الرأي

‮”‬الربيع‭ ‬العربي‮”‬‭ ‬يهبّ‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭!‬

جمال لعلامي
  • 4658
  • 5

سواء جدّد الفرنسيون الثقة في نيكولا ساركوزي، أو انتخبوا فرانسوا هولاند، أو غيره من المترشحين العشرة، بديلا له، يبقى في كلّ الحالات رئيسا فرنسيا، حتى وإن كان أحد البدائل سيكون أقلّ هونا و”شراسة” وعدائية من “ساركو” الذي “ربح العيب” للجزائريين، وختم عهدته خلال‭ ‬حملته‭ ‬الأخيرة،‭ ‬برفض‭ ‬الاعتذار‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬ارتكبت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬‮”‬جرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفرنسيين‮”‬،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬حقّ‭ ‬الحركى‭!‬

مثلما كانت الحملة الرئاسية ساخنة في شوارع فرنسا لعدّة أيام، كانت المشاركة في الرئاسيات أيضا، حيث تجاوزت الـ70 في المائة، ربما لأن الفرنسيين خرجوا عن بكرة أبيهم لصناعة “التغيير”، إمّا بتطويل عمر ساركوزي بقصر الإليزيه، وإمّا لطرده من خلال التصويت الجماعي أو بالأغلبية‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬منافسيه‭ ‬العشرة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬هولاند‭ ‬الذي‭ ‬وعد‭ ‬بالاعتذار‭ ‬للجزائر‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬فرنسا‭ ‬الاستعمارية‭!‬

مهما كانت النتائج النهائية لرئاسيات فرنسا، والتي ستُحسم في الدور الثاني، عشية الانتخابات التشريعية في الجزائر، لا يُمكن إلغاء نحو مليونين صوت لفرنسيين من أصل جزائري، شاركوا هم أيضا في “تغيير” واجهة النظام الفرنسي، الذي عرف ذروة تطرف المواقف العدائية، خلال عهدة‭ ‬ساركوزي،‭ ‬الذي‭ ‬ردّ‭ ‬الاعتبار‭ ‬للحركى‭ ‬ووعد‭ ‬بتخليدهم‭ ‬وتمجيدهم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬إعادة‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيسا‭ ‬لجمهورية‭ ‬ديغول،‭ ‬كما‭ ‬بشّر‭ ‬المهاجرين‭ ‬الجزائريين‭ ‬بتطهيرهم‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الفرنسي‭!‬

ستبقى ملفات الاعتذار والحركى وتنقل الأشخاص ووضعية الجالية والعلاقات الثنائية، أولى الأولويات، لأيّ رئيس فرنسي مهما كانت ملته وعلته، وحتى إن كان هذا الرئيس الذي يبقى بطبيعة الحال فرنسيا مائة بالمائة، فإنه لا يُمكن انتظار مفاجآت غريبة وعجيبة بالنسبة لتعامله مع‭ ‬ما‭ ‬تعتبرها‭ ‬فرنسا‭ ‬‮”‬مستعمرتها‭ ‬القديمة‮”‬‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تزعم‭ ‬وحلم‭ ‬بأنها‭ ‬‮”‬قطعة‮”‬‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفرنسية‭!‬

لا يُمكن للجزائريين أو غيرهم من العرب والمسلمين، أن ينتظروا الكثير من الرئيس الفرنسي القادم، فهو سيظل في خدمة فرنسا وحلفائها وشركائها الغربيين، ولا تنتظروا مثلا أن يعترف هذا الرئيس، باليد الفرنسية في ليبيا وفي صناعة الفوضى أو التحريض عليها في عدد من البلدان‭ ‬باسم‭ ‬‮”‬الربيع‭ ‬العربي‮”‬‭ ‬وتحت‭ ‬مبرّر‭ ‬‮”‬إنقاذ‮”‬‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬مخالب‭ ‬الديكتاتوريات‭!‬

لقد كانت أغلب هذه الديكتاتوريات المنهارة، صديقا أو حليفا لفرنسا، قبل أن تنقلب عليها لمواصلة حلب ثرواتها، وعليه فإن “التغيير” الذي يُمكن للرئاسيات الفرنسية أن تأتي به، ستظهر ملامحه ومعالمه خلال الفترة اللاحقة، التي ستكون لجني غلّة “الثورات” التي فجّرتها “الاستعمارات‭ ‬القديمة‮”‬‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مستعمراتها‭ ‬الأزلية‭!‬

رحل ساركوزي أو استمرّ بالإليزيه، فإن فرنسا هي فرنسا، لأن “الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء الآباء” مثلما قالها ذات يوم كوشنير، صديق “ساركو”، الذي توهم بأن “جيل الثورة” سينقرض لحلّ كلّ المشاكل العالقة بين فرنسا أوساريس وبيجار، وبين جزائر عميروش والعربي بن مهيدي،‭ ‬متجاهلا‭ ‬بأن‭ ‬‮”‬جيل‭ ‬الاستقلال‮”‬‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الثورة،‭ ‬مثلما‭ ‬ذاك‭ ‬الشبل‭ ‬من‭ ‬ذاك‭ ‬الأسد‭!‬

قد‭ ‬يُغادر‭ ‬ساركوزي‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وهو‭ ‬حلم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفرنسيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬مثلما‭ ‬كشفته‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬سيستفيد‭ ‬الجزائريون‭ ‬من‭ ‬ساركو‭ ‬أو‭ ‬هولاند‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬فرنسا‭! ‬

مقالات ذات صلة