يعبدون الله شهرا ثم يعودون إلى المعاصي باقي الشهور!
تشهد المساجد اثناء أيام رمضان تنافسا كبيرا بين المصلين في كل الأوقات، فترى الناس جماعات ومثنى وفرادى تصل من كل حد وصوب طلبا للصلوات عند دخول وقتها، يصل الحال بالكثير منهم إلى إقامتها خارج أسوار المساجد لكثرة العابدين الصائمين، فلا مكان للمتخلف في هذه الأيام الكريمة في طلب الصفوف الأولى، إلا أن هذه الظاهرة وللأسف بقيت منحصرة في أيام رمضان الكريم فحسب، فما أن تنتهي هذه الأيام الفضيلة حتى تنتهي هذه الظاهرة، وتصبح المساجد خاوية على عروشها، يهجرها المصلون دفعة واحدة كمن انتهى عقده في العمل، ويتحول هذا التدافع نحو المساجد إلى التدافع نحوى أماكن أخرى، وتشكو المساجد بعد انقضاء شهر رمضان هجرة عبادها إلى ان يحين رمضان المقبل.
هو حال مساجدنا بعد شهر رمضان، في الوقت الذي تكون فيه خلال هذه الأيام أماكن لا تنتهي فيها الحركة تتحول في أيام أخرى الى أماكن تشهد البطء في الحركة من طرف المصلين سواء داخلها أو من حولها، كيف لا، وقد كانت بالأمس أماكن تنافس المصلون فيها على الصفوف من أجل الظفر بمكان يكون الأقرب الى ملامسة التقوى والهدى، تحولت فيما بعد وبعد انقضاء أيام رمضان الكريم الى درجة صبر الإمام وانتظاره لبعض الدقائق ربما يطلع مصل آخر من أجل ملء فراغ الصفوف لإتمام الصلاة، لا نقول صلاة الصبح أو العشاء ولكن في كل مواقيت الصلاة..
ظاهرة ألفتها المساجد التي تكون مزهوة بحركة ودعاء وتكبير المصلين خلال شهر رمضان، لكن ما إن تنتهي أيامه تتحول إلى مجرد أماكن يسكنها الصمت إلا ممن رحم ربي من طرف القليل من المصلين الذين هم أوفياء للصلوات من دون عقد شرعي ولا معنوي مع هذه الأماكن، إلا طلب التقوى والمغفرة، وليس كحال الكثير منهم ممن جعل هذه المساجد في شهر رمضان خير أماكنه التي يزورها دون انقطاع وتراه حريصا على هذا الدوام، لكن بمجرد أن تنتهي أيام الصوم يختفي معها وكأنه أتى مع الشهر ويرجع معه من دون سبب مقنع لهذا.
واسألهم عن صلاة التراويح وعن حرصهم على الصلوات الخمس
يستحيل عن المتخلف في شهر رمضان الوصول إلى خير الصفوف، نظرا لحرص الكثير من المصلين على التواجد أقرب فأقرب إلى الصفوف الأولى، حتى تجد فيهم من صلى الشهر كله بعد الإمام من خارج أسوار المسجد ولم يصل إلى الصلاة داخل المسجد، مصلون داوموا فعل الخير والبقاء وراء الإمام إلى أن ينتهي من صلاة التراويح، تراهم ركعا سجدا طوال أيام شهر رمضان، ولا يتغيبون حتى على الدروس التي يخصصها الأئمة في بعض المساجد إلى ذكر أبواب الخير في هذا الشهر، مجتهدون في القيام والذكر والدعاء، أعمال زادت في مقامهم علوا، حرصوا على طلب الدرجات العلى بهذا الفعل، لكن المؤسف أن العديد منهم من كانت هذه الصفات، وهذا الحضور والحرص والاجتهاد إلا في هذا الشهر الكريم فحسب، فما إن تنتهي هذه الأيام حتى يتحول إلى حال أخرى وكأنه إنسان آخر، فإن لم نقل تاركا لها فهو مقصر في الحضور إلا في بعض الصلوات، ويصبح يطلب أمورا أخرى لا هي التي كان يطلبها في أيام رمضان، وتنقطع صلته بالمسجد، إلا في مناسبات قليلة أهمها صلاة الجمعة إن لم يكن له عذر آخر في تركها.
