الجزائر في قلب نقاش فرنسي تحوّل إلى كرة ثلج

تدور الجزائر في قلب جدل فرنسي ـ فرنسي محتدم منذ زيارة الرجل الأول في قصر الإيليزي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر في نهاية شهر أوت المنصرم، والسبب مقال يتمحور حول تصريح للرئيس الفرنسي خلال تلك الزيارة، قال فيه إن فرنسا والجزائر عاشا “قصة حب لها نصيبها من التراجيديا”.
هذه العبارة لم تمر دون أن تخلف ارتدادات لدى المثقفين والمؤرخين الفرنسيين المناهضين للاستعمار، وعلى رأسهم العالم السياسي، بول ماكس موران، الذي كتب عمودا عبر أعمدة صحيفة “لوموند” الفرنسية، في الثاني من سبتمبر الجاري، قال فيه إن “اختزال الاستعمار الفرنسي للجزائر، في “قصة حب”، يعبر عن الأبعاد اليمينية للرئيس ماكرون بشأن مسألة الذاكرة”.
وبعد صدور هذا المقال، سارعت الرئاسة الفرنسية إلى مطالبة صحيفة “لوموند”، التي توصف بأنها زهرة الإعلام المكتوب في بلاد فولتير بسحب المقال، وقد تم سحبه من موقع الصحيفة على الأنترنيت، كما تم تقديم اعتذار لقراء الصحيفة وكذا الرئيس الفرنسي، في سابقة اعتبرت “مساسا خطيرا” بحرية التعبير، ومحاولة لتبييض وجه الاستعمار الفرنسي القبيح في الجزائر.
القضية تحولت إلى كرة ثلج تكبر من يوم لآخر بعد نحو عشرين يوما من نشر مقال بول ماكس موران، فقد عمدت مجموعة من الأكاديميين والمؤرخين الكبار، إلى إصدار بيان مشفوع بتوقيعاتهم يدافع عن العمود ولا يرونه “مجانبا للصواب”، ومن ثم لم يروا مبررا لسحبه من قبل مسؤولي الصحيفة.
ووقع على العريضة علماء سياسة كبار ومؤرخون، على غرار كل من إيمانويل بلانشارد، الأستاذ بجامعة فرساي- سان- كوينتين، ولويك بلونديو، الأستاذ بجامعة الصوربون، ورفائيل برانش، الأستاذ بجامعة نانتير بباريس، وفانسان ماريني الأستاذ بجامعة نيس، وكذا فابريس ريسيبوتي، جيل مانسيرون، ألان روسيو..
وبول ماكس موران، كاتب المقال، هو دكتور في العلوم السياسية ومؤلف كتاب “الشباب وحرب الجزائر”، كما يسميها الفرنسيون والحرب التحريرية كما يسميها الجزائريون. وقد قدم في عموده تحليلا نقديًا لتطور خطاب إيمانويل ماكرون حول ذاكرة “حرب الجزائر”.
سبب سحب المقال من الطبعة الإلكترونية للصحيفة وفق تقديرات مسؤولي “لوموند”، تقول العريضة، انتقادا لما تضمنه مقال بول ماكس موران من أخطاء، في حين أنه “لم يرتكب أي “خطأ”. وتضيف “عندما تحدث إيمانويل ماكرون، الذي تظاهر مؤخرًا بالتساؤل عن وجود أمة جزائرية قبل استعمارها من قبل فرنسا، عن “قصة حب لها نصيبها من التراجيديا”، التي تميز الاستعمار، بينما كان من المفروض النظر إليها على أساس إعادة بعث العلاقات الجزائرية الفرنسية”.
وردا على اتهام الصحيفة لصاحب المقال بتقديم قراءة غير بريئة لعبارة الرئيس الفرنسي، بشكل أخرجها من سياقها، إلا أن الموقعين على العريضة يؤكدون بأنه لا شيء يشير بشكل قاطع إلى أنه “من الواضح جدًا أن عبارة “قصة حب” تثير العلاقات الفرنسية الجزائرية”. وبالفعل، فإن عبارة “العلاقات الفرنسية الجزائرية” لا ينطق بها الصحفي الذي طرح السؤال ولا رئيس الجمهورية الذي يجيب عنها”.
وتساءل الموقعون: “هل أراد رئيس الدولة (ماكرون) إضفاء الطابع الرومانسي على التاريخ الاستعماري مع التنازل عن هذا “الجزء من المأساة”؟ هل أسيء فهمه؟ هل هو ضحية المبالغة في تفسير ملاحظاته؟ طالما أنه يجادل، فالجميع أحرار في الإجابة عن هذه الأسئلة”، واعتبروا سحب الصحيفة للمقال “هجومًا على النقاش الفكري الحر”.
الموقعون على العريضة استهجنوا سحب المقال واتهموا صحيفة “لوموند” بـ”تقويض التعبير الحر عن الآراء المتباينة من خلال منع النقاش حول التوجه السياسي للرئيس حول موضوع جوهري بشكل خاص: ماضي فرنسا في الجزائر وموروثها وسياساتها وذاكرتها”، كما “شككوا علنا وبشكل متكرر في نزاهة الباحث، في هذه الحالة بول ماكس موران، الذي نؤكد عليه نحن أقرانه دعمنا واحترامنا”.