-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

‬تعليق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الحكيم‭ ‬بالعربي‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬والسياسة

‬تعليق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الحكيم‭ ‬بالعربي‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬والسياسة

إذا كان تاريخ الجزائر هو ما نقرأ عنه في الصحف وما نسمعه من شهادات أحيانا فإنه سيكون لا محالة تاريخا مشوها يفتقر إلى المصداقية والنزاهة. ترى لماذا لا نتعلم من تجارب الأمم وتعاقب الحضارات؟

  • اطلعت على ما نشرته “الشروق اليومي” في عددها الصادر الخميس 8 يوليو 2010 عن حياة الحكيم محمد الصغير بلعربي ودوره في الحياة السياسية بمدينة الجزائر، وهو مصارعة إدارة الاستعمار المتوحش الذي كان يريد اغتصاب ما بقي من رموز الجزائر الإسلامية وتجريد أهلها من حقوقهم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬خلت‭ ‬فيه‭ ‬الساحة‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬وطنية‭ ‬واعية‭ ‬لأهداف‭ ‬الإدارة‭ ‬ومتفهمة‭ ‬لقضية‭ ‬الشعب‭.‬
  •  إن هذا الدور الذي لعبه الحكيم محمد بلعربي يعتبر مدروسا إلى حد كبير، فقد سلطت عليه الأضواء من معاصرين له ومن باحثين ما زالوا يعيشون بيننا، ولم يعد دورا خفيا أو مجهولا، كما قد يفهم من مقال الجريدة. فقد كتب عنه الشيخان محمد السعيد الزاهري ومحمد بن العابد‭ ‬الجلالي‭ ‬من‭ ‬المعاصرين‭ ‬له،‭ ‬وكتب‭ ‬عنه‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الجيلالي‭  ‬والأستاذ‭ ‬أبو‭ ‬القاسم‭ ‬سعد‭ ‬الله‭. ‬ومنذ‭ ‬حوالي‭ ‬سنة‭ ‬فقط‭ ‬كتب‭ ‬عنه‭ ‬الحكيم‭ ‬الحاج‭ ‬ماحي‭ ‬السنوسي‭. فالسيد الحفيد الذي روت عنه صحفية “الشروق” يوحي كلامه بأن جده مجهول ولم يطلع فيما يبدو على ما ذكرنا من كتابات. ولعله كان يعني أن السلطات الإدارية عندنا تجهل دور جده فلم تعطه حقه في إطلاق اسمه على مدرسة أو شارع أو معلم من معالم العاصمة. وهو حق من حقوق جده‭ ‬على‭ ‬الجيل‭ ‬الحاضر‭.‬
  • فإذا كان هذا هو مقصود السيد الحفيد فقد أصاب، ولكن ما الحيلة وحكامنا يجهلون التراث الثقافي ويكرهون المثقفين، والسلطة تريد أن تتسلط علينا بالجهل و”العنطزة” وليس بالمعرفة والذكاء. أين المجلس الأعلى للآداب والفنون الذي تناط به عادة المسألة الثقافية برمتها،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للهدف‭ ‬الثقافي‭ ‬المنشود‭ ‬وإبراز‭ ‬إسهامات‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ -‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الحكيم‭ ‬بلعربي‭- ‬ووضع‭ ‬علامات‭ ‬الطريق‭ ‬للممارسة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬
  • أما مسألة أولية الحكيم بلعربي في ميدان الطب فقد كان الشائع هو ما ذكره حفيده وما تناوله عدد من الباحثين، ومنهم كاتب هذا التعليق في كتابه (تاريخ الجزائر الثقافي. ج 7)، ولكن الحكيم الحاج ماحي السنوسي كشف عن خطأ هذا الشيوع وجاء بالبينة، وهي أن رائد حكماء الجزائر في الحصول على الدكتوراه الفرنسية في الطب هو الحكيم محمد بن سي الحاج بنمان النقاش الندرومي سنة 1880، بينما الرواية السابقة تقول إن الحكيم محمد الصغير بلعربي (أو بلعرباي) الشرشالي قد نال شهادته سنة 1884. وعنوانا البحثين مصوران ومنشوران في المجلة الطبية‭ ‬الجزائرية‭ ‬La‭ ‬Revue‭ ‬Medicopharmaceutique‭  ‬للسداسي‭ ‬الثالث‭ ‬سنة‭ ‬2008‮.‬
  • وهناك مشكلة تتعلق بنطق الاسم ورسمه. من الطبيعي أن تكون العائلة أولى بمعرفة النطق والرسم: هل هو بلعربي كما كتبه المعاصرون في حياة الحكيم نفسه، دون أن يعترض عليه حسب علمنا، أو هو بالعرباي كما جاء في جريدة  “الشروق”؟ لقد سمعت أن الفرنسيين أثناء كتابة الحالة المدنية -وقد شرعوا في تطبيقها أثناء حياة الحكيم- قد حرفوا النطق عن موضعه، من بالعربي إلى  بالعرباي=  ben Larbey  كما جاء في غلاف شهادته للدكتوراه الرسمية. وعندي أن الجيل الحاضر عليه أن يأخذ برسم الاسم كما استعمله المعاصرون، خصوصا وقد عرفنا من سيرة الحكيم‭ ‬أنه‭ ‬أندلسي‭ ‬الأصل‭ ‬وليس‭ ‬تركي‭ ‬الأصل،‭ ‬كما‭ ‬توهم‭ ‬لاحقة‭ ‬‮(‬باي‮)‬‭.‬
  • والواقع أن ما كنا نتمناه من السيد الحفيد الذي أثار هذا الموضوع مشكورا هو الكشف عن آثار جده العلمية والسياسية والتاريخية ليستفيد منها الباحثون اليوم. ونشير هنا إلى رحلته الأندلسية، فهل ترك حولها مذكرات مخطوطة؟ أو منشورة ولكننا نجهل مكان نشرها؟ ثم ما الجديد عن تدخلاته السياسية في بلدية مدينة الجزائر ودفاعه عن بقاء الجامعين الكبير والجديد ضد مشروع هدمهما، فهل سجل حول ذلك ملاحظات وآراء لم تنشر؟ ثم ماذا عن رحلته الدراسية الباريسية، هل كتب عنها يوميات أو انطباعات؟ وأخيرا أين رسائله التي كتبها أو تلقاها من جزائريين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيرهم؟‭ ‬
  • ‭     ‬إننا‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬قريبا‭ ‬لنفرح‭ ‬بالبشارة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن‭.‬

