لماذا نعجز عن تنظيم مباراة كرة؟
في الوقت الذي نجحت دولة قطر في الفوز بشرف احتضان دورة كأس العالم لكرة القدم، بعد نجاح دولة جنوب إفريقيا في تنظيمها، وفي الوقت الذي ستتقدم المغرب ونيجيريا وفنزويلا لاحتضان دورة الألعاب الأولمبية، التي هي عبارة عن بطولات عالمية في كل الرياضات، مازلنا نعجز عن تنظيم مباراة كرة قدم واحدة، نصرّ على أن نسميها عرسا، بينما هي كابوس من الأحداث المؤسفة، تبدأ بسقوط جرحى وتنتهي بالزجّ بالشباب في السجون، وفضائح تنظيمية وتجاوزات، تصلح أن نسميها أي شيء، إلا أن تكون عرسا للأفراح.
-
عنابة المدينة الكبيرة التي نسميها عروس البحر الأبيض المتوسط، وعاصمة الاقتصاد الوطني، أبانت عجزا كاملا في احتضان مباراة كروي واحدة وعادية، رغم أن السلطات المحلية بكامل مديرياتها، شلّت عملها الذي وُجدت لأجله، وحشرت “أنفها” في التنظيم، ورغم أن المواطنين خدّروا أنفسهم ونسوا همومهم، لأجل أن يوفّروا لجيش المنظمين فرصة التحضير لتسعين دقيقة من الجري خلف الكرة، ورغم أن جحافل رجال الأمن قدمت من ولايات كثيرة، وأعلنت هدنة مع المخالفين والمجرمين لبضعة أيام.
-
عنابة التي بدت أصغر من مباراة كرة، اتضح أيضا أنها ليست عروس البحر الأبيض المتوسط، فهي أصغر من سواحل مالطا وقبرص، حيث تمكنت إزمير المتوسطية، واللاذقية المتوسطية، وبيسكارا المتوسطية، وألميريا المتوسطية، من تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط بكل رياضاتها الأولمبية، وكلها مدن وأرياف أصغر من تاريخ ومن جغرافية عنابة، التي صغّرناها كما صغّرنا العاصمة وقسنطينة ووهران، ولن نذكر بقية المدن لأننا نسفناها تماما من الوجود.
-
هل يُعقل أن تُحوّل كل دول المعمورة ملاعب الكرة إلى مسارح لالتقاء الأحباب والتمتع، وتبقى ملاعبنا أشبه بالمحتشدات، تُدسّ فيها الجماهير المسجونة بين القضبان الحديدية، والمفترشة للحجارة والإسمنت، والمغطاة بسماء قد تُرعد وقد تُحرق الرؤوس، وحوالي كل مناصر رجل أمن شديد، عصاه في يده، ليس ليحرسه وإنما ليزجره في حالة أي انحراف!!؟.. وهل يُعقل أن تُحوّل كل دول العالم الانترنت لخدمة المواطنين في تسلّم مرتباتهم والبحث عن مناصب العمل والسكن والتواصل، دون إحراج الزحمة والتعرّض للبهدلة، ويبقى الأنترنت عندنا وسيلة تسلية وراحة، بعد زحام الطوابير أمام مكاتب البريد والغاز والماء، وأمام مكاتب التشغيل، وحتى أمام أبواب بيع تذاكر دخول الملاعب لمتابعة مباراة كرة، زمنها تسعون دقيقة ومتاعبها دهر، وثمنها مئتا دينار جزائري، وخسائرها أعصاب وصحة وكثير من الكرامة.
-
الجزائر التي نظمت ألعاب البحر الأبيض المتوسط في خريف 1975 بعد ثلاث عشرة سنة عن الاستقلال، ونظمت الألعاب الإفريقية بعد ست عشرة سنة عن الاستقلال، ونظمت مهرجانات إفريقية، وملتقيات الفكر الإسلامي، بحضور كل العلماء من دون استثناء، ومؤتمر دول عدم الانحياز، ونجحت فيها، ولم يمر على استقلالها أكثر من عشر سنوات، صار مسؤولوها الحاليون يُصابون بالإسهال المعنوي، كلما علموا باحتضان مدنهم مباراة كرة واحدة، كما حدث في مباراة عنابة، إلى درجة أن مدنا كبرى ترجّت إعفاءها من هذه “المحنة”، والتي قَبِلَتْ أحرَقَتْ ميزانية كبرى، تُسيّر بها دول إفريقية، دون أن تنجح في تحويل الموعد إلى فرح جماهيري، من دون مستشفيات ولا محاكم ولا سجون ولا دموع.. يحدث هذا مع رياضة هي أفيون شعبنا الذي يُنسيه آلامه، يحدث هذا مع لعبة هي المجال الوحيد الذي يُنشد فيه الجزائريون معا، وبصوت صدّاح، نشيد “قسما”، ويحملون العلم الجزائري وهم في قمة الفخر والاعتزاز.. وسؤالنا المؤلم هو: إذا كان هذا حالنا مع رياضة يختلط صخبها مع زفيرنا وشهيقنا، فكيف حالنا مع بقية المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية، التي لا قلوب تخفق لها، ولا عقول تنشغل بها!!؟