3 آلاف مليار خسارة سنويا بسبب “أحفر واهرب”
تحولت عمليات الاعتداء على الأرصفة والطرقات من خلال أعمال حفر عشوائية دون تنسيق بين المؤسسات المعنية “سونلغاز، سيال، أسروت، بريد الجزائر..” إلى ظاهرة شملت جميع الولايات، حيث يصادف المواطنون يوميا بحفر جديدة وأشغال لا تنتهي، ما يجعل الطرقات في عمليات تعبيد تتجدد كل فصل، في حين لا تدوم فرحة المواطنين طويلا بتهيئة الأرصفة التي لا يمر عليها شهر إلا وتطالها أعمال حفر جديدة، في ظل غياب مخطط عمراني، ما جعل الجزائر تتحول إلى بلد الحفر والورشات التي لا تنتهي، وهي الفضيحة التي عاشتها عاصمة الثقافة العربية قسنطينة التي كشفت بريكولاج المسؤولين..
وسط تبادل الاتهامات بين وزارة الأشغال العمومية.. الأميار والمؤسسات
الاعتداء على الطرقات والأرصفة.. إهدار علني للمال العام
كشف تقرير لوزارة الأشغال العمومية أن الجزائر تخسر سنويا أكثر من 3000 مليار سنتيم في ورشاد تهيئة الطرقات الوطنية والولائية، حيث خصصت ولاية الجزائر وحدها سنة 2014 أزيد من 188 مليار في عمليات صيانة الطرقات وتجديد الأرصفة جراء عمليات الحفر العشوائية وصفها الوالي عبد القادر زوخ في إحدى خرجاته الميدانية بالإهدار العلني للمال العام ما دفعه إلى اتخاذ قرر اعتماد نوع واحد من “الحجارة” لتهيئة الأرصفة والتي يسهل اقتلاعها وإعادة تهيئتها دون إتلافها في حال تعرضها لعمليات حفر.
وإذا علمنا أت تكلفة 1 كم من الطريق المعبد بالزفت تقدر بمليار سنتيم، و1 كم من الأرصفة يكلف 500 مليون سنتيم، فإن عمليات الحفر العشوائي والغير مدروس التي تطال سنويا عدد كبير من الطرقات والأرصفة تكلف خزينة الدولة ميزانية فلكية، حيث يتم تجديد هذه الأرصفة والطرقات في المدن الكبرى في حيت نعاني المناطق النائية والمدن الفرعية من بقاء هذه الطرقات والأرصفة على شكل ورشات مفعتوحة لسنوات طويلة، وهذا ما يؤكده رئيس الفدرالية الوطنية لمقاولي الأئغال العمومية السيد عمراني محمد الذي كشف أن غياب مخطط عمراني وانعدام التنسيق بين المؤسسات المعنية بأشغال الحفر حول العديد من المدن الى ورشات مفتوحة، مؤكدا أن العديد من المؤسسات لا تتقيد بدفتر الشروط وتمارس عملية الحفر العشوائي الذي يؤدي عادة الى التسبب علي اهتراء الطرق والأرصفة، مؤكدا ان الجزائر تخسر أزيد من 3000 مليار سنويا في عمليات الصيانة جراء الأشغال العشوائية.
أكدوا أن هذه المؤسسات تتهرب من مسؤوليتها بعد إتمام الأشغال
أميار يطلقون النار على سونلغاز وسيال ..
فتح بعض الأميار في العاصمة النار على المؤسسات المكلفة بأعمال الحفر وعلى رأسها سونلغاز وسيال، بسبب تنصل هذه الأخيرة من مسؤوليتها في تهيئة الطرقات والأرصفة بعد إتمام الأشغال، وفي هذا الإطار أكد رئيس بلدية دواودة بولاية تيبازة مصطفى دوادي للشروق، أن المسؤولية في ردم الحفر الناتجة عن أشغال حفر، تتحملها المؤسسة المباشرة للحفر، ويوضح “تطلب منا المؤسسة رخصة حفر لإصلاح عطب أو تسرب على تراب البلدية، فنمنحها الرخصة شرط إعادة الطريق إلى حالتها الأصلية بعد الانتهاء من الأشغال” والسبب في عدم ردم الحفر، يقول محدثنا “عندما تكون الحفر صغيرة تمتنع المؤسسة عن ردمها، منتظرة تكوّن عدة حفر، بسبب طرح مشكل آخر.. فعند شراء مادة الزفت لإصلاح الطريق، لابد من شراء كمية لا تقل عن طن، لأنه لا يباع بأقل من هذه الكمية، وطن كمية كبيرة جدا، فتبقى الحفر على حالها لعدة أشهر..”.
