-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

يا إلهي: لم يتغير في العرب شيء!

أمين الزاوي
  • 7574
  • 0
يا إلهي: لم يتغير في العرب شيء!

قلت في نفسي وأنا أفكر ما بين الصحو والمنام في ابنتي لينا التي تحب قراءة روايات الكاتب البرازيلي باولو كويلو، واللبناني أمين معلوف، وتحب رقصة رشيد بوجدرة في لحظات إشراقاته:- سيكون مصير فرنسا الجزائرية كمصير أندلس البربر والعرب.

نطقت لينا بصوتها الجميل وهي التي تعرف كيف تغني أغاني ماجدة الرومي وفيروز وسيلين ديون وماريا كاري  قالت:

الغيرة وحب السلطة هو ما سينهي سلطان الجزائريين في فرنسا.

فكرت في كلامها جيدا ثم رأيت ما يلي:

رأيتني بغرناطة أو تلمسان أو فاس، تشابهت علي المدن تشابه البقر، بأزقتها وحواريها وموسيقاها ورائحة طبيخها وفي لباس رجالها ونسائها مسلميها ويهودييها ومسيحييها. دخلت حيا ثم حيا ثم حيا ودرت في زقاق ثم زقاق آخر، فوجدتني بباب كبير لمسجد أو قصر أو مكتبة. لكني حين انتبهت لم يكن لا قصرا ولا مسجدا ولا خزانة، كان سجنا محصنا تحصينا عظيما كسجون الرومان، ثم أدركت بأنني بباب السجن الكبير. كان الباب مفتوحا وكان الناس يدخلون متدافعين ودخلت معهم. وإذا بي أسمع صوت رجل يحكي وكأنني في ساحة الحمراء أو ساحة المشور أو ساحة السوق العتيق، كانت الساحات ضاجة… وإذا بأحدهم يصرخ في أذني ورأيت ما لا يرى وما لا يسمع لا في المنام ولا في الصحو:

يا سادة يا بشر، يا أهل الملة المحمدية ويا غيرها من الملل، هل سمعتم بمرض الغيرة، غيرة الأدباء من بعضهم بعض. غيرة توصل صاحبها إلى مرتبة ودرجة التلذذ بقتل غريمه.

شعرت بلينا ابنتي ترتجف. لأن الكتاب في رأسها الجميل، هم  منتجو الحب والسلام وليسوا  المنفذين أو المتفرجين على حفلات إعدام أمثالهم من أصحاب القرطاس والقلم.

سكت الرجل فجأة، الرجل الذي كان يصيح في الناس سكت. وإذا بمجموعة من حرس السجن الذي نحن بباحته يسوقون الكاتب لسان الدين الخطيب إلى حبل المشنقة. عرفت لسان الدين الخطيب وكأني عشت معه أو كان جارا لي في تلمسان ذات زمان. إنه هو هو ابن الخطيب صاحب كتاب “الإحاطة في أخبار غرناطة”.

وعلى المنصة الشرفية شاهدت الكاتب ابن زمرك، كان يجلس في أبهة، عرفته هو الآخر بصلعته وبطنه المتدلي وابتسامته الخبيثة، كان اللعاب يسيل من جانبي فمه، محاطا كان  ببعض غلمان صغار. كانت علامات الفرح بادية عليه، لأنه وكما يبدو من جلسته، جاء من غرناطة خصيصا للإشراف الشخصي على حفل إعدام غريمه ابن الخطيب شنقا.

كانت عينا ابن زمرك تفيض شررا.. غيرة من ابن الخطيب الذي بدا وسيما هادئا، يرتجف غيرة منه حتى وهو  يساق إلى المشنقة التي ستجعله مشهورا في موته أيضا بعد شهرته في حياته.

كان ابن الخطيب يمشي نحو المشنقة وهو يفكر في زميله ابن خلدون وفي مراسلات ابن بطوطة.

