-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

‭ ‬العقيد‭ ‬أبريروش‮ .‬‭. ‬من‮ ‬رجالات‭ ‬ملحمة‭ ‬نوفمبر

‭ ‬العقيد‭ ‬أبريروش‮ .‬‭. ‬من‮ ‬رجالات‭ ‬ملحمة‭ ‬نوفمبر

كرمت بلدية ثيميزار (ولاية تيزي وزو) عائلة المجاهد الراحل مُحند أمزيان إعزورن، في احتفال أول نوفمبر لهذا العام، اعترافا بما قدمه من جهد من أجل الإعداد للثورة ورعايتها بالنفس والنفيس، إلى أن كللت بالانتصار. واستقطب هذا الحفل خلقا كثيرا، ضم رفقاءه في النضال، وبعض إطارات الدولة السابقين، والمثقفين، وأبناء الشهداء، والشباب، والطلبة، وجمهورا عريضا، استمتع بمداخلات عديدة نوّهت بمناقب المجاهد. ولعل أهمها مداخلة الأستاذ والكاتب الكبير محمد الصالح الصديق، الذي يعد صديقا حميما للمجاهد أبريروش، وكانت مداخلته شافية وافية‭ ‬استمع‭ ‬إليها‭ ‬الجمهور‭ ‬بشغف‭ ‬كبير‭. ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬الذين‭ ‬حالفهم‭ ‬الحظ‭ ‬لحضور‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬الرمزي‭.‬

  • نبذة‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬العقيد‭ ‬أبريروش‭  ‬
       وُلد مُحندْ أمزيان إعَزُورَنْ يوم 18 مارس 1912م، في قرية إعَجْمَاضْ، بلدية ثيميزار (ولاية تيزي وزو)، من أسرة ميسورة الحال نسبيا. واشتهر بلقب “أبريروش” لما أبداه من فطنة ونباهة وحذاقة، في سلوكه منذ نعومة أظافره، وعُرف خلال الثورة باسم “سي السعيد”. هذا وقد حالفه الحظ في الحصول على قدر من التحصيل التعليمي الابتدائي، بفضل عائلة أخواله (جبراني) التي آوته في بلدة آزفون(1). وشاء القدر أن يدخل معترك الحياة، ويتحمل مسؤولية عائلته، وهو في سن المراهقة، بعد أن توفي والده. وتزوج في السن الثانية والعشرين من عمره، وهي سن متأخرة حسب عصره. وبالنظر إلى صعوبة الحياة في ظل الاستعمار، فقد تقلب في عدة حرف كالرعي، والبناء، وقطع الأخشاب، وفي ورشة تصليح الطرقات، ليستقر به الحال أخيرا في التجارة، ففتح محلا لبيع الملابس والمواد الغذائية، بناه خارج قريته بمحاذاة الطريق العام، فتحسنت ظروف معيشته إلى درجة أنه استطاع أن يشتري شاحنة صغيرة لتموين دكانه، استغلها أيضا أثناء نضاله في الحركة الوطنية، إذ كان يتنقل بها، وينقل المناضلين والقادة، والبريد والأسلحة. وبحكم انتمائه إلى الحركة الوطنية، فقد عانى كثيرا من تعسف الدرك الفرنسي، الذي كان يحرر‭ ‬مخالفات‭ ‬ضده،‭ ‬ويسلط‭ ‬عليه‭ ‬غرامة‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬المراقبة‭ ‬رغم‭ ‬سلامة‭ ‬الشاحنة،‭ ‬وذلك‭ ‬إمعانا‭ ‬في‭ ‬مضايقته‭. ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬يعد‭ ‬مسبقا‭ ‬مبالغ‭ ‬المخالفات‭ ‬ويضعها‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬يده‭ ‬لتسليمها‭ ‬لهم‭. ‬
    ومن خصائص شخصيته أنه كان رجلا محسنا ومِعوانا، ذا الكرم الحاتمي، عطوفا على الضعفاء، متخلقا، تقيّا يخشى الله. وقد تأثر في سلوكه بالشيخ محمد البشير أيت الصديق (إمام قرية أبيزار القريبة من قرية إعَجْمَاضْ)، ونهل من معينه التربية الخلقية السامية، وقيم الإيثار والاستقامة،‭ ‬فكان‭ ‬له‭ ‬خير‭ ‬معين‭ ‬في‮ ‬تجاوز‭ ‬سلبيات‭ ‬الذهنية‭ ‬العرفية‭ ‬الفضة‭. ‬
     
