2022.. الجزائر محط أنظار العالم طاقويّا
تميزت سنة 2022 بعدة محطات هامة ومفصلية على الصعيد الطاقوي، جعلت من الجزائر محط أنظار العالم، من خلال زيارات متتالية لمسؤولين من عديد الدول، سواء قيادات سياسية أو مديري شركات كبيرة، خصوصا ما تعلق بإمدادات الغاز إلى دول أوربية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في ارتفاع أسعار المحروقات إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة.
بالمقابل، تخلل السنة الجارية اكتشافات هامة للنفط والغاز من طرف سوناطراك وبعض شركائها، وتوقيع اتفاقيات جديدة للبحث والاستكشاف والتطوير في إطار قانون المحروقات الجديد، إضافة لإبرام أخرى لتزويد إيطاليا بكميات إضافية من الغاز وتسجيل عودة سوناطراك إلى السوق السلوفينية بعد 10 سنوات من الغياب، مع مراجعة أسعار هذه المادة مع معظم الشركاء التقليديين للجزائر، ورفعها لتتناسب مع واقع السوق الدولية الذي ميزه ارتفاع تاريخي وغير مسبوق في الأسعار.
اكتشافات بالجملة للنفط والغاز والجزائر الأولى عربيا
في هذا السياق، صنفت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” الجزائر في المركز الأول عربيا من حيث الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة خلال الأشهر الثمانية الأولى للعام الجاري 2022، بعضها تحقق بمجهود سوناطراك وحدها والبعض الأخر مع شركاء أجانب.
وورد في تقرير المنظمة العربية الصادر شهر أكتوبر الماضي، أن الجزائر سجلت منذ مطلع العام الجاري وإلى غاية نهاية أوت 2022 الماضي، سبعة اكتشافات جديدة تشمل أربعة اكتشافات نفطية وثلاثة اكتشافات غازية.
ويتعلق الأمر بالاكتشاف المحقق في حاسي الرمل الذي تتراوح تقديرات المصادر المكتشفة فيه بين 100 – 340 مليار متر مكعب، في مكمن الياس الكربوناتي، والاكتشاف المحقق في عين أميناس 2 عبر البئر “عين إكر جنوب غرب -1” التي أنتجت من مكمنين عند اختبارها بمعدل إجمالي بلغ 513 ألف متر مكعب في اليوم من الغاز، و43 مترا مكعبا في اليوم من المكثفات.
أما الاكتشاف الثالث في الجزائر فتم عبر البئر “تامزاية – 3” في منطقة تاغيت، التي أنتجت الغاز خلال اختبار تكوين من عصر الديفوني.
ومن بين الاكتشافات الهامة لسوناطراك في 2022، بئر عقلة الناصر في محيط تقرت شرق، الواقع شمال حاسي مسعود، الذي سمح برفع حجم الاحتياطات بالرقعة المعنية إلى 961 مليون برميل من النفط الخام.
وفي شهر مارس الماضي، أعلنت شركة سوناطراك عن كشف نفطي مع شريكها الإيطالي “إيني”، باحتياطات قدرت بـ 140 مليون برميل، في محيط الاستكشاف زملة العربي الواقع بحوض بركين.
9 مليارات متر مكعب غاز إضافي لـ “إيني” والمرتبة الأولى في السوق
وقعت الجزائر وإيطاليا من خلال شركتي سوناطراك وإيني، اتفاقا في 11 أفريل الماضي، يقضي بإمداد البلد الأوربي بكميات إضافية من الغاز تصل 9 مليارات متر مكعب، باستغلال قدرات النقل المتاحة عبر خط الأنابيب “ترانسماد-إنريكو ماتاي” الذي يربط البلدين عبر البحر المتوسط مرورا بتونس، جعل من الجزائر تتحول إلى المورد الأول لهذه المادة إلى إيطاليا.
وجاء التوقيع خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء السابق ماريو دراغي إلى الجزائر على رأس وفد هام، ولقائه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أكد خلالها أن بلاده ستقوم بمزيد من الاستثمارات في قطاعات الطاقة النظيفة على غرار الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
عودة إلى السوق السلوفينية بعد غياب 10 سنوات
ومن محطات 2022 الطاقوية، عودة شركة سوناطراك إلى سوق الغاز السلوفينية بعد غياب دام 10 سنوات، حيث وقعت الشركة الوطنية للمحروقات في 15 نوفمبر الماضي، اتفاقا مع شركة جيوبلن السلوفينية، يقضي بتصدير الغاز الجزائري نحو سلوفينيا بداية من شهر جانفي 2023 وإلى غاية العام 2026، بكميات تقدر بـ 300 مليون متر مكعب سنويا، يتم نقلها عبر خط الأنابيب “نرانسماد-إنريكو ماتاي” الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر المتورط مرورا بتونس.
اتفاقيات بحث واستكشاف وتطوير في إطار قانون المحروقات الجديد
ومن بين ما ميز العام 2022، هو توقيع اتفاقات بين سوناطراك وشركاء دوليين للبحث واستكشاف وتطوير حقول نفطية وغازية، في إطار قانون المحروقات الجديد.
