-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الخبير في القانون الدولي سعيد مقدم لـ"الشروق":

3 أسباب رئيسية وراء لائحة البرلمان الأوروبي حول الجزائر

طاهر فطاني
  • 9631
  • 0
3 أسباب رئيسية وراء لائحة البرلمان الأوروبي حول الجزائر
أرشيف
الخبير في القانون الدولي، سعيد مقدم

يقدم سعيد مقدم، الخبير في القانون الدولي، في حوار مع “الشروق”، قراءته القانونية والسياسية لخلفيات إصدار البرلمان الأوروبي للائحة جديدة حول حرية التعبير في الجزائر، ويربط توقيتها بوقائع جارية منها الإعلان عن زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا، وكذا فضيحة الفساد بهذه المؤسسة، فضلا عن نقطة هامة تخص انضمام الجزائر إلى تحالف بريكس المنافس لتكتلات غربية كالاتحاد الأوروبي.

بصفتكم مختصا في القانون الدولي، كيف قرأتم إصدار البرلمان الأوروبي لائحة حول حرية الصحافة في الجزائر؟
أود أن أجدد موقفنا الرافض لأي تدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة تحت أي ذريعة كانت، ولاسيما القانون الدولي الإنساني والمساس بالمرجعيات الثقافية والعقائدية ومقومات الأمم، وكذا التأكيد أيضا على أن النموذج الأوروبي ليس النموذج الأمثل لمرجعياتنا.
وللتذكير، فان هذه اللائحة الصادرة عن المؤسسة البرلمانية الاتحادية في ستراسبورغ الفرنسية، ليست الأولى من نوعها بشأن وضع الحريات وحقوق الإنسان بالجزائر، بل سبق لها مع سبق الإصرار والترصد، أن أصدرت بهذا الصدد لائحتين مشؤومتين الأولى بتاريخ 30/04/2015 والثانية بتاريخ 28/11/2019 ضد الجزائر الدولة المستقلة ذات السيادة، العضو الكامل في المنتظم الدولي، وذلك بهدف تغذية روح الضغينة والحقد الدفين لممثلي قوى الشر العاملة وفق أجندات مكشوفة رهينة ماضي عتيق كولونيالي ذهب ولن يعود.

البرلمان الأوروبي لم يكتف باستعمال ورقة حرية الصحافة، بل طلب مراجعة وتعديل قانون العقوبات، ما هو تفسيرك لذلك؟
لقد غدت هذه المؤسسة الاتحادية الأوروبية، وكرا للفساد وتعاطي الرشاوى واعتماد المساومة والابتزاز واحتكار وظيفة الحكم، والمراقب الدولي في مجال تطبيق وتأويل المنظومة القانونية الدولية.
فقد كان جديراً بها، في مجال الدفاع عن حرية التعبير والحريات التركيز على إزالة الغبار على الجرائم المقترفة في نطاقها الجغرافي وفي الدول التي تزخر تحت نير الاستعمار، فقضية الصحفية شيرين أبو عاقلة مثلا والتي مضى على اغتيالها سنة كاملة، لا تزال في أدرج النسيان واللامبالاة، لا لشيء سوى لأنها فلسطينية عربية، منتهجة بذلك ازدواجية المعايير.

