-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ونزل نتانياهو عن شجرة أهدافه

ونزل نتانياهو عن شجرة أهدافه

“إسرائيل قبلت إملاءات يحيى السنوار وحماس”.. هي عبارة قالها إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الصهيوني، بعد إعلان التوصُّل لاتفاق هدنة مؤقتة في غزة وصفقة لتبادل الأسرى، وهذا التصريح الذي جاء على لسان أحد معارضي الخطوة لا يختلف في الحقيقة عما قاله الناطق باسم “القسام” قبل أيام، إن نتانياهو سيلف ويكابر ثم سيجثو على ركبتيه أمام المقاومة.
قد يقول قائل من المثبطين: ماذا أنجزت المقاومة بإطلاق سراح عدد من الأسرى وإدخال المساعدات بعد قوافل من آلاف الشهداء والدمار الذي لحق بالقطاع؟ وهل يمكن تسمية ما حدث انتصارا على الاحتلال ما دام استئناف الحرب بعد هذه الهدنة القصيرة أمرا لا مفر منه؟
والجواب سيكون بقلب هذه المعادلة وطرح السؤال التالي: هل كان نتانياهو وجيشه سيقبلون أي هدنة أو اتفاق لتبادل الأسرى لو تمكّنوا من تحقيق ولو نصر رمزي في غزة بتحرير أسير واحد أو الوصول إلى أماكنهم وحتى العثور على أنفاق المقاومة؟
تشير أغلب التقارير الإعلامية والاستخباراتية إلى أن مفاوضات التبادل والهدن الإنسانية بدأت مع الأيام الأولى للعدوان، لكن حكومة نتانياهو كانت في كل مرة تراوغ وتتهرب وتحاول إملاء شروطها، لسبب بسيط وهو أنها كانت تعتقد أن حرب الإبادة ستحقق لها نصرا وأوراق ضغط تفاوض بها من موقع قوة.
وكان أهم رهان خلال الأيام الماضية لدى سلطات الاحتلال هو السيطرة على مجمع “الشفاء”، الذي كانت لديها على ما يبدو معلومات استخباراتية شبه مؤكدة بشأنه، تفيد باحتجاز الأسرى هناك ووجود أنفاق تحته، لكنها فوجئت ومعها واشنطن أن هذه الورقة محروقة، وسط حديث عن عملية تضليل تعرضت لها من المقاومة، ليقتنع الجميع بعدها بأن الطريق الأقصر والأنجع لتحرير الأسرى هو طاولة التفاوض.
والأهمّ في هذه القضية، أن أهداف نتانياهو التي أطلقها ورددها طيلة أيام العدوان وهي: القضاء على “حماس”، وإعادة الأسرى بالقوة، والسيطرة على القطاع، لكن الذي حدث أن أيّا من هذه الأهداف لم يتحقق، وأكثر من ذلك، فجيشه غرق في أوحال غزة، وأصبح القطاع كله ميدان اشتباك وسط خسائر فادحة في الجنود والضباط وفي دباباته ومدرعاته التي أحرقتها المقاومة بأسلحة بسيطة، كما أن عمق إسرائيل بقي تحت رحمة الصواريخ إلى غاية اللحظات الأخيرة لإتمام الاتفاق، وسط خسائر اقتصادية كبيرة ومظاهرات لأهالي الأسرى وانقسام داخلي وهجرة لمستوطني غلاف غزة.
والضربة المؤلمة الأخرى التي تلقاها نتانياهو إلى جانب هزيمته الميدانية هي هزيمته الأخلاقية، فالمذابح التي نفذها في غزة كانت كفيلة بقلب معركة الرأي العامّ العالمي لصالح الفلسطينيين، كما نسفت رواية الصهاينة حول جرائم المقاومة التي غلّفوا بها حرب الإبادة في القطاع، وبالتالي، فعامل الوقت الذي راهنت عليه القيادة الإسرائيلية ومعها راعيتها الأمريكية لإخضاع الفلسطينيين والمقاومة استُهلك من دون تحقيق أي هدف.
كما يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وفّر الغطاء الرسمي لهذه المذبحة، كان له نصيب من انعكاسات الحرب، فاستطلاعات الرأي تشير إلى تراجع حظوظه في الانتخابات القادمة، كما أن دعمه لحكومة نتانياهو لم يعد يحظى بتأييد في الشارع، بشكل جعل إدارته تغيّر لهجتها تجاه نتانياهو وتجنح إلى خيار الهدنة والحل السياسي.
ولخّص نتانياهو هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه بعد أسابيع من العدوان، بأن اتفاق الأسرى والهدنة “قرارٌ صعب لكنه صائب”، وهو في الحقيقة تعبير عن تجرُّعه للخطوة التي أُجبِر عليها، وتبيَّن أن الصفقة كانت سُلما قدّمه له الأمريكيون للنزول عن شجرة الأهداف التي أطلقها والوعود التي قدّمها للشارع، بعد أن اصطدم بواقع آخر عنوانه استبسال المقاومة وجاهزيتها وحاضنة شعبية صمدت أمام إحدى أكبر مذابح القرن الحالي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!