في هذا الصدد، وقعت سوناطراك اتفاقا مع عملاق الطاقة الايطالي تمخض عنه دخول حقلي غاز حيز الإنتاج شهر سبتمبر الماضي، بجنوب حوض بركين بولاية ورقلة، وهذا في إطار أول عقد موقع بين الطرفين بموجب قانون المحروقات الجديد 19-13.
وحسب سوناطراك، فإن الإنتاج بهذين الحقلين تحقق بعد ستة أشهر فقط من دخول العقد المبرم في ديسمبر 2021، حيز التنفيذ رسميا.
وأضاف أنه “تم الشروع في مرحلة الإنتاج بهذين الحقلين في سبتمبر 2022 وهذا بعد ستة أشهر فقط من دخول العقد المبرم حيز التنفيذ, وفق نظام التطوير “المسار المتسارع” (Fast Track)”، ما سيسمح ببلوغ معدل إنتاج يومي يقدر بـ 1 مليون متر مكعب من الغاز و4000 برميل من السوائل المصاحبة، مع إمكانية رفع هذه القدرة الإنتاجية إلى مستوى 2 مليون متر مكعب نهاية العام الجاري.
وفي شهر ماي الماضي، وقعت سوناطراك عقدا مع الشركة الصينية للطاقة “سينوباك”، على عقد لمقاسمة الإنتاج في مجال المحروقات يخص الرقعة التعاقدية “زرزايتين”، الواقعة بحوض إليزي، وذلك بموجب قانون المحروقات الجديد.
ويمتد العقد على فترة تقدر بـ 25 سنة، وتعهد الطرفان بموجبه بتنفيذ برنامج أعمال للتطوير والاستغلال، المنصوص عليه في خطة التنمية المعتمدة، والهادف لاسترجاع وتثمين المحروقات بحقل “زرازيتين”، ويشمل خصوصا تجديد وحدة الرفع بالغاز حفر اثني عشر (12) بئرا تطويرية جديدة، وتجديد ستة (06) آبار قديمة وربط آبار التطوير الجديدة وصيانة المنشآت القائمة، وكذا استعادة الغازات المحروقة والحد من انبعاثات الكربون.
ويقدر المبلغ الإجمالي للاستثمار المنصوص عليه في خطة التنمية بنحو 490 مليون دولار أمريكي والتي ستسمح باسترجاع ما يقارب 95 مليون برميل من النفط.
كما وقعت سوناطراك شهر جويلية الماضي، على عقد مع إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وأوكسيدنتال الأمريكية، لتطوير الحقل النفطي بركين شرقي حاسي مسعود، باستثمار قدره 4 مليارات دولار يسمح باسترجاع 1 مليار برميل مكافئ نفط، وجاء بموجب قانون المحروقات الجديد لسنة 2019.
مراجعة أسعار الغاز مع معظم الشركاء الأجانب
ولم تبق سوناطراك في وضع المتفرج إزاء تطورات سوق الغاز العالمية التي بلغت الأسعار فيها مستويات قياسية لم تبلغها من قبل على الإطلاق، جاءت كتبعات للحرب الروسية الأوكرانية، إذا باشرت الشركة الوطنية مفاوضات مع معظم شركائها لمراجعة أسعار عقود توريد الغاز الطبيعي والغاز المسال، وجعلها تتماشى وواقع السوق العالمية، ما سيحقق مداخيل إضافية للخزينة العمومية.
في هذا الإطار، كانت البداية مع عملاق الطاقة الايطالي “إيني”، بإعلان صدر في 11 أفريل الماضي خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء السابق، ماريو دراغي، إلى الجزائر، وتوقيع الطرفين على اتفاق لتزويد البلد الأوربي بكميات غاز إضافية تصل 9 مليارات متر مكعب.
وذكرت سوناطراك في بيان حينها أن الاتفاقية الموقعة مع إيني الايطالية تسمح بمراجعة أسعار الغاز وفق معطيات السوق لسنتي 2022 و2023، وفقا للبنود التعاقدية المتعلقة بمراجعة الأسعار”.
وخلال شهر جويلية الماضي، أعلن الرئيس المدير العام لسوناطراك، توفيق حكار أن مراجعة أسعار عقود توريد الغاز تشمل جميع الشركاء دون استثناء.
وفي نهاية سبتمبر الماضي، أعلنت سوناطراك مراجعة أسعار عقود الغاز مع شركة إينال الإيطالية وفرعها في السوق الاسباني “إينديسا”، وأوضح مسؤول سوناطراك حينها أن تعديل أسعار عقود الغاز أخذ بعين الاعتبار ظروف السوق الحالية، موضحا أن العقد الجديد ينص على إمداد الشركتين بكميات إضافية من الغاز في العام الجاري، والتفاوض بشأن أخرى في العامين القادمين.
وفي 6 أكتوبر وقعت سوناطراك وشريكها في السوق الاسبانية، ناتورجي، عقدا لمراجعة أسعار عقود توريد الغاز الطبيعي، يمتد حتى سنة 2031، بعد مفاوضات استمرت 10 أشهر، بحسب الرئيس المدير العام للشركة.
