتم ضمهم إلى الفرق الوطنية للأولمبياد العلمية العالمية؟ وهل نعلم أن مكاتب المنافسات العلمية في سوريا منتشرة عبر 6 محافظات (ولايات) بينما لا يوجد مكتب واحد من هذا القبيل في ولايات بلدنا رغم أن مساحته تعادل 12 مرة مساحة سوريا؟!
فمتى تكون للجزائر وزارةٌ للتربية تضاهي وزارة التربية السورية في تحمّلها مسؤولية تكوين النخبة ومرافقتها؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد الرحمان

    القدوة المثلي للجزائر في محال التربية والتعليم هي المانيا والسويد وخاصة فنلندا .