أصل القطايف والمحنشة.. وسر قلب اللوز

يشتهر شهر رمضان بقائمة من الأطباق الخاصة به، لا تنافسه فيها بقية شهور السنة، على مائدة الإفطار، من حريرة وشوربة ولحم لحلو وسفيرية وبوراك وشباح السفرة.. التي غالبا ما لها تاريخ وقصص وحكايات، والحلويات والتحليات، هي الأخرى، جزء لا يتجزأ من المطبخ الجزائري العريق، الذي اقتنص، في السنوات الأخيرة، شهادات واعترافات عالمية. ولكن.. ما قصة الحلويات الجزائرية الخاصة برمضان؟ البنة وما فيها، ترويها لكم الشروق العربي. وبصحتكم التحلية.
منذ القدم، اقترن اسم الجزائر والجزائريين بالهمة والشأن، خاصة في شهر رمضان، لما له من مكانة. وبينما ينهمك الرجال في الحديث، وارتشاف الشاي والقهوة، في المقاهي، العامرة بعد صلاة التراويح، تحضر النسوة صينية لاتاي والقهوة، وتزيد المايدة بالمحنشة والصامصة والبقلاوة والقطايف، والزلابية التي تخص رمضان، لأنها معسلة ومحشوة بمكونات طبيعية، تزيد من النشاط، بعد يوم شاق من الصيام. ولكل هذه الحلويات تاريخ وأصل.
المحنشة، من الحلويات الجزائرية البحتة العريقة، عمرها مئات السنين. ورغم محاولة نسبها إلى سراق التراث، غير أن التاريخ له رأي آخر. فقد تم ذكر هذه الحلوى، التي تستمد اسمها من شكلها الذي يشبه الثعبان أو الحنش، الملتف حول نفسه، في العديد من الكتب العربية والموسوعات الفرنسية خاصة، مثل هاشيت عام 1850. وأيضا، موسوعة لافريك غورموند عام 1922 وغيرها.
عن أصلها، اختلف المختصون. فمنهم من يقول إن أصلها عثماني، وكانت في البداية مملحة، لتتغير في الجزائر إلى فطائر حلوة.
قلب رمضان
من المحنشة إلى قلب اللوز، التحلية التي ترافق أمسيات وسهرات رمضانية. وهي الرقم واحد في قائمة حلويات رمضان. عن أصلها، نسجت حكايات. وهي حلوى محل نزاع بين التراث الأندلسي والعثماني.
يجزم البعض بأنّ لقلب اللوز أصلا تركيا، وأنّها كانت حكراً على موائد الطبقة الحاكمة في أثناء الأيالة العثمانية، وأنّه لشدّة تعلّق الدايات والآغوات بها، كانت ممنوعة على العامة، لكن سر هذه الحلوى، لم يبق حبيس دور السلاطين، بل انتقل بفعل فاعل خير إلى الشارع، فتبناها ورقاها مع زمن إلى ملكة حلويات رمضان. يرى مؤرخون آخرون بأن قلب اللوز حلوى أندلسية الأصل، وأنّها قطعت البحر المتوسط في القرن 16، مع سقوط غرناطة مع المهاجرين من الأندلس إلى الجزائر.
ولكن، هناك رواية ثالثة، تفند مزاعم الروايتين، فإن كان قلب لوز أندلسيا أو تركيا، فلم لا يوجد إلا في الجزائر؟
بعد قلب اللوز، تأتي القطايف، في قائمة الحلويات المحببة في الجزائر. ولا يوجد مرجع موثق يبين أصل القطايف، فبعض الروايات تقول إنّها تعود إلى العصر العباسيّ. ومنهم من يقول الأمويّ، ويقال إنّ أول من تناول القطايف، هو الخليفة الأمويّ، سليمان بن عبد الملك، في رمضان.. وهناك العديد من الروايات حول تسمية القطايف بهذا الاسم، إذ إنّ هذه الرواية تعود إلى العصر الفاطميّ. فالطهاة، كانوا يتنافسون في تحضير أنواع الحلويّات، في الشهر الفضيل، وكانت فطيرة القطايف من ضمن هذه الحلويّات، وتمّ تحضيرها بشكل جميل، مزيّنة بالمكسّرات، مقدّمة في طبق كبير، وكان الضيوف يتقاطفونها بشدّة للذّتها.
ومهما كان أصلها، غير أن القطايف الجزائرية مختلفة تماما، وصارت جزائرية بشكلها، وبحشوها، وأيضا بطريقة تقديمها.
الزلابية… حلوى بأصل غامض
وهل تحلو القعدة الرمضانية من دون زلابية. ولكن، ما قصة هذه الحلوى المعسلة؟ يقال إن الزلابية حلوى فارسية، أتت إلى المشرق الإسلامي كالشام والمغرب العربي، وتسمى في بعض المناطق بالعوامة والمشبكية.
يقول الباحث في تاريخ الحضارة الأندلسية، “فوزي سعد الله”: “يشيع الاعتقاد بأن الزلابية شهدت النور في الربوع الأندلسية، وأنّ اسمها ذاته مشتق من اسم مبتدعها المفترض، مُتعدِّد المواهب، زِرْيَاب، وهو أبو الحسن علي بن نافع، الذي جعل بلاط قرطبة الأموية مركزا لفنونه، خلال العقود الأولى من القرن التاسع الميلادي.
وهذا، يعني أن اسمها ليس سوى تحريف لـ”الزِّرْيَابِيَة”، نسبة إلى العندليب القرطبي، الذي أبدع في المأكولات والمشروبات والحلويات ومختلف الطيبات، وحتى في الأزياء.
ويشير صاحب كتاب “الشتات الأندلسي”، إلى أنّ جوهر “الزلابية” لم يتغيَّر كثيرا، منذ أكثر من 10 قرون. لكن الإبداعات المتتالية، شكلا ومضمونا، ألقَتْ ببعض الضبابية على ما كانت عليه هذه الحلوى، خلال عصورها الأولى.
هناك رواية ثانية، مفادها أن أحد التجار أمر طباخه بطهي الحلوى، فلم يكن في المطبخ إلا الزيت والسكر والدقيق، فوضعها في المقلاة.. وعندما رأى الزلابية غريبة الشكل قال: “زلة بيَ” أي أخطأت في إعدادها، طالباً عفو سيده.