‭     ‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • أحمد بوودنين

    إن التشويه الحاصل في التسمية الأصلية للحكيم بلعربي إنما هي تجسيد لسياسة فرنسا الاستعمارية التشويهية لإبعاد الانتماء الجزائري العربي الاسلامس للحكيم الذي لم نهتم به كثيرا شأن العديد من خيرة هذه الأمة التي قدمت في سبيل حريتها واستقلالها أسمى ما تملك من رجال.
    إن الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي تشرفت بنهل الكثير من العلوم ومن طرق البحث العلمي في التاريخ لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أنوه بخصال الرجل الذي أصبح في زمن هوت فيه القيم يعاني بين أشباه الأساتذة والدكاترة على البنوطة المصرية، فالأستاذ معرف عنه ترفعه عن الصغائر وتواضعه وعلمه واتزانه والتزامه وعدله ونزاهته وكم كنا نشتاق إلى رؤيته مسؤولا عن الثقافة في زمن السخافةليحدد المعالم الكبرى لهذا المنتوج الانساني عبر التاريخ تحياتي الخالصة لطالب في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ممن يقدرون مجهودات الأساتذة واحترامهم وتقديرهم تنفيذا لتعاليم ديننا الحنيف وتقاليدنا الضاربة بجذورها في التاريخ.

  • سعدبرهان

    كلام جميل وصريح لايصدر الا من شخص احب وطنه حد النخاع وهو يتطلع الي يوم يري فيه مسؤولينا علي مختلف اختصاصاتهم وخاصة الثقافية منها في مستوي تضحيات اجدادنا فتحية لاستاذنا وقدوتناابو القاسم سعدالله واطال الله في عمرك