    مسار‭ ‬نضاله
    انضم مُحندْ أمزيان إعزورن (أبريروش) إلى حزب الشعب الجزائري، في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي (خلال الحرب العالمية الثانية) بفضل بعض المناضلين القدامى، أمثال سي مُحند أرزقي إغـَرْبـييَنْ، والسيد ثيغيلت فرحات مُحندْ أمقران، والسيد آيت سليمان أمْحَانـْد ْ. ثم سرعان ما أستطاع أن يكسب -بفضل إخلاصه وحيويته- ثقة القادة المحليين، من وزن كريم بلقاسم  وعمر اُوعَمْرَانْ، فأسندت له مسؤولية المناطق المدرجة ضمن بلدية آزفون المختلطة، وزيادة. وصار عضوا فاعلا في المنظمة الخاصة، المنبثقة عن مؤتمر 1947م  لحركة انتصار الحريات الديمقراطية (PPA / MTLD)، وهي منظمة شبه عسكرية، أسندت لها مهمة تدريب الشباب وشراء الأسلحة. واختار لها موقعا آمنا في مكان يدعى أڤـْنِي بُوسْـلـَنْ بقرية عشوبة المتميزة بانضواء أغلبية سكانها ضمن الحركة والوطنية، وبموقعها الحصين (قرب ثامـڤوط) والبعيد عن عيون‭ ‬فرنسا‭.‬
    ومن أهم المحطات النضالية في مساره، إشرافه على اندلاع الثورة في غرة نوفمبر 1954م، في المناطق الممتدة من إعَزُوڤـَنْ (عزازڤـة) إلى آزفون وإفليسن لبحار (بلدية ثيـڤزيرث). واقتضت الخطة إحراق مستودع الفلين، وقصف مركز الدرك الفرنسي في بلدة إعزوڤن. كما أرسل عددا من المناضلين إلى الولاية الرابعة بطلب من أحد مسؤوليها  عمرو اُوعمران  لمساعدتها في تفجير الثورة في منطقة البليدة. وعلى اثر تفجير الثورة، قامت القوات الفرنسية بإحراق منزل ومتجر محمد أمزيان إعَزُورَنْ، الذي احتاط للأمر فنقل أفراد عائلته إلى مكان آمن. والجدير بالذكر‭ ‬أن‭ ‬ولده‭ ‬البكر‭ ‬المدعو‭ ‬أسعيذ،‭ ‬قد‭ ‬التحق‭ ‬بصفوف‭ ‬الثورة،‭ ‬ونال‭ ‬الشهادة‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحصار‭ ‬العسكري‭ ‬الجهنمي‭ ‬المعروف‭ ‬بعملية‭ ‬‮”‬‭ ‬جومال‮”‬‭. ‬
       وبالنظر إلى معضلة قلة التسليح في السنوات الأولى من قيام الثورة، فقد اضطر الثوار إلى افتكاك السلاح من عدوّهم، عن طريق نصب كمائن للجيش الفرنسي. وعليه تم تنفيذ  الكمين الأول في قرية ثيميزار، التي أقام بها الجيش الفرنسي ثكنة عسكرية، وكان من عادة العسكر أن يجلبوا الماء بواسطة شاحنة، من منبع يبعد عن ثكنتهم بحوالي كيلومترين اثنين فقط، وتمكن المجاهدون من قتل أفراد المجموعة (عشرة جنود) وغنمِ أسلحتهم وذخيرتِها. ونصبت قوات أبْريرُوشْ الكمين الثاني في بلدة فريحة، أسفر عن قتل عدد من الجنود الفرنسيين، وغنم 21 بندقية آلية‮(‬2‮)‬‭.‬
     
    عملية‭ ‬الطائر‭ ‬الأزرق
    ولعل أهم وأخطر عملية عسكرية أشرف على تنفيذها المجاهد أبريروش، العملية المسماة “الطائر الأزرق” في عهدي جاك سوستيل، وروبير لاكوست (1955 – 1956)، وهي العملية التي خططت لها المخابرات الفرنسية لضرب الثورة من الداخل عن طريق تشكيل  قوة محلية جزائرية تخدم فرنسا. لكن فطنة قيادة الثورة حوّلتها إلى نصر كاسح لها، وهزيمة نكراء على فرنسا، غنم منها المجاهدون السلاح والمال. ونفذت العملية -لاعتبارات أمنية- في نطاق جغرافي ضيّق نسبيا (بلدية آزفون المختلطة، وثيـڤزيرث بصفة خاصة، وإعزوڤن، وناحية تيزي وزو، وبرج منايل بصفة عامة).
       ومجمل هذه العملية، أن قامت فرنسا بتسليح وتمويل ما يقارب 300 شخص(3)، على أساس أنهم مرتزقة في خدمة فرنسا، لكن في الواقع كانوا مجاهدين، خادعوا فرنسا فكانوا يسلمون للفرنسيين جثث الخونة، على أساس أنها جثامين المجاهدين الذين قضوا عليهم. هذا ولم تدرك فرنسا أنها وقعت فريسة في الفخ الذي نصبته للثورة، إلا في خريف سنة 1956م. وأدى المجاهد أحمد اُوزايد ( تاجر في عزازڤة) دور الوسيط  بنجاح، بين مبعوث الإدارة الفرنسية وقيادة الثورة بتزكية من أبريروش ومحمدي السعيد وكريم بلقاسم.
    وفي الأخير قرر كريم بلقاسم إنهاء هذه العملية، قبل أن يكتشفها العدو، وبعد أن بدأت تتسرب إلى قيادته الشكوك حول طبيعتها. وعلى إثر ذلك خطط أعمر اُوتومي( من عرش إفليسن لبحار)- الذي كان على صلة بقائد ثكنة أڤني اُوموسي في إطار عملية الطائر الأزرق- لتوجيه ضربة قاضية للجيش الفرنسي، تكون بمثابة خاتمة لهذه العملية. فنصب له كمينا في موقع إڤـَرْ أنـْسَالـَمْ  ليلا، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر سنة 1956م، ثم طلب منه النجدة بواسطة إطلاق صاروخين مضيئين في السماء، مدّعيا أنه تعرش لهجوم المجاهدين. وعلى إثر ذلك خرج قائد ثكنة أڤني اُوموسي بقواته لإنقاذ رجال عملية الطائر الأزرق الذين كان يفترض -حسب الاتفاق- أنهم عملاء لفرنسا، فوقع في الكمين، وفقد حوالي 35 عسكريا من قواته، ثم صعد أعمر اُوتومي برجاله إلى إخوانه المجاهدين في جبال عرشي آث جناذ وإفليسن لبحار.
    وعلى إثر ذلك قررت فرنسا الانتقام منهم ، فجندت في الحين، أي  يوم 7 أكتوبر، حوالي 25 ألف عسكري، حاصروا  موقعا جبليا واسعا، ذا تضاريس وعرة، وغطاء  نباتيّا كثيفا، يسمى أڤني اُوزيظوظ، وهناك جرت معركة شرسة، بين المجاهدين والقوات الفرنسية، دامت أسبوعا كاملا، استعمل فيها الجيش الفرنسي قواته البحرية والبرية والجوية، فكانت من أعنف المعارك التي شهدتها منطقة القبائل الساحلية، واستشهد فيها حوالي مائة مجاهد، أما خسائر الجيش الفرنسي فكانت أكبر من ذلك بكثير. وانتهت هذه المعركة بفشل الجيش الفرنسي في هزم المجاهدين، واسترجاع الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ ‬رجال‭ ‬عملية‭ ‬الطائر‭ ‬الأزرق‭.  ‬
     
