-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ويلٌ للمحتكرين

محمد بوالروايح
  • 1225
  • 2
ويلٌ للمحتكرين

منظر الجزائريين وهم في طوابير طويلة منذ الساعات الأولى من النهار طمعا في الظفر بقنينة زيت، هو مؤشرٌ على أن مقارباتنا ومخططاتنا الاقتصادية والاجتماعية لم تُؤت أكلها، وأن منظومتنا التجارية لا تزال مهلهلة، وأننا -أفرادا وجماعات- نحتاج إلى مزيد من التوعية بخطورة الأزمات الغذائية التي تهدِّد أمننا الغذائي.

أزمة الزيت وأخواتها، تتحمل وزرَها أطرافٌ كثيرة، أولها القائمون على الشأن التجاري لما يمتلكونه من آليات الردع القانونية لوقف المضاربات التي تستهدف أرزاقنا ولا ترحم ضعفاءنا وفقراءنا وأراملنا وأيتامنا، ليس في هذا تهوينٌ للدور الرقابي الذي تقوم به وزارة التجارة، وإنما هو تحفيزٌ لها لبسط سلطة القانون “فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وثانيها المواطنون الذين يجب عليهم –خاصة في زمن الأزمات- التحلي بخُلق التكافل الاجتماعي الذي رسم الحديثُ النبوي معالمه الكبرى في قوله صلى الله صلى الله عليه وسلم: “من كان معه فضلُ ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضلُ زاد فليعد به على من لا زاد له”، وثالثها التجار الذين يتحملون الوزر الأكبر في أزمة الزيت وأخواتها.

إن أول عامل من عوامل أزمة ندرة بعض المواد الغذائية التي بلغت ذروتها هذه الأيام، هو الاحتكار الذي هو آفة الاقتصاد الأولى؛ لأنه يستهدف ويستنزف مقدرات الأمة ويسمح للمضاربين باحتكار الغذاء الذي يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم تعذر الحصول عليه إلا لمن استطاع إليه سبيلا. لقد حذرت السنة النبوية من عواقب الاحتكار وشددت النكير على من يتولون كِبرَه، والحديث النبوي الجامع في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحتكر إلا خاطئ”. قد يفهم بعض الناس لفظ “خاطئ” فهما سطحيا فيحملونه على معنى الخطأ غير القاصد، إن الخاطئ في مفهوم أهل الاصطلاح هو المذنب العاصي المتلبس بخطيئة موجبة للعقوبة الشرعية، وهو المعنى الذي نستشفه من قوله تعالى: “إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين”. إن رؤوس الفساد في مصر القديمة لم يكن خطأهم من قبيل الخطأ المتجاوَز، بل كان من قبيل الخطيئة الموجبة للعقوبة “النار يُعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب”.

إن الاحتكار فعلٌ غير أخلاقي وغير إنساني وغير تجاري، تحرِّمه كل الشرائع السماوية والوضعية، وحسبنا هنا قوله صلى الله عليه وسلم: “من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلّيه عليهم كان حقا على الله أن يُقعِده بعظم من النار يوم القيامة”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس”.

هناك طرقٌ قانونية للقضاء على الاحتكار، فصَّلت فيها كُتب البيوع والمعاملات التجارية، ومن هذه الطرق أن تضع الدولة ضوابط صارمة للممارسة التجارية وتشديد دور الهيئات الرقابية وإجراء تعديلات جوهرية عميقة على قانون العقوبات من أجل تغليظ العقوبات المتعلقة بالاحتكار، ومن هذه الطرق أيضا أن تمارس الدولة سلطتها للحد من الامتيازات الممنوحة للقطاع الخاص مما يندرج ضمن “الامتياز الطبيعي” مع مراعاة ألا يمسَّ ذلك بالقدرة الشرائية للمواطن، ومن هذه الطرق أيضا أن تتدخل الدولة -بموجب حق الشفعة والمنفعة العامة- من أجل تحديد الأسعار وهو إجراءٌ معمول به في بعض الدول؛ فالقانون الأمريكي -على سبيل المثال- يمنح الشركات الخاصة إدارة المرافق العامة بما فيها المرافق التجارية، ولكنه يحتفظ للدولة بحق تحديد الأسعار وتحديد نوع الخدمات، والغرض من كل هذا كما جاء في مقال لمجدي الشبعاني الذي نشره موقع “عين لبيا” بعنوان: “حلولٌ مقترَحة لاحتكار الوكالات التجارية للسلع الضرورية للمواطن” هو تأمين غذاء المواطنين وحمايته ضد كل مظاهر السطو المنافية للأخلاقيات التجارية، ومن هذه الطرق أيضا إذكاء الوازع الديني وهي مسؤولية تتقاسمها المؤسسات الدينية والإعلامية وكل المؤسسات ذات الصلة، ومن هذه الطرق أيضا تفعيل قاعدة العرض والطلب، ومن هذه الطرق أيضا تشجيع الاستثمارات في مجال الصناعات الغذائية التي من شأنها تحقيق الاكتفاء الغذائي وضمان تدفق السلع الغذائية وبالكميات الكافية التي تسد الباب أمام المضاربة بكل أوجهها.

لم يغفل المشرِّعُ الجزائري مشكلة الاحتكار، بل عالجها ووضع القوانين الكفيلة بردعها في إطار القوانين المتعلقة بالمنافسة، التي تحرِّم كل تعسف يهدف إلى احتكار السوق أو جزء منها باقتسام الأسواق أو مصادر التموين أو عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنَع لارتفاع الأسعار أو لانخفاضها.

ماذا قدَّمنا لبناء الجزائر الجديدة بعد أن أعجزتنا قنينةُ الزيت وكيس الدقيق، وبعد أن تبين ضعفُنا في إدارة الأزمات، وبعد أن أصبح أمننا الغذائي في خطر أو قاب قوسين، وبعد أن أصبحنا لا نخرج من أزمة إلا ندخل في أزمة أكبر من أختها، وبعد أن أصبح الواحد منا ممن يظفر بقنينة زيت تعتريه نشوة ظاهرة كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وبعد أن انصرف همُّ كثير منا إلى التفكير في كيس السميد مع كل يوم جديد؟.

ماذا قدّمنا لبناء جزائر الاقتصاد الرقمي والطاقات المتجددة ونحن عاجزون عن تأمين أبسط الضروريات والحاجيات، نصبح على أزمة ونمسي على أخرى وكأنه كُتب علينا أن نبقى في درك الشقاء، نهدر أوقاتنا ونفني أعمارنا في طوابير الزيت والسميد وترقب بورصة الأسعار التي ترتفع باستمرار مع تعاقب الليل والنهار؟.

ماذا قدّمنا وأوفرنا حظا من يظفر بقنينة زيت، يلفها ويخفيها عن الأنظار؟. ماذا قدّمنا وقد فشلنا في كبح جماح المضاربين وسماسرة الغذاء الذين فرضوا منطقهم لا يردعهم رادع ولا يردهم وازع؟.

ماذا قدّمنا وقد فشلنا في إدارة السوق ناهيك عن إدارة اقتصاد السوق، وقد تحوّلنا إلى كائنات بشرية همّها تأمين حاجياتها الضرورية لا تزيد عليها ولا تنقص؟ وماذا قدّمنا وقد أبدعنا في لغة الأرقام التي لا يقابلها في الواقع شيءٌ ذو بال؟.

ماذا قدّمنا لبناء الجزائر الجديدة وقد أصبحنا تُــبَّعا لغيرنا في غذائنا ودوائنا مع أنَّ الله قد وهبنا وطنا بحجم قارة يزخر بكل الخيرات ولكننا تقاعسنا عن خدمته وتنميته فأصبحنا تُبَّعا لمن كان يسيل لعابهم بالأمس لما تُخرجه سهول متيجة ولما تُنتجه منطقة التيطري والهضاب العليا؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • سيسي

    ياجماعه ماهذا الا نتيجه السياسه المعوجه...فمثلا قبل ايام قرات خبر السماح للمصدرين بالاحتفاظ بكل العمله الصعبه التي يحصلونها. في البدايه تفاءلت وقلت هذا مشجع ،ولكن بعد تفكير وجدت انها ليست الا ثغره اخرى للاستحواذ على اموال الشعب "بالقانون". فمثلا سيدهم ربراب يإخذ العملع الصعبه من البنك بالسعر الرمزي ليشتري الماده الاوليه للزيت والسكر؛ وبعد معالجتهم بايدي جزاىريه يقوم بتصدير كميات كبيره الى الخارج؛ والآن اصبح يحق له الاحتفاظ بكل العمله الصعبه التي يجنيها..فبذلك استغل هذه الثغره والاقتصاد الوطني لايستفيد شيء. من هذا التصدير بل بالعكس يخسر الفارق بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي للدينار...افهمتم الآن ان الامور زادت تعفنا

  • كريم

    تجار فجار لا وازع ديني ولا ضمير ولا اخلاق ولا اننسانية ولا رحمة عندهم اطلاقا . تجار لا هم لهم الا جمع المال علي حساب الفقراء والمساكين والمعوزين تجار دينهم الوحيد هو الطمع والجشع فهلل تجار اوروبا من اليهود والمسييحييين وغيرهم مثل تجاارنا يا تري لا ابدا تجار اليهود والمسيحيين لديهم اخلاق وانسانية ورحمة اللوم الاكبر يقع علي عاتق الدولة والحكومة التي فشلت وهزمت في تسيير البلد وشؤونه وعليه فعلي هؤلاء المسؤولين تقديم استقالتهم جماعيا اشرف واطهر لهم والله عيب وعار عليكم يا رئيس حكومتنا ويا تجارنا الفاجرين