الشروق العربي
العنف عند الجزائريين...

يحبون بعنف ويكرهون بعنف أكبر !

الشروق أونلاين
  • 16833
  • 40

ثبت عن الجزائري أنه إذا أحب يحب بعنف، وإذا كره يكره بنفس الشدة ونفس الطريقة، وكأنه لا يؤمن بأن خير الأمور أوسطها..صور كثيرة كان فيها الحب مدمرا، فقضى على الأخضر واليابس، ولم يترك من مجال لتذكره إلا بالقول لا حول ولا قوة إلا بالله، مثبتا حقا مقولة أنه من الحب ما قتل، ليس عشقا وهياما، ولكن كرها وقصاصا.

“عشت معه قصة حب خرافية، أحاسيس لافحة، وختمها بكم هائل من الهدايا، والنزهات، حتى ظننت أنني ملكت الدنيا، واقتنعت به، لكن الخلافات تسللت إلى مملكتنا الوردية وحطمت جدران الاحترام فوق رؤوسنا، ما جعلني في لحظة غضب أطلب منه الفراق ويا ليتني لم أفعل”..بهذه الكلمات استهلت شاهيناز، 28 سنة، حديثها إلينا، وهي الشابة التي تحجبت حديثا، ليس تديننا، وإنما لتتستر على أطراف جسدها ووجهها الجميل، في محاولة منها لطمس معالم ثورة حبيبها، والتي ما كنا لنتفطن إليها لولا تحرج الفتاة -وهي تقاسمنا مقعدا قاسيا بحافلة-ومحاولاتها المتواصلة لدرأ الجانب الأيسر من وجهها، بالرغم من أنها كانت تبدو غاية في الأناقة، بمعطفها المخملي الرمادي، وسروالها الكلاسيك وحذاؤها الجلدي ذو الكعب العالي الذي كان أول ما يلفت الانتباه، دون الحاجة للحديث عن العطر الفواح، الذي كان كفيلا لأن يلف حولها الكثير من العيون المعجبة التي تتحين الفرصة للظفر بنظرة ما منها، وهذا ما لم يحدث مطلقا، وهو السبب عينه الذي شجعنا لنغوص معها في عالمها المنغلق، مادّين جسورا للاستماع في محاولة لكسب ثقتها، لتستطرد قائلة:”طلبت منه الفراق، فلم يتقبل الأمر، وكردة فعل أولى شوهني بسكين على مستوى الوجه والأطراف، ردا لاعتباره ولخسارته في الحب-حسبه-جازما بأنني في هذه الحال لن أكون لغيره وحتما سأرجع إليه، حينما لن أجد من يحويني، وهكذا أنا أحمل هذا العبء معي، وهو قضى عقوبة السجن ويستمتع اليوم بحريته”، هذا الاعتراف جعلنا نتساءل لماذا يحب الجزائري بهذه الطريقة العنيفة؟  !

الجزائري حينما يحب يكسّر وحينما يكره كذلك !

دققنا الكثير من الذهنيات، والبداية كانت مع شاب مثقف، ممن يجهرون بعواطفهم العادية، من تسامح، تواضع، اجتماعية وغيرها، والذي لم يستغرب حينما سألناه عن الأسباب الكامنة وراء هذا العنف في المشاعر حسب رأيه:”نحن الجزائريون لدينا عقلية خاصة،شعب غير رومانسي، فالهدف من وراء أي علاقة ثنائية ليس الزواج بالضرورة، لهذا تجدنا نقلد الغرب من خلال ما يبثوه فينا من سموم مسوقة عبر الأفلام، فنحاول التعبير بنفس طريقتهم، وهذا خطأ، اليوم تعلمنا أننا إذا أحببنا شيئا نكسره وإذا كرهناه نكسره، تماما مثلما يحدث في ملاعب الكرة، لكن في رأيي حقيقة نحن نحب بعنف، لأنه من الصعب علينا الجهر بمشاعرنا، وحينما نفعل، نحاول حمايتها بكل الطرق، ولكن الكره عندي شخصيا ليس بعنف، وإنما يتم على مراحل”.

حورية المرأة ذات الـ42 ربيعا، بدورها قاست كثيرا من طريقة الحب هذه، فرغم هدوئها الظاهر هي جد حزينة، ما تعكسه نظراته المشتاقة لدفء الأسرة والأولاد والتي تقول:”أحببنا بعضنا لكن الوالدين كانوا ضدنا، ولأنه لم يتقبل الأمر كان يقطع الطريق أمام كل خطابي كونه جاري، وتمادى كثيرا، حتى بات يفبرك القصص حولي، واليوم مضى من العمر الكثير، وتحول حبي له إلى كره كبير، ولن أفوت الفرصة إن منحت لي كي أجرعه من نفس الكأس التي أشربني منها حد الثمالة”.

