الرأي

يئِس الاستعماريون فتخبَّطوا

صالح عوض
  • 680
  • 2
ح.م

لابد من أن نرى انتصاراتنا مهما كانت صغيرة وفي أي مجال فنعطيها حيّزها في نفوسنا وعقولنا، فليس بالضرورة أن يستمر تأملنا في جبهتنا فنذهب إلى كل منقصة أو مثلبة فنكشفها ونفضحها بغير تدبُّر أو حكمة فيعدو النقد لدينا دربا من التيئيس والإفشال.. بل علينا في السياق نفسه أن نقترب من التطورات الحاصلة في جبهة الخصوم والأعداء نتدبَّرها لنكتشف الخوار والضعف وأماكن الاختراق الممكنة وحينذاك نقترب من اتخاذ الموقف الرشيد.. وهذا ليس فقط من باب نشر التفاؤل بين أبناء أمتنا، بل إنه السبيل إلى رؤية الواقع كما هو على طرفي جبهة الصراع.

يجد مثل هذا الكلام أهميته ونحن نرى ماذا يجري في الكيان الصهيوني من تمزُّق واضطراب وفشل، فلم يكن كل الدعم والإسناد الأمريكي والود والتطبيع الرسمي العربي من قبل بعض الأنظمة كافيا كي يحفظ لهذا التجمع الصهيوني من التصدع، بل ها هو يتعرَّض لواحدة من أشد حالات الانفجار والتشظي فيما يتغنى قادتُه بانتصاراتهم الدبلوماسية على الصعيد الخارجي.

ما يمكن قوله عن الكيان الصهيوني يمكن سحبه على كل التجمعات الاستعمارية المتمثلة في النخب السياسية والثقافية والمالية على مستوى قيادة العالم الرأسمالي التي تتعرض هذه الأيام لحالةٍ من اليأس القاتل، فها هي إدارة ترامب تكشف عن حقيقة الوهم الأمريكي وعجز إدارة اكبر دولة في العالم وزعيمة الامبريالية العالمية عن حسم معارك توقعتها سهلة وقد دفعت لإنهائها تضحيات من أرواح الأمريكان وأموالاً طائلة من الخزينة الأمريكية كما حصل في أفغانستان والعراق، وها هي تضطر للتفاوض مع طالبان وتطأطئ رأسها أمام العراق وتعمل كل ما بوسعها لنيل رضى العراقيين كي لا يشتركوا مع جيرانهم السوريين والإيرانيين في مواجهات محتملة ضد المصالح الأمريكية.

يمكن مواصلة الحديث في هذا السياق لنكتشف أن أعراض المرض ظاهرة بكل وضوح، وأن الإدارة الأمريكية التي تضطر للتراجعات والتنازلات للصين وكوريا الشمالية ولفنزويلا وإيران إنما هي تعيش حالة تخبُّط تُفقد القرارَ الأمريكي مصداقيته وتحسِّس الشعوب المستضعَفة، بالملموس، بإمكانية التصدي للسياسات الاستعمارية.

إننا في كل مكان نقاوم بشكل أو بآخر أعداءنا المباشرين أو صنائعهم من اللصوص والخونة، ننتصر حينا ونُجرح أحيانا أخرى، نتقدم حينا ونسقط أرضا حينا.. ولكن مواصلة كفاح أمتنا في إيران والعراق وسورية وفلسطين ومحاولتنا تنظيف صفوفنا وداخلنا من الغش والخبث في أكثر من مكان يعبِّر عن إرادة الحياة في أمتنا وأننا نجتاز مرحلة خطيرة على الاستعماريين مفادها أن الأمة لم تنته وأنها كما يشير كل الباحثين الاستراتيجيين والمفكرين المستنيرين في الغرب تسير إلى انتصارات حقيقية، وأنها تمتلك أن تكون الأمينة على الإرث الحضاري البشري بمنظومة قيم هي الأجمل والأكثر إنسانية من تلك التي روَّجت لها الحضارة الغربية.

إننا نسير إلى انتصارات فيما هم يسيرون إلى فشل وخيبات.. والحرب سجالٌ وليس لنا إلا النصر، لأننا نمثل قوة الخير والإنسانية، فيما هم يمثلون الشر والجريمة والباطل.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة