يا قدس…
سلام عليكِ، يوم حملتِ إرث الأرض، وتعاليم السّماء، وسلام عليك يوم كنت رمز المحبّة، والتّسامح، والسّلام، والإخاء.لقد اصطفاكِ الله بين بقاع الأرض، فزيّنك بالمسجد الأقصى، الذي بَارَكَ حوله، فكان مسرى نبيّنا المختار، وملتقى الأنبياءِ الأطهار، ورِباطَ المرابطين والمرابطات الأحرار، يستقبِل الزائرين والزائرات من كلِّ الأقطار.
كنّا نؤدي في الحرمِ المقدسيِّ شعائرنا آمنين، ويؤُمّه المصلّون مطمئنين، ويتعبَّدُ المرابطون فيه، للقرآنِ تالينَ، حتّى هجَم علينا الصهاينة المعتَدون كالذئاب عاوين، فكدّروا صفو الرُّكعِ السّاجدين بعد أن لوّثوا طهرنا، وأفسدوا ذِكرنا، وعقَّدوا أمرنا.
كان المسجدُ الأقصى قبّة سلامٍ، تأوي كلّ الطيّبين الكرام، ويلوذ بحِماهُ حتّى طيور الحمام، يتعالى فيه التّكبير، وتتصاعد التّسابيح بكلِّ ألحانٍ وأنغام، فأتى عليه المستوطنون الصهايِنة اللِّئام، فنجّسوا باحاته، وشرّدوا حماماتِه، وسفكوا دِماءَ أبنائه وبناته.
ويل للمسجدِ الأقصى مما يُعانيه، من ظلم أعدائه ومناوِئيه، ولا مبالاةِ أبنائه ومناصِريه.
فللحرم المقدسيِّ في ذّمتنا واجبُ الحماية، وفي أعناقنا أمانةُ الرِّعاية، فهل قمنا -على الأقل- بأداءِ فرض الكفاية؟
إنّه ليحزُّ في قلوبنا، أنّ المسجدَ الأقصى الذي رفعنا الله به خذلناه، وأعزّنا الله بقبلته أهملناه، إنّ المسجدَ الأقصى هذا الذي جاهد من أجله المجاهدون الأبرار، ورابطَ في سبيل إسلامه العلماء الأخيار، واستشهد لحمايته شهداء أطهار، ضيّعه حكامنا الأغرار، وفرّط في واجباته ساسة أقزام صغار، فسلموه لقمة سائغة للصهاينة الأنذال الأشرار.
يبعث المسجد القدسي، في كلّ لحظة وحين، بنداء استغاثة، طالبًا من حكامنا، وقفة استماتة، تُعيد لأحراره، وحرائره، حقّهم في الوراثة.
نحن -إذن- مشغولون عن القدس، بالتنابز والتقاتل، وبالغفلة والتخاذل، بينما عدوّنا يبعث إلينا بالمخاتل والمقاتِل، وبالمومس المفاوضة، والمجادل.
لقد بلغ السيل الزّبى، ولم تعد قضية فلسطين كلّها، ولا القدس بالذات، تقبل المزيد من اللامبالاة أو الانتظار. يجب أن ينتقل حكّامُنا من لغة البيانات والشجب والتنديد إلى مرحلة إنجاز الوعد والوعيد.
لا تنقصنا الأعداد البشرية، فنحن -والحمد لله- منه أقوياء، ولا ينقصنا العتاد المادي، فنحن بسببه صرنا سفهاء، فبدل أن نوّجه هذا السّلاح إلى كبد الأعداء الصهاينة الألداء نوّجهه -ويا لمصيبتنا- إلى صدور الأشقاء والأبناء، دون خجل أو حياء.
لو أمسك كلّ مسلم عن أضحية العيد، وقدّم ثمنها للمرابطين والمرابطات في المسجد العتيد..
نعتقد أنّ قضية القدس الشريف بسبب عدوانية المستوطنين الصهاينة قد دخلت مرحلتها الحاسّمة، فإمّا إنقاذها من براثن العدّو، بالضربِ على أيدي المعتَدِين بكلّ الوسائل الممكنة، وإعادة الحق إلى أصحابه، وإمّا نهاية الأمّة العربية الإسلامية، حضاريًا وسياسيًا نهاية لا قيامة بعدها.