أما ابن زمرك فكان سعيدا وهو يحمل في يديه وثيقة حكم الإعدام التي أصدرها السلطان  الغني بالله في حق الكاتب ابن الخطيب بتهمة التخريب والزندقة والحلولية، ذلك كله بإيعاز من ابن زمرك، هذا الأخير الذي بخبثه وتآمره استطاع أن يقنع السلطان بأنه الكاتب المطيع، الطائع، الوديع المخنث وأنه أحق من ابن الخطيب المخرب والزنديق بمنصب الوزارة التي أقيل منها وأبعد إلى المنفى في تلمسان تحت إمرة عبد العزيز المريني.

كان ابن زمرك مبتهجا بنص حكم الإعدام الذي صاغه بنفسه بلغة فقهية ردعية مباشرة وصريحة يحكم فيه بالإعدام على ابن الخطيب ويستجدي السلطان في الوقت نفسه بمنحه منصب الوزارة التي طرد منها المخرب ابن الخطيب.

كل مراسيم الإعدام كانت جاهزة وابن زمرك في عيده أعياده وفرح أفراحه وهو يرى الحراس يسوقون ابن الخطيب إلى حبل المشنقة.

قرأ ابن زمرك “صك الإعدام” وأمر بنشره في الصحف الكبرى، ونفذ بيده الحكم بنصه الحرفي، وكان سعيدا جدا وهو يرى ابن الخطيب يسلم الروح متدليا في حبل المشنقة.

كان ابن زمرك وقد أدركته بهجة الانتصار وهو يرى غريمه في الحبل وقد فارق الحياة يقول الآن خلا لي الجو من هذا الغريم بعد أن اختفى وجهه من أمامي وقد كان يزعجني ويؤرقني حتى وأنا آوي إلى فراشي، إذ كثيرا ما أشعر بأن زوجتي هي الأخرى تحلم به، وكم فكرت مرات أن أقتلها لأني أشعر أنه يسكنها مثلما يسكنني.

قبل صلاة المغرب، ينزل جثمان ابن الخطيب كما تنص عادات الإعدام، بعد أن يظل معلقا في حبل المشنقة منذ صلاة الصبح

.  بعد صلاة المغرب يشرف ابن زمرك بنفسه وبلذة على إنزال الجثة من مشنقتها، وبنفسه أيضا يشرف على دفنها في حفرة بمقبرة تابعة للسجن. وفي اليوم التالي، يشعر أن وسواس ابن الخطيب ما زال يسكنه، يداخله الشك في أن الجثة التي دفنها ليست لابن الخطيب، فيسارع إلى نبش القبر  فيخرج الجثة من قبرها، ويتأكد بالفعل أنها لابن الخطيب، ثم يشعل النار ويحرق الجثة فوق القبر ويردم عظامها في الحفرة، يرفع حاجبيه ويبتسم انتصارا.

يبتسم ابن زمرك وهو يدرك أنه ارتاح ممن كان يؤرق حياته أرقا، تغلغل حتى الفراش، ممن كان يخطف منه أضواء السلطان الغني بالله.

انتبهت فجأة، فإذا أنا ما بين النائم والصاحي، وإذا بي أرى ابن زمرك يتكلم في هاتفه النقال وهو يرقص على قبر ابن الخطيب، كان يكلم سلطان فرنسا الجزائرية، أو بالأحرى أحد معاونيه ليخبره بأن حكم الإعدام قد نفذ في ابن الخطيب، وأنه  شخصيا من قام بذلك العمل البطولي.

سمعته يتكلم بلكنة تشبه لكنة المخنثين، في لغة يمزج فيها ما بين الفرنسية والعرنسية والشامية الأندلسية.

هربت من حال غيرة الكتاب، وأحقادهم ، وغلهم، ثم مشيت في شارع طويل وقد شعرت بالخوف. كأن الناس من حولي، هم الآخرون، كانوا يشعرون بالخوف من زلزال سيشق الأرض من تحت أقدامهم ويبتلعهم.