ومن جهته، كشف رئيس بلدية باش جراح بوزيد صحراوي للشروق، أن بلديته تتابع أيّ مشروع حفر منذ انطلاقه حتى ردم الحفرة رغم تجاوزات بعض المؤسسات، وحسبه المؤسسات العمومية سواء كانت سيال أو سونلغاز أو اتصالات الجزائر، عندما تريد بدء أشغال بطريق رئيسي لابد لها من رخصة حفر تأخذها من الوالي، ثم تعطي البلدية التي سيتم الحفر على ترابها الموافقة وتتابع التنفيذ، ويقول “نؤكد على الشركة أن تغطي الحفر وتصلح الطريق بعد الانتهاء من أشغالها، وفي حال امتنعت عن ذلك نشكوها للوالي، وبإمكان الأخير اتخاذ إجراءات معنية ضد الشركة أو المقاول الذي تكفل بالأشغال”، وأكد المتحدث أن رخصة الموافقة على أشغال الحفر تضم بندا يقضي بإعادة وضعية الطريق أو المكان بعد انتهاء من الأشغال إلى سابق عهده.
إيشيرة مليكة مهندسة بسونلغاز:
“مهمتنا القيام بأشغال الكهرباء والغاز وتصليح الطرق من صلاحيات البلدية”
أفادت السيدة إيشيرة مليكة مهندسة مكلفة بالمشاريع بالشركة الوطنية للكهرباء والغاز في اتصال مع الشروق أن مصالح “سونلغاز” المكلفة بأشغال الصيانة وتركيب عدادات الكهرباء والغاز ووضع أعمدة الكهرباء والإنارة العمومية وغيرها من المهام التي توكلها لهم مصالح البلدية في إطار تخصصهم، وفيما يتعلق بتصليح الطرقات وإعادتها لحالتها الأصلية فتندرج ضمن المهمات المكلفة بها مصالح الأشغال العمومية التابعة للبلدية وليست المؤسسة.
بسبب عمليات الحفر العشوائية
ورشات مفتوحة في العاصمة لأزيد من سنتين
بدأنا جولتنا الاستطلاعية من بلدية المقريّة.. فبمحاذاة منعرج مزدوج الحركة، تواجهك حفرة كبيرة وعميقة تمّ إحاطتها بخيوط بلاستيكة، أخبرنا السّكان أنها مفتوحة منذ عامين بعد مباشرة شركة عمومية إصلاح قنوات الصرف الصحي، وتركها العمال على حالها وغادروا، والخطير في الحفرة أنها تتواجد على رصيف للراجلين وخطر سقوط أطفال أو كبار السن داخلها وارد جدا… عرّجنا بعدها على حي الحياة ببلدية جسر قسنطينة، ففي مفترق طرق توجد أشهر حفرة بالحيّ، تتسبب يوميا في ازدحام مروري خانق مساء، أخبرنا أصحاب مطاعم مجاورين بوجودها منذ أكثر من سنة، بقيت دون غلق بعد إصلاح أنبوب الماء الشروب، وللتقليل من خطورتها قام السكان برمي بعض الحجارة داخلها. وببلدية القبة، وبالتحديد بحي “لوتيسمان ميشال” بطريق فرعي محاذ لمركز البريد لا تزال حفرة طويلة وعميقة تعيق سير المركبات منذ قرابة السنة، ظهرت بعد أشغال حفر. وبالبلدية نفسها “الطرق الأربعة”، وبمحاذاة مشروع سكني ترقوي، باشرت شركة عمومية أشغال تصليح قنوات الصرف الصحي منذ أشهر، وتركت شقوقا طويلة على طول الطريق المزدوج المؤدي إلى بلديتي القبة وجسر قسنطينة… والغريب في أشغال الحفر أن الشركة حتى وإن غطّت الحفر، فهي لا تكلف نفسها عناء إبعاد ما خلفته من أسمنت وآجر وقطع حديدية من المكان، فمثلا سبق لسكان حي 720 مسكن بعين النعجة أن اشتكوا من ترك العمال بعد إصلاحهم قناة صرف صحي، حجارة وقطع حديد خطيرة مرماة أمام بوابة مدرسة ابتدائية ولم تُرفع المُخلفات إلاّ بعد تدخل مسؤولي البلدية.
مؤسسات تعبث بالطرقات.. وترفع شعار “احفر واهرب”
وهران الباهية.. تتحول إلى مدينة الألف حفرة وحفرة؟!