حبه العنيف بات كابوسا يؤرقني

شخصيات أخرى وقفنا عندها وحاولنا حملها على الحديث، من بينها شاب يدعى فارس، فهذا الأخير سلوكه غير السوي بالمدرسة جعله يغادرها في مرحلة المتوسط، ليتوجه للأعمال الحرة، والذي لم يخف علينا طريقة حبه التي بدت جنونية:”أحب صديقتي كل الحب، خاصة وأنها عشرة ثلاث سنوات، ولكني غير متسامح معها، فأدنى خطأ تدفع ثمنه، فلا يمكنني تصور أنها تخالفني وأنا من منحها الحب والوقت والاهتمام، حتى أن عملي لأجلها حتى أكون عريسا كاملا حينما أطرق باب والدها الصائفة القادمة بحول الله، حبي لها وخوفي من فقدانها يؤرقانني ويجعلاني غيرتي تحرقني وتحرقها، حتى حينما أقول لها أحبك أقولها بخشونة وأردف بعبارة أخرى نستعملها نحن الجزائريين كثيرا لتتأكد من أني أحبها فعلا وحبي لها أمر كبير”.

خالد بدوره، لم يكتف بحبه لصديقته، وإنما صار كابوسا يلاحقها ويؤرق صفاء سمائها كما قالت لنا صديقته سلمى:”أحبه ولكنه يخنقني، أدنى غلطة يضربني لأجلها، وحينما يتصل ولا ؟أرد بسرعة يعنفني ويجبرني عنفه هذا على الخضوع له ومجاراته، ربما أكثر من خوفي من عائلتي، بالرغم من أنني مللت من الوضع، ولكني بت أخشى عليه وعلى نفسي من حبه العنيف هذا”.

السبب الاستعمار والارهاب

شهادة أخرى ضمنّاها هنا  لأستاذة لغة عربية من الجيل الجديد:”ما حدث أن مجتمعنا صار عنيفا، بفعل الاستدمار الفرنسي، وبفعل ما خلفته العشرية السوداء فينا، فشبابنا اليوم عنيفون، سواء تعلق الأمر بالفتاة أو بالذكر، عهدنا العنف في كل شيء حتى في الحب، فان أحببنا نحب بعنف وحتى إن كرهنا نكره بعنف، لدرجة الانتقام والقصاص، وهذا ما لا يجب مع مثل هذه المشاعر النبيلة، نحن اليوم أمام أجيال عنيفة في كل شيء، ومع كل أسف حتى في الحب”.

ظننا لوهلة الأولى أن كافة ضحايا الحب العنيف اناث، ولكن ثبت وجود الكثير من الذكور الذين وقعوا ضحايا لحبيباتهم بعدما أعطت الأقدار إشارة الانتهاء من العلاقة، من ضمن هؤلاء ياسين، رجل مطلق، كانت حبيبته السابقة وراء طلاقه لأنها لم تكتف بملاحقته وهو أعزب، وإنما سعت وبشتى الوسائل والطرق لطلاقه:”لم تكتف بملاحقي وأنا أعزب، لقد هددتني وصعّدت من وتيرة التهديد، أصدقكم القول أنها أحبتني كثيرا لدرجة العنف، ولكن عنفها هذا دمّر مستقبلنا، وما جعلني أقرر تركها خلفي والانطلاق من جديد، ولكن حبها هذا طال زوجتي وأحال نهارها ليلا وليلها نهارا من كثرة الشك والرعب، ما جعلها تطلب الطلاق، بعدما صورتني حبيبتي السابقة وحشا لها، يستمتع بها إلى بعد حين”.

لأننا شعب غير رومانسي..

 ليضيف آخر:”المشكل لدينا أن الحب تنامى في داخلنا ليصير حقا من حقوقنا على الآخرين وهذا خطأ، الأولى أن تنتهي حرياتنا عندما تبدأ حريات الآخرين، ولعل هذا ما يعطينا هذا العنف، أتساءل عن جزائري يحب برومانسية، أكيد غير موجود، فكلنا خشنو الطباع وكثيرو النرفزة بالفطرة، نثور لأدنى الأسباب، وأنا واحد من هذا المجتمع، حبي عنيف ولا يمكنني ألا أكون عنيفا، ففي عائلاتنا لم يعلمونا معنى الحب ولا أسسه والجميع يتكتم عنه ولا يفصح عن مشاعره، لهذا كل يحب على طريقته ولو أن الجميع في رأيي يحب بعنف ويكره بعنف”.

وتوافقه الرأي آنسة أخرى:”نحن شعب غير رومانسي، اتحدت جملة من الأحداث لتصقلنا هكذا، بالرغم من أن ديننا الحنيف يحثنا على الحب والرحمة، وجعله من أسمى المشاعر وأنبلها، نحن اليوم شعب عنيف في حبه وعنيف في كرهه لأبعد نقطة يمكن تصورها، كرهنا يقود للانتقام، رغبة لرد الاعتبار، وهذا غير سوي”. ولعل هذا ما يجعلنا نتساءل فلماذا الحب لدينا حرب؟ لماذا لا يكون جميلا، محترما للخصوصية وللرؤى.

مقالات ذات صلة