الرأي

يا حكام ويا علماء المسلمين.. هكذا نستأصل “داعش”

سلطان بركاني
  • 4183
  • 38

ما من شكّ في أنّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام الذي يسمّى اختصارا “داعش”، شأنه شأن كثير من الجماعات التي نشأت في ظلّ هذا الواقع التعيس الذي تعيشه أمة الإسلام، قد جنح إلى الغلوّ، وعاند العلماء النّاصحين نكاية بالعلماء الرّسميين، وأعلن الحرب على كافّة حكّام المسلمين نكاية بالحكام المتآمرين، فكانت مواقفه أشبه ما تكون بردود أفعال لما يلقاه من قبل خصومه من الحكام والعلماء ومن الجماعات الأخرى.

تنظيم “داعش” ملوم في غلوّه وتساهله في أمر الدّماء المعصومة، ونحن نخطّئه شهادة بالحقّ لا تزلفا إلى خصومه، فهو -في نظر أتباعه فضلا عن غيرهم- ليس بأفضل من الصّحابيّ خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الذي قال النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم- في حقّه عندما أخطأ: “اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد”.. “داعش” ملوم، ولكنّ اللّوم يقع أكثر على الحكام الذين نكّسوا راية الجهاد وتماهوا مع المشروع الأمريكيّ الذي جعل الجهاد قرينا للإرهاب، وتركوا أراضي المسلمين كلأ مباحا للصهاينة والصليبيين، وفرّطوا في مقدّسات المسلمين ودمائهم وأعراضهم، بصورة قلّ أن يعرف التاريخ لها مثيلا، حتى صارت الجماعات الصهيونية والصليبية والبوذية لا تتورّع في تحدّي مشاعر مليار ونصف المليار مسلم، لتتباهى وتتبجّح بانتهاكاتها لمقدّسات المسلمين وولغها في دمائهم وأعراضهم، في فلسطين والعراق والصومال ومالي وإفريقيا الوسطى وبورما، من غير أن يطرف جفن لولاة أمر المسلمين.

واللّوم يقع أيضا على العلماء الرسميين الذين أوجدوا المبررات لهؤلاء الحكام في ترك الجهاد وفي ملاحقة كلّ من ينكر عليهم تركه، حتى بلغ بهم الأمر إلى اتّهام كلّ من ينتقد الحكام وينكر عليهم عبثهم بمقدّرات الأمّة وقعودهم عن نصرة المستضعفين من المسلمين، بأنّه خارجيّ مثير للفتن.

لقد تسبّب الحكام والعلماء في انتشار الغلوّ والتطرّف بتركهم الجهاد في سبيل الله ضدّ الصّهاينة والصليبيين الذين استباحوا الأرض والعرض والدم والمال، وكانت النتيجة أنْ قام أفراد من هذه الأمّة لإحياء هذا الواجب، فتعجّلوا حيث ينبغي التريّث، وقفزوا إلى النهايات حيث ينبغي التدرّج، وقابلوا تفريط الحكام بإفراطٍ كان صيدا ثمينا لكلّ متربّص بهذا الدّين، ولكلّ مترصّد لحملته والغيورين عليه وعلى أهله؛ فالجهاد جماعةً كالصّلاة جماعة، إذا غاب الإمام والمؤذّن عن إقامتها في وقتها بشروطها، أقامها غيرهما ممّن يمكن أن يخطئ فيها، وحينها يجب أن يلام المؤذن والإمام قبل لوم من أقام الجماعة.

ولا شكّ أنّه وفي مثل هذه الأوقات العصيبة التي جنح فيها الحكام والعلماء الرسميون إلى التّفريط والتّقصير، وجنحت بعض الجماعات الإسلامية إلى الإفراط والغلوّ، ربّما يصعب على الأصوات العاقلة أن تجد من يسمعها، من هذا الطّرف أو ذاك؛ المفرّطون من الحكّام والعلماء يتذرّعون بأفعال الجماعات المسلّحة، لتبرير قعودهم عن إقامة الدّين ونصرة المستضعفين من المسلمين، والجماعات المسلّحة تتذرّع بقعود الحكام والعلماء وتواطئهم في بعض الأحيان مع أعداء الأمّة، لتبرير غلوّها وخروجها على الحكام والعلماء، وربّما استشهدت أيضا ببطش بعض الحكام بالإسلاميين وإطلاقهم أيدي الأقليات العلمانية لإعلان الحروب الإعلامية عليهم، ولا شكّ أنّ الجاهل إذا ظُلِم وقُهِر، لا يُنتظر منه إذا وجد فرصة للانتقام إلا أن يظلم ويبغي ويغلو في انتقامه.

لأجل هذا فإنّ الواجب على الحكام إن هم أرادوا القضاء على الغلوّ والتطرّف أن يقيموا الدّين والعدل في بلدانهم، ويرفعوا راية الجهاد الصّحيح الذي توجّه فيه الحراب إلى المعتدين من الصهاينة والصليبيين والوثنيين، وتمدّ فيه يد المساعدة ويغاث كلّ مسلم يضطهد في أيّ بقعة من هذا العالم، ويتذكّروا دائما وأبدا أنّ الغلوّ في محاصرة الدّين وأهله، لن يثمر إلا غلوا في الاتّجاه المعاكس.

كما أنّ المتعيّن على العلماء ألا يغيب عن أذهانهم أنّ واجبهم هو تقويم اعوجاج الحكام وردّهم إلى الحقّ، وليس تبرير أفعالهم والدّفاع عنهم، ومتى ما تخلوا عن هذا الواجب، تطلّع إليه من لا يحسنه فغلا فيه وأفسد، وعلى العلماء والحكام معا أن يتذكّروا دائما أنّ الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، بقاؤه قدري لا رادّ له، وهو يقبل التوجيه ولا يقبل المواجهة، بمعنى أنّ راية الجهاد لا يمكن أن تنكّس وإنّما يمكن أن تصحّح، يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة).

مقالات ذات صلة