الرأي

يحلّونه مكانا ويحرّمونه مكانا

حكومتنا “الرشيدة”- كأخواتها السابقة- تؤمن ببعض الكتاب و”تكفر” ببعض، وتطيع الله في بعض الأمر وتعصيه في بعض، وتؤمن ببعض الحديث النبوي الشريف و”تكفر” ببعض؛ فهي تؤمن أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإن آمن بعضها ببعض الخرافات والمنكرات، وتؤمن بالصلاة وإن كان بعض أعضائها لا يصلّون، ومن هذا البعض من “كان يعتبر الركوع نوعا من الرّق، وبعضها الآخر يصلّون “صلاة الڤياد؛ الجمعة والأعياد”، يراءون بها الناس، وإنها لكبيرة عليهم، ونرجح أنهم يؤمنون بالزكاة، ولكننا لانعلم إن كانوا يزكّون، وإذا لم يزكوا فربما يعود ذلك إلى عدم توفر شرط النصاب، وربما طمعوا في أن تعطى لهم الزكاة لخصاصتهم، ولا شك في أن أكثرهم يصومون رمضان لا إيمانا واحتسابا؛ ولكن لما يُوَفَّرُ فيه من لذائد الفواكه، وشهي الأطعمة، والحلويات والمشروبات، والسهرات.. وأما الحج فهو على من استطاع إليه سبيلا، وأكثرهم- كما أشرنا- لا يملكون نصاب الزكاة، فكيف يملكون مصاريف الحج، خاصة لمن هم في مقاماتهم الدنياوية.

وقد يكون من أعضائها من لا يعلم الحج ولا ميقاته الزمني، فقد قصّ عليّ صديق أن سائقا عند أحدهم طلب رخصة للحج، فقال له: “خلّ الحج للشهر الجاي على خاطر نحتاجك هذا الشهر”، ظنا منه أن الحج في كل شهر، ولا غرابة في ذلك فقد سمع مسئول “كبير” كلمة “مؤسسة المسجد” فظنها مؤسسة تجارية فتساءل “ما دَخْلُ وزارة الشئون الدينية في الأمور التجارية؟”، وحكومتنا “الرشيدة” تؤمن بأن “الإسلام دين الدولة”، لا لأن اللّه- عز وجل- ورسوله- عليه الصلاة والسلام- أمرا بذلك؛ ولكن لأن الدستور نصّ على ذلك.. ولو آتى الله- عز وجل- أحد أعضائها رشده وطلب تطبيق هذه المادة لسمع ما لا يرضى من القول، ولـ….

من “بدع” حكومتنا “الرشيدة” التي ليست من أمر الله-سبحانه- ولا رسوله- عليه الصلاة والسلام- أنها أحيت منكرا من منكرات بعض العرب الجاهليين، والفرق بين منكر حكومتنا “الرشيدة” وبين منكر العرب الجاهلين هو أن منكر هؤلاء متعلق بالزمان ومنكر حكومتنا “الرشيدة” متعلق بالمكان..

فأما منكر العرب الجاهليين فهو النَّسِيُّ، أو النَّسِيءُ، وهو بنص القرآن الكريم “زيادة في الكفر”، حيث جاء في سورة التوبة قوله تعالى: “إنما النّسيّ زيادة في الكفر يضلّ به الذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما..” (الآية 37). فالنّسيّ أو النّسيء هو التأخير، وهو هنا “تأخير حرمة المحرّم إلى صفر أيام الجاهية(1)“، و”هذا مما ذمّ اللّه تعالى به المشركين من تصرّفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة، وتحليلهم ما حرّم الله، وتحريمهم ما أحل اللّه (2)“.

وأما منكر حكومتنا “الرشيدة” فهو ما قامت به من إلغاء الفوائد الربوية على القروض التي تمنحها لشباب الجنوب الجزائري “حيث أقرّت الإجراء بصفة استثنائية ضمن الإجراءات المستعجلة المتخذة لفائدة شباب ولايات الجنوب (3)“، ناوية “تعميم القروض دون فائدة… لإقرار نفس المعاملة بين طرفي البلاد (4)“.

إن إلغاء حكومتنا “الرشيدة” الفوائد الربوية عن القروض التي تقرضها لشباننا في جنوبنا العزيز و”نيتها” في تعميم هذا الإلغاء ليشمل شباننا في شمالنا هو إقرار عملي واعتراف صريح بأن شعبنا متعلق بالإسلام، متشبث به، راض بشرعه، قابل لأن يحكم بأحكامه العادلة، الحكيمة، دون أن يجد في نفسه حرجا.

ولكن السؤال الضخم ضخامة قصر حكومتنا “الرشيدة” هو: لماذا ترفض حكوماتنا “الرشيدة” حكمنا بحكم الله، وتفرض علينا أحكام الجاهلية الأولى والحالية وما بينهما، بالرغم من زعمها أنها حكومة “ديموقراطية” أي تحكم باسم الشعب- كما هو مدلول كلمة “ديموقراطية”؟

وبمناسبة الحديث عن هذا الداء الخبيث، الذي هو “سرطان الاقتصاد”، أذكر أنني دعوت في شهر رمضان لعام 1990 – وكنت آنذاك في وزارة الشؤون الدينية؛ دعوت الأستاذ الفاضل محمد فرحي (هو الآن الأستاذ في جامعة الأغواط) وطلبت منه إعداد حديث ديني عن الربا، وأن يبرهن علميا عن أضراره الكارثية على الأفراد والدول، وبشرط أن لا يستشهد بأية آية أو حديث نبوي إلا في نهاية الحديث، وكذلك فعل.

بثّ الحديث في أحد أيام رمضان، وفي صباح اليوم الموالي كنت في مكتب السيد الوزير فإذا مسؤول كبير (م.ا.ش) يهتف إليه، وبعد السلام والتحية.. قال ذلك المسؤول الكبير: إن الحديث الديني الذي بثّ مساء الأمس مزعج، لأن الناس سيعتبرونه دعوة إلى عدم التعامل مع مؤسسات الدولة. وما نحن فيه من وضع اقتصادي حرج.. فردّ عليه السيد الوزير قائلا: إننا لم نفعل أكثر من تطبيق ما ألزمت به الدولة وزارة الشؤون الدينية وهو أن تبيّن للناس ما جاء في القرآن العظيم وفي سنة النبي الكريم من أمور العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والأخلاق، دون أن تقول لهم افعلوا، أو لا تفعلوا، ومثلها في ذلك كمثل وزارة الصحة التي عليها أن تبين للناس أضرار الخمر دون أن تأمرهم بعدم تعاطيها.

إننا نناشد حكومتنا “الرشيدة” أن تستجيب في أعمالها إلى إرادة الشعب، وأن تحكمه بأحكام دينه، فإن لم ترد وبغت حكم الجاهلية فلتترك له حرية تأسيس بنوك إسلامية ()، كما ترك الله- وهو القاهر فوق عباده- الاختيار للناس “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. وهدانا الله جميعا لدينه الأقوم، وشرعه الأسلم.

.

هوامش:

1) المعجم الوسيط. مادة نسأ.

2) تفسير الإمام ابن كثير..

3) جريدة الشروق اليومي 21 مارس 2013

) أعلم أن هناك بنكين في الجزائر يجريان معاملاتهما حسب الشريعة الإسلامية ولكنهما محرّم عليهما وصف نفسيهما بالإسلام.. وإلاّ..

مقالات ذات صلة