الرأي

ولاية رابعة لبوتن تفتن نخب الغرب

حبيب راشدين
  • 1622
  • 2

إعادة انتخاب فلاديمير بوتن لعهدة رابعة بنسبة 76% (نحو 56 مليون صوت) استقبلت في العواصم الغربية بكثير من الانتقاد والطعن في نزاهة الاستحقاق، دون الالتفات إلى أن 88% من أصوات الناخبين ذهبت إلى شخصيتين لا يمكن احتسابهما كأحباب للمعسكر الغربي، بما يعني أن أغلبية الناخبين الروس صارت في قطيعة مع الغرب، الذي أهان روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وباتت ترى في بوتن الزعيم الذي يُعوَّل عليه لاستعادة أمجاد روسيا القيصرية والسوفييتية معا.
توقف صحافة “الماينستريم” المهيمنة عند التجاوزات التي سجلتها منظمات غير حكومية مموَّلة من الغرب لن ينقص من حجم تجاوب الناخبين الروس مع بوتن الذي لم يفز فقط بعهدة رابعة تضعه مباشرة من جهة التعمير في الحكم بعد ستالين، بل يكون قد حصل على تفويض شعبي مضمر لمواصلة سياسة المواجهة المفتوحة مع الغرب بما في ذلك الدخول في حربٍ مفتوحة على المغالبة بالنووي.
الحملة الغربية المعادية لبوتن لم تتوقف كثيرا عند آخر خطاب له أمام الدوما (البرلمان الروسي) الذي استعرض فيه المستجدّ في ترسانة روسيا الرهيبة، وهدد فيه بالرد النووي في حالة الاعتداء على روسيا أو على واحد من حلفائها، في ما يشبه الإعلان الرسمي لعودة العلاقات مع الغرب إلى أجواء الحرب الباردة، مع بؤر مجابهة متعددة تمتد من كوريا الشمالية شرقا، إلى دول البلطيق شمالا، وأوكرانيا غربا، وسورية جنوبا، في زمن لا يمكن فيه لأحد توقع سلوك رئيس أمريكي فاقد للسيطرة على الدولة الأمريكية العميقة، التي لم تهضم بعد تراجع دورها الريادي في الاقتصاد والسياسة كما في الهيمنة العسكرية.
تداعيات إعادة انتخاب بوتن لعهدة رابعة تقوده حتى 2024 سوف تطال أكثر من مستوى في العلاقات الدولية، المقبلة على أزمنة مضطربة، سواء من جهة الصراع بين القطبين على إعادة رسم خرائط جديدة لمناطق النفوذ، أم من جهة الاستحقاقات السياسية والدبلوماسية التي يوجبها تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للأقطاب الآسيوية، أم من جهة استحالة مواصلة المواجهة العسكرية بوتيرة منخفضة عبر وسائط ووكلاء كما هي الحال في النزاع السوري.
ومع التفاؤل الذي نشأ بعد إعلان ترامب المفاجئ عن قمة وشيكة مع زعيم كوريا الشمالية، فإن قوى كثيرة في المعسكر الغربي تدفع نحو التصعيد، وربما نحو مواجهة وإحباط العودة العسكرية والسياسية القوية للدب الروسي بقيادة بوتن، بلغت أوجها في النزاع السوري الذي يؤرخ بلا شك لانتكاسة فاضحة للمعسكر الغربي، قد يخسر فيها مع سورية حليفا استراتجيا بارزا مثل تركيا هي اليوم أقرب إلى لحظة فك الارتباط مع حلف النيتو، بعد اختبار فرص الدخول في شراكة مع الحلف الجديد الذي دعا إليه بوتن في رسالة مشفرة حين وعد بنصرة حلفائه.
ويبقى الخاسر الأكبر من تجديد العهدة لبوتن هو العجوز أوروبا التي فشلت نخبها في قراءة التغييرات الجيوستراتجية الدرامية، بعيدا عن حسابات الولايات المتحدة، وتغير موازين القوة بسرعة جنونية: عسكريا لصالح روسيا، واقتصاديا لصالح الصين، قد يكلف أوربا خسارة روسيا بلا رجعة، مع تراجع نجاعة مظلة الحماية النووية الأمريكية، وخسارة المواجهة الاقتصادية والتجارية مع التنين الصيني، المستفيد الأكبر من فرص تشتيت وإرباك الخطط الغربية إلى حين استكمال الصين بناء قوتها الإمبراطورية.

مقالات ذات صلة