ولو قدّم أغنياؤنا زكاتهم إلى المستضعفين ليشتروا بها وسائل دفاع عن حرماتها ومقدّساتهم لتبيّن من هو القوّي ومن هو الضعيف..
ربّ ضارّة نافعة، ولعلّ المستوطنين الصهاينة بهذا الهيجان العدواني على الحرم المقدسي وبحماية الجنود المحتلّين، لعلّ في هذا إيقاظاً للهمم، وإحياءً للضمائر والذّمم، وبعثاً لنا من مرقد الغفلة واللامبالاة إلى ساحة الوجود بين الأمم.
إنّنا نتوق إلى أنّ صرخة “وا قدساه” التي دعت إليها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتخصيص “جمعة الغضب”، ووقفة التعبئة للتضامن مع إخواننا الفلسطينيين، من أبناء القدسِ الجريح، إنّ هذه الصّرخة قد تأتي ببعض النتائج…
وإنّ من الواجبات العاجلة التي على الأمّة الإسلامية القيامُ بها من أجل فلسطين والقدس ما يلي:
1– على الصعيد السياسي: قطع كلّ أنواع العلاقات الديبلوماسية، والتجارية والاقتصادية والثقافية والرّياضية.. مع الكيان الصهيوني.
2– مقاطعة كلّ البضائع الصهيونية، مباشرةً أو غير مباشرة عن طريق الشركات المختلفة التي تروِّج للإنتاج الصهيوني.
3– مقايضة القضية الفلسطينية والقدس بالذات في كلّ تفاوض تجاري أو اقتصادي مع الدول الأخرى مقابل مساندة القضية الفلسطينية.
4– تناسي النزاعات المسّلحة الداخلية، والاستعداد لخوضِ المعركة الفاصلة مع العدّو الصهيوني الذي يستبِّد بإخواننا الفلسطينيين، بسبب ضعف المواقف العربية والإسلامية.
القضية الفلسطينية التي هي الجامع المشترك الأعظم لكلّ العرب والمسلمين، وحتى لدعاة حقوق الإنسان الحقيقيين، يجب أن نجد لها حلاً بكلّ الوسائل الممكنة، حتى لا يُقضى عليها بالتقادم والنسيان.
5– على الجماهير العربية المسلمة أن تتحمّل مسؤوليتها بكلّ وعيّ ووطنية لإنقاذ القدس كعاصمة لدولة فلسطين المقبلة إن شاء الله، وفي هذا السّياق يبرز سلاح المقاومة الشعبية للمنتوج الصهيوني كأنجع سلاح، إضافة إلى تفعيل التضامن المادي والمعنوي، لتثبيت المرابطين في القدس، لتعزيز جهدهم، وتقوية عزمهم وحمايتهم من غطرسة العدو الصهيوني الغاشم.
نعتقد أنّ قضية القدس الشريف بسبب عدوانية المستوطنين الصهاينة قد دخلت مرحلتها الحاسّمة، فإمّا إنقاذها من براثن العدّو، بالضربِ على أيدي المعتَدِين بكلّ الوسائل الممكنة، وإعادة الحق إلى أصحابه، وإمّا نهاية الأمّة العربية الإسلامية، حضاريًا وسياسيًا نهاية لا قيامة بعدها.
والجزائر التي كانت في طليعة الدول التي ناصرت القضية الفلسطينية وشهِدت ميلاد الدولة الفلسطينية على أرضها لكفيلة بأن تضطلع بدورها الرّيادي، الذي يكون مثلاً يُحتذى لباقي البلدان الشقيقة والصديقة في الذودِ عن الحق المشروع، وإعادة الحق الضائع إلى أهله، وما ذلك على الجزائر بعزيز.
نحن ننظر بكلّ تفاؤل إلى هذه القضية مع ما يُحيط بها من تعقيدات ويشفع لنا في تفاؤلنا هذا أنّ القدس قضية عادلة وما ضاع حق عادل وراءه طالب، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء.