وللمدخلي من اسمه نصيب..
ربيع المدخلي رجل غريب الأطوار والمنازع والجذور والفروع، لا تكاد تجد له طبعا تحاكمه إليه..، ولذا من العسير علي أن أحاكمه إلى الكتاب والسنة؛ لأن التزامه بهما انتقاء وتشهي، فلا يحلو له من الآيات والأحاديث إلا ما يدين به خصمه، ولا يعجبه من النصوص إلا ما يرى فيه إشفاء غليله في زيد أو عمرو..، ممن خالفوه أو خالفهم..، ينتقيها انتقاء كما تنتقى الحبوب مما يشوبها..، وكذا يصعب علي أن أتحاكم إليه إلى ضوابط الفقهاء والأصوليين؛ لأنه –بزعمه- لا يعترف بكل ما أحدث بعد الصدر الأول، وإذا اعترف فلا يتجاوز فصولا من الأصول والقواعد التي تعجبه فتساعده على النيل من مخالفيه، اما المقاصد والمصالح وقضايا التجديد التي تقتضيها كليات الشرع فلا يريد ان يسمع عنها لأنها من مخلفات الغرب واتباعه !!، فهو سلفي يأخذ مباشرة من الكتاب والسنة..، كما لا أستطيع أن أناقشه بمنطق العقل والعلم؛ لأنه لا يملك عقلا مثل سائر البشر، له قواسم مشتركة مع الناس، يلتقي ببعضهم ويفترق مع بعضهم الآخر، ويوافق البعض ويخالف البعض الآخر، كما هي عادة البشرية جمعاء مؤمنها وكافرها…، فهو يحالف الجميع من اجل إرضاء الجميع “أرواح انتا وفكرها”، كما يقول عامتنا في الجزائر، وهو لا يصرح بذلك بطبيعة الحال، وإنما يعتبر نفسه من الطائفة المنصورة القليلة العدد التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم، بوصفها حامية الحمى.
وإذا لا أستطيع مناقشته لتلك الأسباب المذكورة غمن باب أولى ألا أناقشه في تفاصيل المسائل الفقهية والكلامية؛ لأن الشيطان يستظل بها، وما أضل الله اليهود إلا لتوغلهم في التفاصيل، حيث شددوا فشدد الله عليهم..، والمدخلي ليس بعيدا عن مثل هذا النهج، فهو ينطلق من جزئيات الجزئيات، ليخكم بها على أصول الأصول، لا لشيء إلا لأن ذلك الجزء تبناه هو وأصل الأصل ذاك مما عليه خصمه من المبتدعة !! وأعجب العجب عندما يتكلم عن حكام المسلمين يكفرهم بدون تردد، بقطع النظر عن الدول التي يسميها والتي لا يسميها، ومتى يسميها؟ وكيف يسميها؟ والمناسبة التي يسميها فيها؟ والذين يكفرهم يدعو أتباعه إلى دعوتهم إلى التوحيد؛ لأنهم فاقدوه !!، وفي نفس الوقت يعيب على خصومه تكفيرهم، فما الفرق بينه وبين الجماعات التكفيرية يا ترى؟ ويدعو إلى الجهاد في مواطن كثيرة؛ بل دعا إلى القتال مع العقيد حفتر الليبي ضد الإخوان المسلمين، ويعيب على الجماعات المسلحة استعمال السلاح في فرض قناعاتهم..، وما الفرق هنا أيضا بينه وبين داعش والقاعدة، وهما من الجماعات التي يتهمهما بالعمالة إلى إيران..؟
ينتقي المدخلي من أقوال الكتاب المسلمين من الدعاة والمصلحين، ما يثبت به رأيه فيهم.. فينطلق من مبدإ إدانة الشهيد سيد قطب رحمه الله مثلا، ثم ينتقي من كلامه –على طريقة ويل للمصلين- ما يفيد التكفير أو وحدة الوجود أو أي كلام يدعمه في موقفه المبدئي، وكأنه مكلف بمهمة، وعليه لا أجدني محرجا من القول بأن ربيع المدخلي موجه في آراءه ومواقفه الدينية والسياسية، فهو مصنع لإنتاج المسائل الشاذة التي تشغل المسلمين عن مهامهم الحقيقية في العالم.. وإلا ماذا يفيد المسلمين أن يتعلموا ان سيد قطب أشعري او يقول بوحدة الوجود أو أنه تكفيري، وانا اتحدى المدخلي ان يأتيني بشخص يقرأ العربية ويفهمها بأساسياتها البسيطة ليقرأ في ظلال القرآن ويتسرب إليه شيء مما اكتشفه المدخلي وامثاله..، اما قصة الجرح والتعديل فهي طامة الطوام، وهي تخصصه الذي لا يميل عنه قيد أنملة، قال ذات مرة “أنا -والله- زكيت أناساً في هذا العام، والله لازموني وما شاء الله تنسك وكذا وكذا وكذا..، ثم ظهر لي جرحهم، أنا إذا صلَّى معي وزكى وذكر الله وسافر معي والخ، أشهد بما رأيت، ولا أزكي على الله أحداً لكن يأتي إنسان آخر عرفه أكثر مني، ويبرهن على جرحه بالأدلة ويفسر جرحه، فيقدم جرحهُ على تعديلي، وأنا استسلمت، قدّم الأدلة على جرح هذا الإنسان، في الواقع الحق معه”، وكأن مهمته في هذه الحياة هي الجرح والتعديل.. في حين ان رسالة المبلغ هي رسالة هداية الناس بمن في ذلك المجروحين حسب تعبيره. اما الجرح والتعديل الذي اتخذه المدخلي سوطا وسيفا مسلطا على خصومه وغيرهم من أبناء الأمة الإسلامية، فهو علم وضعه العلماء لحماية الحديث النبوي من الزيادة والنقصان.. وليس منهجا في الحكم على الناس وعلى أعمالهم ومستوى التزامهم.
