عين الحمّام.. هنا تنتهي رحلة آخر الثوريين
لا حديث في تيزي وزو عموما، وعين الحمام على وجه الخصوص، منذ مساء أول أمس، إلا عن رحيل الأسطورة التاريخية، وآخر صناع ثورة وتاريخ الجزائر الحديث “الحسين آيت أحمد”، الذي شاءت الأقدار أن تأخذه ليلة المولد النبوي الشريف، حيث تحولت قرية آث أحمد بآيت يحي موسى، وكذا مقرات القسمات البلدية، والمكتب الولائي للأفافاس، إلى مزار لمئات المواطنين من محبي هذه القامة التاريخية.
الكثير ممن التقيناهم أبدوا حزنهم الشديد على رحيل آخر الشخصيات التاريخية والقادة الوطنيين، دون أن يزور وطنه، قائلين: “كنا ننتظر زيارته إلى المنطقة، عين الحمام كانت تتوق لاستقباله على قدميه ولو مرة واحدة منذ رحيله الطويل، لكن الأقدار شاءت أن نستقبله في نعشه، رغم منفاه الاختياري، فضل أرض أجداده لتحتضنه بعد موته، وصيته بأن يدفن في مسقط رأسه، رغم تواجد جثمان أخويه في المغرب، أثر فينا كثيرا، فلا التنكر له ولا تهميشه من قبل النظام غير حبه للوطن ومس وطنيته”.
عين الحمام وتحديدا آيت يحيى التي ينحدر منها الزعيم “أحمد يحيى” ارتدت منذ تأكيد خبر وفاته، مساء أول أمس، بمنزله في جنيف، ثوب الحزن، وفتحت عائلته في قرية أث أحمد بيتا للعزاء، حيث لا يمكن للمعزين الوصول إليه بسهولة، نظرا لمئات السيارات المصطفة على حواف الطريق، وكان المدعو “بوسعد أيت أحمد” ابن عم الراحل في استقبال المتوافدين وتلقي التعازي.
الحزن ذاته ألقى بظلاله على فيدرالية الحزب في الولاية، وكذا القسمات البلدية، التي فتحت هي الأخرى عزاء لنعي هذا الرجل الذي احتفظ بمكانته وسط السكان.
رحيل آيت أحمد يبكي الرجال
أحد رفقاء دربه حدثنا قائلا: “آيت أحمد كان دائما ثوريا ملتزما وقائدا متواضعا بأفكار ومواقف عظيمة، يحتفظ له التاريخ بها، فخلال تمرد 1963 أمرنا بألا ننصب كمائن وألا نطلق رصاصة على عسكري أو دركي، نحن لسنا في حرب، قضيتنا قضية سياسية ولن نحلها بإراقة الدماء”.
الحس الوطني والنخوة ولدت مع هذا الرجل، وسارت في دمه منذ الصغر، حيث حدثنا أحد أقاربه بأن بعض التفاصيل قد تكون مغيبة على الكثير، هذا الرجل الوطني الثائر، جره المستعمر لسجونه حين كان تلميذا في الابتدائي، حيث رفض بدافع الوطنية ومقت الاستعمار، أن يلقي التحية على مديره في المدرسة، فقاده هذا الأخير لقضاء ليلة في الزنزانة، بسبب أفكاره المتحررة والمنادية لغد أفضل”.
أفكار تبلورت لدى هذا الرجل الأسطورة، وحولها إلى حقيقة عاش بها ولأجلها إلى آخر نفس في حياته، مواقفه الثابتة، تمسكه بالمعارضة ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، يحتفظ له بها التاريخ والشعب معا، يبقى عرابا للديمقراطية والحرية، أكبر معارض انحنى النظام أمامه لصموده وثبات مواقفه.
ورغم الحزن والألم الذي خلفه رحيل هذا القائد الفذ، تتحضر الولاية لتكون في مستوى استقبال ابنها، وإن كان في نعشه، حيث تقرر على مستوى الفيديرالية الولائية للحزب بتيزي وزو، بأن يستقبل جثمانه على وقع المدائح الدينية التي تؤديها فرق مختصة بذلك.