“الجامعة الأمريكية باتت هدفا في ظلّ ثورة ترامب الشمولية على مؤسسات المجتمع المدني”

“نمر اليوم في الولايات المتحدة بأصعب فترة في تاريخنا المعاصر فيما يتعلق بحقوق التفكير، والتنظيم، والضمير منذ عقود”، يقول لنا أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة برينستون الأمريكية، ماكس وايس.
شكل اعتقال سلطات الهجرة الأمريكية، للطالب السابق محمود خليل، 30 عاما، وهو رمز من رموز المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في جامعة كولومبيا بنيويورك، يوم السبت 8 مارس، سابقة منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية دعما للمدنيين في غزة، وتنديدا بالدعم العسكري والمالي الذي تقدمه واشنطن للاحتلال.
الحركة انطلقت في الجامعات الأمريكية عقب السابع أكتوبر 2023، يصفها ماكس وايس، في حديثه إلى “الشروق أونلاين” بأنها “أضخم حركة تضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والتحرير في تاريخ البلاد”.
يضيف وايس، وهو أحد مطلقي مبادرة هيئة التدريس في جامعة برينستون لسحب الاستثمارات من الجامعات الإسرائيلية: “بطبيعة الحال، تعرّض العديد من المتظاهرين والمتظاهرات لعقوبات متفاوتة، كانت في أغلب الأحيان نتيجة قوانين غامضة وأوامر مرتجلة أُصدرت كردّ فعل على الوضع الطارئ. في الوقت الحاضر، تشهد الحركة الاجتماعية المناهضة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري والنكبة المستمرة في فلسطين نوعًا من التباطؤ، لكنها لا تزال صامدة وستستمر في نضالها العادل.”
إقرأ أيضا – إحتجاجات الجامعات الأمريكية: “لا شك أن هذا الجيل يمتلك رؤية مختلفة للمسألة الفلسطينية”
إذا عرف المتظاهرون في الجامعات الأمريكية عقوبات متفاوتة، فاعتقال محمود خليل يشكل سابقة من نوعها. فالطالب السابق بجامعة كولومبيا، فلسطيني الأصل ولد في مخيم للاجئين بسوريا، متزوج من أمريكية حامل في شهرها الثامن، وحاصل على “الغرين كارد” الأمريكية، وهو محتجز حاليا في لويزيانا ومهدد بالطرد من قبل إدارة دونالد ترامب.
ووصف الرئيس الأمريكي ترامب محمود خليل بـ”الطالب الأجنبي الراديكالي المؤيد لحماس” وأعلن أن اعتقاله كان أول “مسلسل طويل” من الاعتقالات.
وقالت زوجة محمود خليل، نور عبد الله، في بيان لها يوم الثلاثاء 11 مارس، أن الاعتقال تم دون إظهار أية مذكرة وكان عنيفا “على الرغم من أن محمود كان متعاونًا بالكامل.”
وقالت نور عبد الله، 28 عاما، وهي ابنة لاجئين سوريين “بعد 40 عامًا من هجرة والديّ إلى هنا، وقبل أسابيع فقط من موعد ولادة طفلنا الأول، أشعر بعدم الأمان وعدم الاستقرار أكثر من أي وقت مضى في حياتي.”
وأصدر قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية، جيسي فورمان، يوم الاثنين 11 مارس، قرارا بوقف ترحيل محمود خليل “ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك”.
كما طالبت منظمة العفو الدولية من الحكومة الأمريكية إطلاق سراح محمود خليل، كما طالبت من الكليات والجامعات “اتخاذ خطوات لحماية طلابها المهاجرين من وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، وضمان احترام وحماية حقوق الإنسان لجميع طلابها وأعضاء هيئتها التدريسية في الاحتجاج دعمًا لحقوق الفلسطينيين والقضايا الأخرى”.

تجمع لطلبة جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، تضامنا مع فلسطين، ماي 2024. حقوق محفوظة.
ويقول ماكس وايس إن الجامعات الأمريكية اليوم تشهد “شكلًا غير مسبوق من التخويف والقمع الأكاديمي، وذلك بسبب الحراك غير المسبوق لمساندة الشعب الفلسطيني في لحظة إبادة جماعية، لا شك أن المشاركين في التعبئة ضد الإبادة الجماعية في غزة باتوا يُعتبرون “أعداءً للعامة” في نظر النظام الاستبدادي الجديد.”
ملفتا أن جميع الجامعات الأمريكية، بما في ذلك جامعة كولومبيا، “تواجه خطرًا حقيقيًا، لكن الأصحّ هو أن الجامعة الأمريكية نفسها باتت هدفا في ظلّ ثورة ترامب الشمولية على كل مؤسسات المجتمع المدني”.
وقامت إدارة ترامب بحرمان جامعة كولومبيا من 400 مليون دولار من الإعانات، وهذا بدعوى “فشلها في توفير الحماية الكافية للطلاب والموظفين اليهود”، ولن تكون هذه هي الجامعة الوحيدة المستهدفة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وقع يوم الأربعاء، 29 جانفي 2025، أمرا تنفيذيا لمكافحة معاداة السامية. وسيمهد هذا القرار الطريق لطرد الطلبة من الجامعات الأمريكية.
“شهدنا خلال العام الماضي هجومًا منظمًا على كل العبارات والرموز والمواقف الداعمة للشعب الفلسطيني في غزة، وكأن أي انتقاد للدولة اليهودية وسياساتها غير القانونية دوليًا يُعدّ مرادفًا لمعاداة السامية. يعكس هذا الأمر التنفيذي التناقض القائم بين حرية التعبير وما يمكن تسميته بـ’الاستثناء الفلسطيني'”، يعلق ماكس وايس على قرار ترامب، ويضيف “أتوقع أننا سنشهد تصعيدًا أكبر في القمع، والرقابة، والتجريم فيما يتعلق بحرية التعبير والكتابة والتدريس والبحث في هذه القضايا خلال الفترة القادمة.”