وإذا لم يكن المدخلي موجها او شريكا في تحطيم الأمة، ما هي الإضافة التي أضافها للأمة عندما يكفر شخصا أو مجموعة من الناس ويدعو إلى قتالهم والتحريض عليهم؟ كما فعل مع تيار الإخوان، هل الأمة عاجزة عن إدراك الحقائق؟ وهل الأمة في مستوى من التدني حتى تسمع رأيه في الإخوان المسلمين الذين خدعوها مدة 90 سنة؟ وما الجديد الذي يضيفه عندما يبعث لنا بفتوى شاذة هجرها علماء الأمة ولم يعلموا بها لسبب من الأسباب المشروعة؟ ام ان ربيع المدخلي قد آتاه الله من العلم ما لم يأته أحد من العالمين، بعد ان فتح الله عليه ابتداء من تسعينيات القرن الماضي ليكشف الحقائق، أيام دخول قوات التحالف الجزيرة العربية، وظهور فتوى جواز الاستعانة بالكفار –أي الأمريكان- لمحاربة صدام حسين.. استصحابا لمنهج سلفه الشيخ محمد امان الجامي المتوفى سنة 1995، ليخلفه في إشاعة نهجه المضاد لكل فعل حركي يزعج الأنظنة النائمة
ولكن ما يمكن أن استعين به في تحليل سلوكات هذه الشخصية المريبة، أثر لا أدري مدى صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو القول بأن “لكل امرئ من اسمه نصيب..”، ولكني مطمئن أن المدخلي لا يكفرني؛ لأن هناك نصوص ثابتة كثيرة في علاقة الإسم بالشخص وسلوكاته، وكذلك عند النفسانيين.
ونصيب المدخلي السعوديمن من اسمه، لم يكتشفه الناس بعد، وقد حان الأوان لأن يطلعوا عليه، بعدما أشبع الدنيا صياحا وعويلا ونهشا للحوم الرجال وأعراضهم، فلم يترك رجلا عاملا في ساحة الدعوة إلا ونهش لحمه وشرب من دمه، ولا توجد حركة فاعلة في الساحة الدعوية إلا ولمزها ووصفها بكل ما يحلو له من الصفات الذميمة…؛ بل تجاوز ذلك إلى تأهيل جملة من أتباعه في البلاد الإسلامية، للقيام بهذه المهام القذرة.
فالإسم مركب ابتداء من لفظين هما ربيع المدخلي، فالربيع يستحيل أن يكون ربيعا، وإنما رَبْعُ أي جماعة، أو ربع بضم الراء، أي هو من الرَّبْع، ونظام الربع –وفي عرفنا الجزائرية من الرباعة- يحكمه نظام القبيلة او الشلة او الفئة من الناس، بمعنى انه ما ينتجه محكوم بمندق الفئة التي تعيش في مغارة “دخلها” ربيع ولم يخرج منها، ومن ثن فهو “ربع” عالم أو ربع إنسان او ربع كائن، ومن مادة دخل مدخل –مجرد مدخل-، سواء في العلم أو في السلوك أو في العلاقات مع الناس، ولذلك فهو لا علاقة له بالعلم والعلماء بمكة المكرمة، ممنوع من التدريس لا يسر الناس الارتباط به؛ بل إن الكثير من العلماء في السعودية يحذرون من شذوذانته، ولا ارتباط له إلا بطوائف من الشباب المغاربي ومنهم الليبيون تحديدا.
ومن مادة دخل –دخيل- على الفكر الإسلامي وعلى جماعة المسلمين؛ لأنه بهذا الشذوذ الذي أربك به الأمة لا يعد منها، وإنما هو دخيل عليها بما يقول ويشيع خدمة لأجندة في خدمة جارية لغير صالح المسلمين، إذ المنهج الذي يتبعه لا يؤدي إلا إلى طريق واحد هو تكفير الناس وقتال المخالفين، ومع ذلك هو يحذر من التكفيريين والإرهابيين عجبا!!
ولكن ما لم أستطع فهمه هو موقف الدولة السعودية من هذا الرجل الذي من جهة تمنعه من الإمامة والتدريس في المساجد بالمملكة، ومن جهة أخرى تتسامح معه في نشر أفكاره المخالفة لهيئة كبار العلماء والممزقة لجسد الأمة، وهو من رعاياها، وهذا غير مفهوم، اللهم إلا إذا كانت المملكة ليس لها حرج في ان يسود هذا الفكر خارجها ما دام لا يضر بها..، فذلك أمر آخر.
وأقصى ما تعرض إليه المدخلي من مضايقات رسمية انه نفي من المدينة إلى مكة المكرمة في تسعينيات القرن الماضي من قبل أحد أمراء المدينة.
هذه خواطر سجلتها بمناسبة رسالته التي توجه بها إلى سلفيي المغرب العربي، لم أرد بها النقد العلمي لهذه الطائفة، وإنما لفرض تساؤلات حول هذا الرجل وما يثيره من قضايا: لماذا؟ ومن وراءه او من كلفه؟ وما الغاية من إثاؤة ما يثير؟ لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتحريش بين المسلمين، وخداعهم بحلو الكلام، من الدفاع عن السنة حماية التوحيد ومحاربة البدعة الظهور في شكل الطائفة المنصورة التي خذلها الناس وسينصرها الله.. وهلم جرا.. اما مناقشة أصول هذا التيار في ممارساته الفكرية والدعوية فنرجئها إلى مناسبة أخرى.