كانت الأرض تمور دون أن تمور، وأنا لم أصح بعد من منظر ابن الخطيب معلقا في حبل المشنقة، ومنظر ابن زمرك قبالته يضحك بهستيريا من شدة فرحه، وقد أكل الصلع رأسه واندلق بطنه أمامه من كثرة “الويسكي” وولائم الأمراء.

انتبهت، فإذا برجل يسير بجانبي وقد أخذه هلع الزلزال الذي يعلن عن نفسه فينا، يسألني:

هل سمعت بالانتخابات الجديدة الخاصة بالمجالس الجهوية في فرنسا الجزائرية؟

ما بها؟

لقد حولها الفائزون الجدد إلى إمارات أندلسية وممالك سلجوقية.

لقد فككوا البلد وجعلوا من كل إقليم إمارة وبدأوا ينصبون العداء ويعلنون الحرب ضد بعضهم بعضا.

كنت أسمتع وأنا أفكر في ابن الخطيب صاحب ابن خلدون.

 قال لي الرجل وهو في حالة من الهذيان، ومثلي كان، خائفا من الزلزال الذي بدأنا نستشعره وقد كاد يدركنا:

– أتعلم أن مليشيات الأخلاق وحسن السلوك قد اقتحمت متحف “اللوفر”، وأتلفوا كل ما فيه من لوحات لأكبر فناني الإنسانية، تعود إلى قرون خلت، بحجة محاربة العري فيها وفرض الحشمة وتثبيت الأخلاق الحميدة في العين المسلمة، وأنهم لم يترددوا في تكسير جميع المنحوتات الحجرية والبرونزية بحجة أنها تماثيل بدقتها وحرفية مبدعيها قادرة على أن تعيد الناس إلى عبادة الأصنام، وأن عادة تأمل هذه المنحوتات من قبل الزوار الكثيرين الواقفين في طوابير يومية لا تنتهي، هي عبادة للحجر، عبادة للأصنام بدلا من عبادة الله تبارك وتعالى  وهذه صفة من صفات الجاهلية يجب قطع دابرها؟

كنت أفكر في صورة ابن الخطيب معلقة في حبل المشنقة لم تبرح ذهني، وأستعيد صورة ابن زمرك ضاحكا في انتصاره الغبي والمقيت.

 واصل الرجل كأنما كأنه يهذي من جراء حمى أصابته من شدة اقتراب الزلزال:

-وأن المليشيات التابعة للمقابر الإسلامية في فرنسا الجزائرية، أمرت بدفن جميع الهياكل العظمية والجماجم والعظام التي تعود إلى الإنسان الأول الذي عاش في أوروبا وإفريقيا ومناطق أخرى من العالم ، قضى العلماء عشرات السنين بل المئات في دراستها وتصنيفها وترتيبها في متحف الإنسانية بباريس. أمروا بدفن هذا الإرث المتحفي من هياكل عظمية بحجة أن يوم القيامة على الأبواب وأن علامة الساعة قد لاحت، أعلن عنها أحد الشيوخ يدعي  أن نبي الإسلام العظيم زاره  في المنام، وأنه أخبره بخبر اقتراب الساعة التي سيعلن عنها من على رأس قمة برج إيفل، لذا فإن ميلشيات المقابر الإسلامية أمرت بإعادة هذه العظام إلى القبور، لأن الله تبارك وتعالى سيعيدها إلى الحياة ساعة القيامة وهي رميم.

انتبهت وتساءلت وأنا أرى ابن الخطيب معلقا في المشنقة وابن زمرد يدحرج جثته في الحبل يدفعها يمينا وشمالا ويرقص ضاحكا:

أيحصل هذا في أندلس جديدة؟ يا إلهي إن العرب والبربر لم يتغيروا أبدا. 

واستفقت، لعنت الشيطان وابن زمرك وقلت ما أشبه يومنا بالبارحة.

ملاحظة: انتهى ويمكن للقراء إكمال الحكاية بإرسال نصوصهم إلى الإيميل المثبت أعلى المقال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!