ووصف الرئيس التنفيذي لـ “ناتورجي” الاسبانية، فرانسيسكو رايناس العقد الجديد بأنه “خبر سار لناتورجي ولإسبانيا بعد أشهر من المفاوضات”.
وبلغت العقود التي راجعتها سوناطراك حتى شهر أكتوبر الماضي، 7 من أصل 11 شريكا ترتبط معه بعقود لتوريد الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال.
انتصار على مساعي أوروبا لتسقيف أسعار الغاز
وفي الوقت الذي كانت فيه قيادات دول أوربية تتفاوض وتسعى بشكل حثيث للوصول إلى اتفاق يقضي بتسقيف أسعار الغاز المستورد على الأقل عبر الأنابيب، كانت الشركة الوطنية في مفاوضات متقدمة لإنهاء تفاصيل عقود مراجعة أسعار الغاز ورفعها للشركاء الأوربيين.
وفي عز النقاش الأوربي بشأن هذا التسقيف، صرح الرئيس المدير العام لسوناطراك توفيق حكار، في 6 أكتوبر الماضي،، أن الفيصل بين الطرفين هو السوق، لأن هذا الإجراء لا يمت بصلة لآليات السوق الحرة، التي تعتبر أوربا من بين أكثر الدول التي تتبنى مبادئها، وشدد على التسقيف كفكرة لا يخدم السوق ولا يخدم مصلحة المستهلكين ولا المنتجين على المدى المتوسط والبعيد.
وبمرور الأسابيع واستمرار النقاش الأوربي من جهة حول التسقيف من جهة، قابلة توقيع سوناطراك على العقد تلو الآخر لمراجعة الأسعار من جهة أخرى،، تبين أن الشركة الوطنية والجزائر بشكل عام، قد فرضت منطقها على الطرف الأوربي فيما يتعلق بأسعار الغاز.
ارتفاع أسعار المحروقات يجلب مداخيل قياسية بنهاية العام
وكان لارتفاع أسعار المحروقات في السوق الدولية، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، أثر مباشر على عائدات البلاد من صادرات الطاقة، التي يتوقع أن تسجل مستويات قياسية لم تحققها منذ سنوات.
وبحسب الرئيس المدير العام لسوناطراك، من المنتظر أن تفوق عائدات تصدير النفط والغاز والمشتقات النفطية وغيرها 50 مليار دولار بنهاية العام الجاري، بعد أن كانت 35.5 مليارات في 2021، ما سيساهم بالقسط الأكبر في تحقيق فائض في الميزان التجاري بنهاية ديسمبر المقبل.
كما ارتفعت أرباح الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك من نشاط بيع الغاز الطبيعي في السوق الداخلية الاسبانية، التي ستبلغ نحو 50 مليون يورو، بالنظر لكونها تحوز على 4.1 بالمائة من أسهم ناتورجي الإسبانية.
الطاقات المتجددة..
الطاقات المتجددة.. رهان آخر في الجزائر الجديدة
ولم يتخلف قطاع الطاقات المتجددة عن الركب وسجل محطات هامة في العام 2022، حيث من المنتظر أن يتم الإفراج عن نتائج مناقصة مشروع “سولار” قبل نهاية السنة، لإنتاج 1000 ميغاواط من الكهرباء عبر محطات شمسية بعدة ولايات جنوبي البلاد.
ويعتبر مشروع سولار 1000 أول محطة ضمن برنامج الجزائر لبلوغ إنتاج 15 ألف ميغاواط من الكهرباء انطلاقا من مصادر نظيفة بحلول العام 2035.
وسيسهم هذا القطاع حسب ما أكده وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، خلال المنتدى الجزائري الأوربي للطاقة شهر أكتوبر الماضي، بنحو 50 بالمائة من إنتاج الجزائر من الطاقة الكهربائية بحلول 2035.
كما عبرت شركات دولية عديدة عن رغبتها في الاستثمار بقطاع الطاقات المتجددة وخصوص المحطات الشمسية الكهروضوئية وإنتاج الهيدروجين الأخضر، على غرار “إيني” الإيطالية.
في هذا السياق أطلقت سوناطراك قبل أسابيع مشروع انجاز محطة شمسية كهروضوئية بطاقة 10 ميغاواط، بالشراكة مع “إيني” الايطالية بالحقل النفطي بئر ربعة شمال المتواجد شرقي حاسي مسعود، بهدف توفير الغاز الذي كان يستعمل لإنتاج الكهرباء الموجه لمنشآت سوناطراك، تضاف إلى محطة أخرى بنفس الحقل جرى تدشينها سنة 2018.
وأوضح الرئيس المدير العام لسوناطراك توفيق حكار، على هامش إطلاق الأشغال، أن الشركة تستهدف توفير 500 مليون متر مكعب سنويا من الغاز الذي يستخدم لإنتاج الكهرباء الموجه لمختلف منشآتها، من خلال إنجاز محطات شمسية كهروضوئية، وبالتالي، الإسهام في التقليل من البصمة الكربونية.