أبرز ما يتفق عليه وبالإجماع المواطنون العاديون في وهران، إلى جانب المختصين في مجال هندسة الطرق والعارفين بتقنيات ومعايير البنيات التحتية للمدن مثل المناطق شبه الحضرية والريفية، وأيضا المسؤولين والمنتخبين المحليين، أن جل طرقات وهران قد حظيت برقم قياسي في عدد مشاريع التعبيد وإعادة التزفيت التي استفادت منها، لا سيما على مدار العشريتين الأخيرتين، إلى درجة أن سكان أي منطقة لم يعد في وسعهم حفظ وتذكر عدد المرات التي خضعت فيها شوارع حيهم لعمليات تهيئة، والتي غالبا ما كانت تقتصر على لمسات ترقيع وذر حصيات مسفلتة هنا وهناك، ثم دكها بالآليات، قبل أن تكشف الأمطار زيف البريكولاج، ويبقى المتهم الأول والأبرز في تكرر هذه السيناريوهات، مختلف المؤسسات العمومية التي تتطلب تدخلاتها التقنية في نشاطها الميداني مباشرة عمليات حفر في المواقع التي تجري فيها عمليات تركيب أو صيانة لشبكاتها.
“سيور”… الشركة الأكثر تأثرا بعبارة “احفر واهرب”
لعل أكثر تلك المؤسسات المشتكى من إضرارها بحال الطرقات، نذكر شركة مياه الشرب والتطهير ـ سيور ـ، لا سيما بعد الذي صدر عنها من إهمال كان قد أعقب أشغال تجسيدها لبرنامج تأهيل شبكة مياه الشرب، الذي استهدف في وسط مدينة وهران لوحده نحو 70 كيلومترا خطيا من طول الشبكة في سنة 2013، ليتقرر ضدها تجميد المشروع من طرف الوالي، بسبب إضرارها بطرقات حي سان بيار وشارع بن ثابت بشكل كبير، تماما كما فعلته بقرية الحامول التابعة لبلدية الكرمة، عندما اختفت بعتادها وأعوانها عن المواقع التي باشرت فيها أشغالها، تاركة طرقات المنطقة في حالة يرثى لها.
ونفس السلوك كان يتكرر مع سونلغاز التي بمجرد إتمامها المشاريع المتعلقة بربط أحياء سكنية بغاز المدينة، تتخلى عن مسؤوليتها في إصلاح ما أفسدته تدخلاتها، وهو ما حدث في عديد المواقع بمنطقة ميلينيوم، التجزئة 407، وحيي خميستي والنخلة. وكلها تقع في بلدية بئر الجير. والأمر لا تشذ عن قاعدته أيضا مؤسسة الاتصالات، التي قامت بتنفيذ مشروعها الضخم لتعميم شبكة الألياف البصرية، بعد أن كانت في صراع مع عصابات سرقة النحاس التي كانت تحاكي حيوان الخلد في حفره الطرقات وتركها مخربة من جانبها هي أيضا.
تستمر سنوات وتخلف فوضى عارمة
سكان قالمة يستيقظون يوميا على عمليات حفر جديدة
تشهد مختلف بلديات ولاية قالمة، على مدار أيام السنة تقريبا، أشغال حفر تتحول فيها الشوارع والأزقة إلى ورشات مفتوحة، لإنجاز توصيل مختلف الشبكات خاصة منها الغاز والكهرباء أو تجديد شبكة قنوات مياه الشرب أو قنوات الصرف الصحي، وغيرها من الأشغال الأخرى، التي غالبا ما تكون مصدر إزعاج للمواطنين، خاصة إذا ما طالت مدتها، جراء تسبب تلك الأشغال في غلق بعض الطرقات واكتظاظ حركة المرور بشوارع المدن والبلديات.
وتتضاعف معاناة سكان الأحياء مع استمرار الأشغال لفترة طويلة، وتكرارها بسبب عدم اتفاق مختلف المؤسسات المعنية بأشغال الحفر لمد شبكاتها الأرضية، كما هو الشأن لاتصالات الجزائر التي قضت أشهرا طويلة في الحفر لتجديد شبكة الهاتف والأنترنت وإدخال تكنولوجيا الربط بالألياف البصرية.
ولا يكاد المواطنون في مدينة قالمة يستيقظون مع صباح كل يوم إلا على أشغال الحفر المتعلقة بمد الشبكات الأرضية التي تقررها بعض المؤسسات العمومية أو حتى بعض المقاولات تباعا، حتى تحول الحفر إلى أمر يكاد يكون مألوفا بمختلف بلديات الولاية. وتشهد مدينة قالمة هذه الأيام أشغال حفر متواصلة عبر العديد من الشوارع الرئيسية التي تتكدس فيها الأتربة، جراء تكفل شركة كورية بإجراء خبرة على شبكة توزيع الماء الشروب عبر مختلف أحياء مدينة قالمة.
وهو ما تسبب في عرقلة حركة السير، عبر الشوارع الرئيسية للمدينة. وتعتبر مدينة قالمة من أكثر بلديات الولاية تضررا من أشغال الحفر المتكررة والمستمرة على مدار أيام السنة بحجة المشاريع السكنية المنجزة مؤخرا في إطار مختلف البرامج التي تحتاج إلى توصيل مختلف الشبكات.