هذا هو الحرص على العبادات في الشهر الكريم من أغلب الأفراد بمختلف أعمارهم، تراهم كثيرو الحركة والهرولة إلى بيوت الله في موعد وغير موعد للصلاة، تتزين أيامهم بالذكر والصلاة على خير الخلق والصدقات والابتعاد عن المحرمات، ولعل الأكمل في هذه الأعمال كلها هي الصلاة في وقتها مع الجماعة في كل بيت من بيوت الله.
وتحزن العين عند هجرة صلاة الصبح جماعة
ولعل من أندر الأعمال التي نراها ماعدا في شهر رمضان هي عمارة المساجد في صلاة الصبح، فيهم من المصلين من يسير العديد من الكيلومترات من أجل الوقوف وراء الإمام من أجل هذه الصلاة، فلا مكان لمن تخلف عنها هي كذلك وليس التراويح فحسب، حتى وإن كانت متأخرة من كل صباح، خاصة في هذا الوقت من السنة، يقيمها المصلون ولو بشق الأنفس، يهرولون لها من كل حدب وصوب، فرادى وجماعات، فتسمع همسات أصواتهم وذكرهم وقراءة القرآن تقطع الصمت في كل زوايا المدن والقرى، غير أن دوام الحال من المحال، حيث تتحول في أيام معدودات إلى فعل منقطع، لأن الشهر الكريم رحل عنا، بل فيهم من يعاوده الحنين إلى هذه الصلاة إلا بعد انقضاء عام آخر وحلول الشهر الكريم مرة أخرى، إن كان من أهل هذه الدنيا، وإن العين لتحزن لهجر المصلين للصلوات الخمس كلها ولصلاة الصبح دون غيرها، وهذا لما فيها من خير وفضل لا يعلمه إلا الله، وبالرغم من أنها الأشق على الناس، لكن لِمَ تحول حالنا إلى هذه الحال؟ لِمَ أصبحت صلاتنا مجردة من الروحانيات وأصبحت من أجل المواعيد والمناسبات، بالرغم من أنها مفروضة في كل الأوقات والأزمنة، يزيد الأجر فيها في شهر رمضان فيزيد مقيموها، وما إن ينتهي هذا الشهر حتى نتراجع في أدائها، بل فينا من يهجرها لا في المساجد فحسب، بل حتى في البيت لوحده مع أهله.
انقراض الكثير من المصلين بانقضاء شهر رمضان
للأسف، هي الظاهرة الأولى التي توحي بانقضاء شهر رمضان، وكأن المصلين يصلون بعقد ميثاق مع الله تنتهي صلاحيته مباشرة بعد نهاية الشهر الكريم، إن هذه الظاهرة توحي بحق المرتبة التي وصلت اليها الصلاة في حياتنا بالرغم من أنها عماد الدين، حيث أصبحت مناسباتية للاهتمام بها، وبعد فلا، كيف لا والمساجد بعد كل شهر كريم تصبح خاوية على عروشها.. تبكي الصمت والعزلة، بعدما كانت مليئة تعج بحركية لا تنقطع، هو حالنا اليوم ومن كل سنة يمر فيه هذا الشهر، حيث يأتي معه نشاط يعانق السماء من طرف المصلين، لكنه يخمد بعد ذلك إلى أن يحين الشهر القادم، ربما يقول قائل أن الظروف التي يحل فيها هذا الشهر هي التي تعطي له الصورة التي هو عليها من كل سنة، سواء العطل أو التوقيت بالعمل أو الدراسة وغيرها، غير أنها تبقى من الحجج الضعيفة التي تقف حاجزا أمام استمرار هذه الصور الجميلة التي نراها في المساجد في شهر رمضان، وتنطفئ بعد نهايته مباشرة من دون سابق إنذار ومباشرة لا بالتدريج.
هو إذا الشهر الوحيد الذي يجمع المسلمين على قلب واحد، لكن للأسف لا يدوم هذا أكثر من أيام معدودات، تبقى الأسباب مختلفة حتى وإن كانت هينة، لكن الأكيد أن مساجدنا أصبحت تشكو الجفاء من المصلين الذين في رمضان ومن ثم هجرها.