335!
الرقم المنشور أعلاه، هو عدد الجزائريين الذين انتحروا خلال العام الماضي فقط، دون حساب أزيد من 1800 جزائري آخر حاولوا قتل أنفسهم ولم ينجحوا.. ولا نعرف هنا حقا: هل يجوز استعمال وصفي النجاح والفشل للتعبير والحديث عن أشخاص أرادوا وضع حدّ لحياتهم قسرا؟ فقد يكون الناجح في الموت هنا فاشلا ”دنيا وآخرة” تماما مثلما يكون الفاشل في تحقيق رغبته، ناجحا في الحصول على فرصة ثانية للحياة؟!
المقام هنا ليس سامحا لمزيد من الفلسفة الفارغة والتنظير المتعالي، أو البحث عن أسباب رسمية للظاهرة، فالأرقام المنشورة أعلاه، كافية ووافية وصادمة، علما أنها جاءت في تقارير طبية بحتة، حذّر المختصون فيها من كون الفئة المقبلة على الموت الاختياري، يتراوح عمرها ما بين 30 و40 سنة، وغالبيتهم من الذكور الذين أحبطتهم ظروف الحياة في العثور على عمل، أو سكن، أو بناء مستقبل وتكوين أسرة، فضلا عن أن الولايات التي تتنافس على الانتحار، تتمركز معظمها في منطقة واحدة من الوطن، وهي بلاد القبائل، حيث تأتي تيزي وزو في المقدمة (331 انتحار منذ جانفي 97 وحتى نهاية ماي من العام الماضي)، وتليها بجاية والبويرة ثم تأتي تلمسان ووهران.
قبل فترة، كنّا نعتقد أن الكلام عن مثل هذه الظواهر، كالانتحار وحوادث المرور بات مجانيا لا يحرّك فقط الأحاسيس البليدة والمشاعر المجمدة، حتى لا نقول أنه يحرك المسؤولين من مواقعهم ويطيح بالبعض منهم، ربما لأننا ندرك واقعية الشعار الذي يقول “الهدرة باطل”. لكن أن يتحول الموت المتعمّد إلى مجاني أيضا، وكأنه عابر سبيل وتنقلب الصحافة الوطنية لثلاجات الموتى، تتسابق لإحصاء قتلى الطرقات والانتحارات وغيرها من الجرائم، فهو ما لا يمكن العثور له على وصف مناسب سوى العبث المنظم!
كان لزاما على الحكومة أن تهتم بارتفاع أعداد المنتحرين ربع اهتمامها فقط وتبجّحها برفع الأجور في التقرير الذي نشره ديوان الإحصاءات بالأمس، ويكشف فيه تقدم الأجور الصافية بـ7.4 بالمائة خلال عام 2010. إذا كانت الأوضاع كذلك، والجزائريون سعداء جدا برفع أجورهم، فلماذا ينتحرون؟ ولماذا لا تخجل الحكومة من تخصيص قفة رمضان مجددا للفقراء؟، ألم يقل وزير الشؤون الدينية، أنه لا وجود للفقراء في الجزائر أصلا؟!
قد يقول البعض أن الـ335 منتحر العام الماضي، والـ1865 الذين حاولوا وفشلوا لا يمثلون سوى الفتات من الجزائريين، ولكن أليس لهؤلاء عائلات؟ ألم تثبت مختلف تقارير الأمن والمصالح المختصة أن معظم المنتحرين أرباب عائلات؟
لا بل إن بعض المواطنين اختاروا الموت الجماعي وانتحروا رفقة زوجاتهم وأولادهم، وأمام مقرات البلديات والولايات، دون أن يحرك هذا الأمر شعرة واحدة في رأس مسؤول، حتى لا نستعمل وصف استيقاظ الضمير، لأننا اكتشفنا أن معظم هؤلاء بلا ضمائر ولا أفئدة، أمّا من ينتحرون فهم لم يفعلوا ذلك إلا بسبب وجع مفتوح وقهر مستمر، وبحثا عن الحياة الكريمة.