    كفاءة‭ ‬أبريروش
    بالنظر إلى شجاعته ونجاحه الكبير في تنظيم الثورة، وتسييرها في المنطقة التي كلف بها، فقد رقي إلى رتبة نقيب سنة 1956م، فرتبة رائد سنة 1957م. وفي مطلع سنة 1958م التحق بتونس، ومكث هناك -بعد أن فشلت محاولته للرجوع إلى الجزائر سنة 1959م- يشرف على إرسال المال والسلاح‭ ‬إلى‭ ‬الولاية‭ ‬الثالثة،‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬استرجاع‭ ‬الاستقلال‭. ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬رتبة‭ ‬العقيد‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬1959م‭ ‬بتونس‮(‬4‮)‬‭. ‬
    وفي عهد الاستقلال، وضع نفسه في خدمة الوطن، وأكد ذلك السيد سيدي سعيد حميد (والي سابق في تيزي وزو)، الذي أوضح في كلمته، أن العقيد أبريروش، كان يزوره في الولاية، ويعرض عليه خدماته إن كان في حاجة إليها، من أجل ترقية الولاية وخدمة سكانها. وظل يخدم وطنه -حسب المستطاع‭-‬‮ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لقي‭ ‬ربه‭ ‬راضيا‭ ‬مرضيا‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬جانفي‭ ‬1988م‭. ‬فرحم‭ ‬الله‭ ‬المجاهد‭ ‬محمد‭ ‬أمزيان‭ ‬إعزورن‭ ‬الذي‭ ‬أحبّ‭ ‬وطنه،‭ ‬وشب‭ ‬على‭ ‬الإخلاص‭ ‬له،‭ ‬وشاخ‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الجزائر‭.‬
     
    الهوامش
    1‭-‬Colonel‭ ‬IAZZOURENE‭ ‬Mohand‭ ‬Ameziane‭, ‬biographie‭ ‬et‭ ‬Opération‭ ‬Oiseau‭   ‬
    ‭ ‬Bleu‭, ‬Réalisé‭ ‬par‭  ‬son‭ ‬fils‭ ‬Mouloud‭ ‬et‭ ‬Ouchaou‭ ‬M‭?‬henna‭, ‬‮(‬Colloque‮)‬‭.   ‬
    2‭- ‬Majallat‭ ‬et‭- ‬tarikh‭, ‬N‭? ‬20‭ , ‬1985‭, ‬2‭? ‬Semestre‭, ‬P‭. ‬53‭.   ‬
    3‭- ‬محمد‭ ‬الصالح‭ ‬الصديق،‭ ‬عملية‭ ‬العصفور‭ ‬الأزرق،‭ ‬منشورات‭ ‬دحلب،‭ ‬ط‭ ‬1،‭ ‬سنة‭ ‬1990،ص53‭. ‬
    4‭- ‬محمد‭ ‬لصالح‭ ‬الصديق،‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الثورة،دار‭ ‬هومة،‭ ‬ط‭ ‬1،‭ ‬2002،‭ ‬ص‭ ‬144‭.‬
  • ferradrezki@yahoo‭.‬fr‭ ‭  ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    اه الله يرحم رجال
    زعما مازال كاين رجال في دزاير

    لنشر من فضلك