البكالوريا.. الأرقام والمستوى

في انتظار نتائج البكالوريا لهذه السنة، ومعرفة نسبة النجاح، يبدو أن معدل النسبة قد يكون فوق المعدل نفسه.
فإذا ما عدنا إلى تاريخ نتائج البكالوريا منذ الاستقلال إلى اليوم، حيث احتفلنا قبل أيام بمرور 62 سنة على استقلال 5 جويلية 62، فسنجد أن هذه المحطة التاريخية من عمر الدراسة، والتي تمثل الجسر الكبير الفارق بين ما قبل الجامعة وما بعدها، قد عرف تطورا ملحوظا في نسبة النجاح، كما أن المسار، عرف أيضا عدة انتكاسات وصلت أحيانا إلى أدنى مستوى يقارب الحضيض.
نسبة النجاح، وإن كانت أيضا، لم تصل بعد إلى النسب العالمية، حتى وإن كنا في سنوات سابقة قد عملنا على تضخيمها، كما ضخمنا أرقاما أخرى، لأسباب نقول عنها وفقط.. غير علمية وغير موضوعية، إنما وهي تدور في حدود الـ60%، يمكن أن تكون مقبولة قياسا لمستوى المنظومة التربوية نفسها، والتي تعاني من الارباك بعد سنوات التيه وإصلاح الإصلاح بدون تصليح.
منذ 1963 أول سنة بكالوريا في ظل الاستقلال، انتقلت نسبة النجاح بشكل تطوري ملحوظ من 45% إلى 62% سنة 2011، أعلى نسبة سجلتها الجزائر.
لكن، هذا لم يكن دائما في منحنى تصاعدي، حيث وصلت أدنى نسبة إلى 10.54% سنة 1993، وهذا بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية والسياسية في البلاد وقتها.
خلال العشرية الأولى من الاستقلال، بقيت النسبة متدنية، في حدود 28%، حيث سجلت نسبة 28.48% سنة 1966، وتم خلال هذه الفترة ربح إطارات وطنية هي من أطرت المنظومة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ككل خلال 50 سنة وأكثر.
بعد الإصلاح بداية السبعينات، حصل تطور خلال سنتتي 1969 ـ 1971 وارتفعت النسبة لأول مرة إلى 59.13% سجلت خلال سنة 1969.
بعدها، وخلال عشرين سنة، عرفت النسبة تراجعا حادا بقي يتراوح ما بين 20 و25%، غير أنه وبداية من 1975، سترتفع النسبة من جديد لتصل إلى 49.66% سنة 1975، ثم تعود للهبوط إلى 37.72% سنة 1981.
بقيت الأرقام دون الـ50% إلى غاية 2011، حيث سجلت أعلى نسبة.
هذه النسب، وإن كانت لا تعكس بالضرورة المستوى التعليمي، كونها قد تكون منفوخة، مدفوعة لسبب أو آخر، إنما، الاتجاه السائد اليوم هو أن يكون إصلاح التعليم وإصلاح نظام الامتحانات والشهادات، لا يهدف إلى تحسين الأرقام بقدر ما يهدف إلى تحسين المستوى أولا. فالأمر سيان بين المنظومة التعليمية ككل ـ والمنظومة لاقتصادية والمالية ككل: فالتضخم المالي يدل على كتلة مالية غير مغطاة ولا يقابلها مقابل مادي، نفس الشيء، التضخم في أرقام النجاح، يعكس أزمة مضمون ومحتوى ومستوى.
الهدف إذن، ليست رفع نسب النجاح عبر آليات عدة وتقنيات الترتيب والترقيع، بتسهيل الأسئلة والتقليص من البرامج والرضوخ لمطالب التسقيف الموضوعاتي، والكرم التقييمي، بل في رفع مستوى التلقين والتعليم والتكوين، ورفع النسبة وقتها يكون ذا مصداقية ومطابق للمستويات والمقاييس العالمية.
هذا الأمر يتطلب إصلاحا قويا وفعالا وأصيلا، بعيدا عن الفقاعات المنفوخة شكلا بدون مضمون، وعن الرغبة في تحقيق أرقام بدون مستوى.
تحقيق أرقام تفوق الـ80%، أمر ممكن تحقيقه خلال خمس سنوات أو حتى أقل إن تمكنا من تحقيق إصلاح تعليمي شامل وموسع يبدأ من الابتدائي وينتهي إلى الثانوي، تحضيرا للجامعي. كل هذا، عبر التكوين النوعي والعودة إلى المدرسة الكلاسيكية في المراقبة والمرافقة والمواكبة والتفتيش والتكوين البيداغوجي.
عمل ليس بالسهل، ولكن أيضا، ليس بالمستحيل، فما حققناه من إنجاز اقتصادي واجتماعي، يمكن أن يكون دافعا ورافعة لباقي المجالات.