متى عجز الأمازيغ عن تعلّم اللغة العربية؟
معالي الوزيرة: نحترمك ونقدرك كإطار في الدولة الجزائرية، ولكن احترامنا وتقديرنا لمستقبل الوطن وأبنائه أكبر، واحترامنا وتقديرنا للوحدة الوطنية أعظم، واحترامنا وتقديرنا للغة العربية العزيزة علينا التي اختارها المولى جل وعلا على سائر اللغات أوسع..!
لقد اجتهدتِ، أو حاولتِ الاجتهاد، وهذا من حقك، ولكن يبدو أنه قر في ذهنك أن كل اجتهاد مصيب، وهذه هي آفة بعض المثقفين.
سيدتي: قذفتِ الرأي العام برأيك الذي يوصف بـ”الجريء”، ولكن حسبما يبدو لنا فهو جديرٌ أن يوصف بالمتهور؛ لأنه لم يُبنَ على دراسة متأنية معمقة، خاصة في مثل هذه الأمور التي تقرّر مستقبل الأجيال، ومصير الوطن.
أنت ترين ضرورة إدراج العامية في المرحلة الأولى من الدراسة، من أجل تيسير اندماج الطفل في اللغة الجديدة (العربية)…! اسمحي لي، سيدتي، أن أقول لك: العكس هو الصحيح تماما؛ وذلك اعتمادا على تجربتنا الطويلة في ميدان التربية والتعليم، وبناء على الحقيقة الذهبية القائلة بأن تعلّم اللغة لا يتم إلا بالانغماس فيها، ولا أظن أنك تجهلين، سيدتي، أن الطلبة الأجانب ببريطانيا يُوَجَّهون في عطلهم إلى الريف الإنجليزي، حيث لا يسمعون إلا الإنجليزية. وبذلك يتعلّمونها بسرعة فائقة، أم إن هؤلاء قد ضلوا السبيل، ويجب علينا أن نتفضل عليهم ونرشدهم ونزوّدهم بما اكتشفناه نحن من نظريات أخيرا؟ لله ما أتعسنا إذا كنا نعتقد ذلك حقا!
لنعد إلى واقعنا.. قولي لي بالله عليك: متى عجز الأمازيغ عن تعلم اللغة العربية بسبب جهلهم للعامية..؟! ألا تذكرين من القدماء ابن معطي وألفيته التي اتخذها العرب وسيلة لتعلم لغتهم؟ ألا تذكرين من المحدّثين المرحوم مولود قاسم الذي يجيد عدة لغات وغيره كثير؟ ألا تذكرين عباقرة اللغة الآخرين، وهم لم يعرفوا العامية لا في أسرهم ولا في مدارسهم؟! اسمحي لي أن أهمس في أذنك أنني أنا الأمازيغي القح، كانت مواضيعي في الإنشاء تُعرض على زملائي في معهد ابن باديس ليتخذوها مثالا يقتدى به، وأنا كنت في القرية ختمت القرآن وأعدت 18 حزبا، ولا أعرف ولو كلمة واحدة بالدارجة.. بل إن الشيخ النعيمي ـ رحمه الله ـ الذي قال فيه الشهيد أحمد رضا حوحو في جريدة “البصائر” في سلسلة “شيوخ المعهد في الميزان”: “أما الشيخ النعيمي فلا ندري هل هو عالمٌ تغلب عليه الأدب، أم هو أديب تغلب عليه العلم؟ كان رحمه الله يبث روح التنافس بيننا بتوجيه كلامه إلى إخواننا المتحدثين بالدارجة في عائلاتهم قائلا: لِمَ زملاؤُكم القبائل يتفوّقون عليكم في اللغة مع أنكم تملكون العامية وهم لا يملكونها..؟” كما أن الشيخ محمد الميلي ـ شافاه الله ـ كان يوزع مواضيع الإنشاء على أصحابها بعد التصحيح، ويحتفظ بموضوعي ليحلله ويقرأه على زملائي، لافتا انتباههم إلى كيفية النسج على منواله.. وعندما جاء وفدُ جامع الزيتونة لامتحان تلاميذ المعهد في شهادة الأهلية، قدّم له الشيخ السعيد الزموشي والشيخ مصطفى بوغابة موضوعي نموذجا لمستوى تلاميذ السنة الثانية بمعهد ابن باديس..
ولست وحيدا في هدا المضمار.. سَمّي هذا ما شئت؛ افتخارا أو غرورا أو تبجحا، لا يهم، ولكن الذي يهمّ أنه الواقع الملموس، وأن جهلنا للعامية لم يكن أبدا عائقا بيننا وبين التفوّق في اللغة العربية العزيزة المظلومة من بعض أبنائها.. بل كان جهلنا للعامية ساعدنا كثيرا على الانطلاق مباشرة بالفصحى. وهذا بشهادة أساتذتنا.. ونتيجة لذلك تشجّعت على خوض غمار ترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية وأنا الأمازيغي القح.. وأين المشكل سيدتي بالله عليك؟ إنكم تبحثون عن حل لمشكل لا وجود له، في سوى أذهان أناس ليسوا فوق مستوى الشبهات..!
ثم إذا وجدتم حلا لبعض مشكل مزعوم، فكيف تفعلون بالأطفال الذين لا تستعمل أسرهم العامية في المنزل؟ أم إن هؤلاء خارج دائرة اهتمامكم، أم هم مواطنون من الدرجة الثانية؟ ثم أي عامية تفرضونها على الطفل؟ والعاميات عندنا متنوعة، وحين يتعلم الطفل اللغات الأجنبية هل تأتون له بعامية تلك اللغات؟ أخبرينا سيدتي الفاضلة: أي عامية كان يستعملها الفرنسيون الذين كانوا يجرّعوننا لغتهم تجريعاً، حتى إن كثيرا منا يقدّسها اليوم تقديسا، أعظم من تقديس لغة وطنه ودينه، وأنتم تعرفونهم حق المعرفة! ولا ندري هل جهلتم كل هذه الحقائق الساطعة أو نسيتموها؟. لا أعتقد ذلك , بل تجاهلتموها أوتناسيتموها.. وهكذا تُفتعل المشاكل، وهكذا تُعرض بصورة مقلوبة.. أليست هذه نظرة من بصرٍ أعشى، وفكرة من منطق معكوس..؟! اتقوا الله أيها الناس، أوّلا في أنفسكم؛ فإن هذا لا يشرفكم، واتقوا الله ثانيا في الوطن؛ فإن تطبيق نظرتكم هذه ـ لا قدر الله ـ يشتّت الأمة تشتيتا، ويدمرها تدميرا. واعلموا أنه ليس من أجل هذا ترك الشهداءُ الأمانة بين أيديكم.