أطروحات مطابقة لبعضها بالحرف والفاصلة في الجامعات الجزائرية
»مئات بل آلاف مذكرات التخرج ورسائل الماجستير في أرشيف مكتبات المعاهد والجامعات نسخ طبق الأصل عن بعضها البعض، حيث يقوم الطلبة بنسخ المذكرات القديمة كاملة نسخا حرفيا دون أن يقوموا بأي مجهود فكري، مكتفين بتغيير بسيط في العنوان وخطة البحث، وتغيير إسم الأستاذ المؤطر ثم يضع الطالب إسمه ويغيّر الإهداء، وأحيانا يقوم بالنسخ من مذكرتين أو ثلاث مذكرات للتمويه… لكن الكارثة الكبرى أن الأمر لم يعد يقتصر فقط على مذكرات التخرج، بل امتدت العدوى إلى أطروحات الماجستير والدكتوراه، التي لم تعد تتضمن أي اجتهادات أو قيم علمية مضافة، حيث يلجأ طلبة جامعة الجزائر وبوزريعة وباب الزوار إلى جلب مذكرات من جامعات بومرداس والبويرة وقسنطينة والعكس كذلك»… هذا ما أكده لنا الدكتور البروفيسور جمال بوعجيمي، رئيس المجلس العملي بكلية الإعلام العلوم السياسية ودكتور وبروفيسور جامعي متخصص في التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، في لقاء خاص مع الشروق اليومي.
وأوضح الدكتور بوعجيمي، أن الكثير من الأطروحات والمذكرات والدراسات ورسائل الماجستير العلمية منقولة من كتب أخرى، لاسيما من خلال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال وتوفر وسيلة الأنترنت الذي تحول إلى سلاح ذو حدين .
وقال المتحدث، إنه بالرغم أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تشترط على طلبة الدراسات العليا أن يكون العمل المقترح الأول من نوعه ولم يناقش من قبل، وبالرغم من أن جميع المقترحات يتم التحقيق فيها من قبل المعهد الوطني للبحث العلمي، ويأتي هذا في ظل غياب بطاقية وطنية بين الجامعات تتضمن المواضيع المعالجة في مذكرات التخرج ورسائل الماجستير، وغياب نظام يمكّن المعاهد من اكتشاف السرقة العلمية في صفوف الطلبة. ووصل الأمر إلى درجة أن إطارات بشركات خاصة، اكتشفوا، بالصدفة، أن مذكرات تخرجهم ناقشها طلبة آخرون بجامعات أخرى منها جامعات باتنة وبسكرة وعنابة وتلمسان والبويرة وتيزي وزو وبومرداس ومستغانم.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور جمال بوعجيمي، «أنا شخصيا أعرف أستاذة جامعية في جامعة المسيلة كنت مؤطرا لها في رسالة الماجستير التي أعدتها، عندما كانت تبحث في الانترنت اكتشفت بالصدفة أن رسالتها أخذها ثلاث طلبة من جامعة باتنة وقدموها كمذكرة ليسانس ونشروها على الانترنت، وقد كتبت الأستاذة شكوى لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. كما أتذكر رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة الجزائر سنة 2000، واكتشفوا فيما بعد أن صاحبها أخذها من جامعة قسنطينة وقدمها في جامعة الجزائر، وبعدما تفطنوا لها وسحبوا منه شهادة الدكتوراه«.
وقال بوعجيمي، «الآن كل الأطروحات التي تناقش في الجزائر توضع على الأنترنت»، موضحا «من الصعب جدا التفطن للسرقات العلمية في الجامعة. في القديم عندما كنا طلابا في الجامعة، كان عدد المراجع محدودا وعندما يكون لنا موضوع أو بحث أو مذكرة أو رسالة تخرج يكون الأستاذ المشرف على دراية بكل المراجع المتوفرة في ذلك الموضوع، وبكل ما كتب فيه، والمراجع التي استعملها الطالب يكون الأستاذ المشرف قد اطلع عليها كلها وقرأها ولكن الآن أصبح عدد المراجع غير محدود».
وأضاف، أن «هناك مذكرات من كندا وبلجيكا نسخها طلبة جزائريون حرفيا وقدموها كمذكرات ورسائل ماجستير في الجامعات الجزائر، ولم يذكروها حتى كمصدر اقتباس ولا أحد تفطن لهم».
وقال الدكتور بوعجيمي: «الإشكال المطروح والذي أريد التركيز عليه، هو أن السرقات موجودة بكثرة، لأن الانترنت أصبح متوفرا، وهو سلاح ذو حدين، من جهة يوفر لنا المعلومات ومن جهة أصبح يشجع على الكسل وعدم الاجتهاد، فيكفي أن يقوم الطالب بتصفح الأنترنت لجمع كل ما يعجبه من معلومات يبحث عنها».
«نسخ – لصق» من الابتدائي
وأكد أن «الظاهرة كبرت مع الطلبة منذ الصغر، وأن تلاميذ الابتدائي أصبحوا يعدون كل بحوثهم وتمارينهم من الانترنت ويقدمونها للمعلمة التي تشجعهم على ذلك بدورها. وحتى الأساتذة والمعلمون لم يعودوا يبالون بذلك، بل بالعكس أصبح يشجعون التلاميذ منذ الصغر على إعداد بحوثهم من الانترنت، عن طريق «نسخ – لصق«، رغم أن الكتابة تعتبر تمرينا للتلميذ في حد ذاتها، فهي تطور فنيات التحرير عند التلميذ، وعندما يصل هؤلاء التلاميذ إلى الجامعة يجدون أنفسهم عاجزين عن التحرير والصياغة، لأنهم لا يملكون أسلوبا للتحرير، كونهم اعتادوا على طريقة «نسخ – لصق«، وأضاف «نحن لا نطالب الطلبة بأن يخترعوا نظريات بل المطلوب منهم أن يقرأوا ويطالعوا ويكتبوا مذكراتهم وبحوثهم بأسلوبهم الخاص، ولكن للأسف طلبة اليوم أصبحوا لا يجتهدون إطلاقا فقد اعتادوا على النسخ من الانترنت منذ الصغر» … «والكارثة الأكبر تكمن عندما يتعلق الأمر برسالة ماجستير أو دكتوراه».
وقال بوعجيمي «ليس لنا الوسائل للمراقبة بدقة، والحل هو أنه يجب على الأستاذ المشرف أن يتابع عمل طلبته بجدية، والمشكلة الآن أن الأستاذ المشرف لا يلعب دوره الحقيقي، خاصة الأساتذة الذين لديهم ضغط كبير بسبب إشرافهم على عدد كبير من الطلبة دفعة واحدة، حيث يستحيل عليهم مراقبة عمل كل الطلبة بدقة دفعة واحدة».
وأضاف «للتقليل من ظاهرة السرقات العملية في الجامعة اتخذنا إجراءات جديدة، تتمثل في إلزام الأستاذ بمتابعة الطالب، وإلزامه قبل البدء في العمل أن يقوم بدراسة ببليوغرافية، ويقرأ ثلاثة أو أربعة مراجع حول موضوعه ويعد «بطاقة قرائية» حول كل كتاب ويقدمها للأستاذ المشرف، وأنا الآن بصفتي رئيسا للجنة العلمية فرضت على الأساتذة المشرفين أنه قبل إعادة تسجيل الطلبة، يجب أن يلتزم المشرف بتقديم تقرير مفصل عن تقدم أعمال الطالب وهذه هي الطريقة الوحيدة لحث الطالب على بذل الجهد، وذلك للقضاء على تهاون الطلبة في إعداد مذكراتهم، وتأخرهم إلى غاية فوات الأوان، حيث أنهم يلجأون في آخر لحظة إلى استدراك الوقت على طريق «نسخ – لصق« من المذكرات القديمة، كي لا يتم إقصاؤهم، ورغم أن وزارة التعليم العالي والبحث العملي أصبحت تفرض على طلبة الماجستير تسجيل عنوان الرسالة في السيريست، لأن السيريست يتضمن بطاقية وطنية لأطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير، وأي طالب يريد أن يناقش أطروحته أو رسالته يضع نسخة رقمية في السيريست ونسخة في مكتبة المعهد، لأن ذلك يعتبر حماية للطالب، وإذا وجد مستقبلا أطروحته منسوخة طبق الأصل من طرف طلبة آخرين، يمكنه أن يتخذ الإجراءات القانونية. لكن رغم ذلك مازالت السرقة العلمية منتشرة في أوساط الطلبة».
من جهتها، أدرجت وزارة التعليم العالي “السرقات العلمية في الجامعة” ضمن بنود ميثاق أخلاقيات وأدبيات الجامعة، حيث ينص الميثاق في الفقرة المخصصة لالتزامات الأستاذ الباحث، على أن يلتزم الأستاذ الباحث باحترام أعمال البحث الخاصة بزملائه الجامعيين وبالطلبة وذكر أسماء المؤلفين. وعليه فإن السرقات العلمية تعد من الأخطاء الجسيمة غير المبررة التي يمكن أن تؤدي إلى الطرد.
أما بالنسبة للطلبة. ينص في المحور المتعلق بواجبات الطالب، “أنه على الطالب أن لا يلجأ أبدا إلى الغش أو سرقة أعمال غيره”، ومع ذلك مازالت السرقات العملية منتشرة بشكل كبير.