هل تقصد أن لائحة البرلمان الأوربي وراءها خلفيات معينة، نظرا للسياق الجيوسياسية الوطني والدولي؟
تتزامن هذه الخرجة البرلمانية مع جملة من الوقائع منها:
إحياء الجزائر لليوم الوطني للذاكرة، المصادف لذكرى المجازر الشنعاء المقترفة من قبل العدو الفرنسي الغاشم ومن معه عام 1945، وكذا تنشيط اللجنة المشتركة لدراسة الذاكرة الجزائرية الفرنسية والخروج بمقترحات واقعية، بالإضافة إلى زيارة الدولة المرتقبة للسيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى فرنسا في جوان المقبل.
أما بالنسبة للأهداف، فمهندسو اللائحة يريدون التخلص من تبعات فضيحة ماروك غايت، ومحاولة عرقلة وإجهاض الفرص الاقتصادية، المالية والتكنولوجية الواعدة التي يوفرها الانضمام المرتقب للجزائر لمجموعة بريكس، كالدخول في علاقات مباشرة مع القوى الصاعدة الكبرى، ممّا يعزز مكانتها على جميع الأصعدة دوليا، قاريا وفي محيطها المتوسطي والجهوي.
كما تعمل هذه المؤسسة الاتحادية الأوروبية لأهداف عقائدية وحسابات ضيقة واستحقاقات مستقبلية، يطغى عليها تأثير اليمين المتطرف في أوروبا، والمعروف بمعاداته لاستقلال الجزائر ومواقفها المبدئية الراسخة التي لا تقبل الإملاءات وإسداء الدروس في مجال حكامة التسيير، فالشعب الجزائري هو سيد مصيره.
ويدرك الاتحاد الأوروبي جيدا حجم الجزائر وإمكانية تأثيرها جهويا وقاريا على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تجارياً مالياً وثقافياً في حال انفصالها عن الفضاء الأوروبي، وانضمامها المرتقب لتكتل البريكس في هذا العام، بحيث سيفقدها لا محالة سوقاً هامة، لاسيما في ظل فشل اتفاقية الشراكة المبرمة مع هذا التكتل الأوروبي منذ دخولها حيز التنفيذ عام 2005، كما باءت فرص نسج علاقات شراكة بينية متوازنة بالفشل الذريع.

هل نفهم من كلامك أن انضمام الجزائر إلى تكتل اقتصادي خارج التكتلات المعروفة يزعج بعض الدوائر في أوروبا؟
البريكس هو من المنظمات التي ترافع لصالح التعددية القطبية الاقتصادية والسياسية، أي على نحت وصقل نظام عالمي جديد ينبذ التركة الموروثة عن الحرب العالمية الثانية، وهو ما أكدته الحرب الروسية الأوكرانية الجارية.
فانضمام الجزائر إلى تكتل بريكس المتكون حاليا من 5 دول كبرى ومن المنتظر أن تنظم 13 دولة أخرى إليه، سيجعلها ضمن مجموعة تمثل 26 % من مساحة الكرة الأرضية وتستحوذ على 40 % من انتاج الطاقة العالمي، وتمثل 45 % من سكان العالم (3 مليارات نسمة)، و25 % من الثروة العالمية و20 % من صادرات البضائع العالمية (4.6 ترليون دولار)، و11 % من الإنفاق العسكري العالمي.
وتعد دول البريكس من أكبر عشر قوى اقتصادية في العالم (منذ عام 2015)، الصين الثانية، والهند السابعة، والبرازيل التاسعة، كما تمتلك دول بريكس بنكا للتنمية خاص بها، وهو “بنك التنمية الجديد” (100 مليار دولار أمريكي) يقع مقره الرئيسي في شنغهاي، كما يهدف هذا التكتل إلى تأكيد مكانته الرفيعة في الساحة الدولية، سياسيا واقتصاديا، ومزاحمة دول وتكتلات أخرى كأمريكا والاتحاد الأوروبي، طارحاً نفسه كقوة جديدة ومرافعًا قوياً لإصلاح منظمة الأمم المتحدة وفروعها كمجلس الأمن، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
إن نية وحرص الجزائر ورغبتها في الاندماج لمجموعة اقتصادية وجيوسياسية عالمية خارج التحالفات الإقليمية والقارية، تعد الأولى من نوعها منذ الاستقلال، كاستجابة استراتيجية معقولة للتعامل مع التحولات العالمية الاقتصادية والجيوسياسية المرتقبة والتكيف مع مستجداتها.

وقد أدركت الجزائر بعد مضي 60 سنة من استقلالها، تأثيرها الجيوسياسي على المستوى العالمي، وبأنها قادرة على أن تكون عضواً فعالاً في التغيرات الجارية في علاقات القوى الدولية، وأن أنجع الوسائل للوصول إلى ذلك تكمن في خلق تحالف جديد، ولذلك فهي تعمل جاهدة منذ اجتماع قمة الصين عام 2022 على قبول انضمامها في هذه المجموعة، كونها تتوفر على كافة شروط الانضمام، وهي منفتحة تجارياً على دول أخرى، وذلك لضمان الحصول على استثمارات مفيدة، لاسيما في مجال البنية التحتية، النقل والتجهيز في مجال البترول والغاز واكتساب التكنولوجيات الجديدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!