-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرب الثانية على سوريا بدأت…

الحرب الثانية على سوريا بدأت…

على خلاف ما يبدو، لم تنته الحرب في سوريا، بل بدأت بطريقة أخرى، هذه المرة ليس بين جماعات مسلحة وسلطة قائمة في دمشق، ولا حتى بين قوى دولية خلف هذه الجماعات وأخرى خلف السلطة الحاكمة إنما هي الآن بين القوى الدولية مباشرة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
في السابق كانت دمشق المتحالفة مع روسيا وإيران، تُشكِّل مركز الثقل في المعادلة تساهم في إبقاء الوضع على حاله وتَترك الأطراف المتصارعة تعتقد بإمكانية تعافي الوضع السوري ومن ثَمَّ إمكانية تحقيق مصالحها من خلال التعامل مع الحكومة السورية القائمة.
لاحظنا ذلك في السنوات الأخيرة مع بداية التقارب مع البلدان العربية والعودة إلى الجامعة العربية كما تمت ملاحظة بداية تطبيع للعلاقات السورية الغربية. كان يبدو أن سوريا ستعود تدريجيا إلى الموقع الذي كانت عليه قبل سنة 2011، وربما حتى لِما قبل سنة 2003 تاريخ غزو العراق بعد تزايد التأييد الروسي والإيراني لها. وكان المتوقع أن يتم دفع سوريا إلى التطبيع التدريجي في إطار عربي لِيَعُم الاتجاه العام الذي أصبح غالبا في المنطقة بعد الاتفاقيات الابراهيمية… بدا وكأن الأمر يسير في هذا الاتجاه حتى جاء طوفان الأقصى وبدَّل كل هذه التوقعات، باتت سوريا في قلب الإعصار بعد أن تأكدت فعالية علاقتها بتسليح حزب الله من خلال ضرب مواقع حسّاسة في الكيان، وتعَزَّز تحالفها مع إيران، مما جعل اتخاذ قرار الانتهاء من الحكم القائم بها بطريقة أو بأخرى أمرا مُلِحًّا. وشجَّع هذه التوجه تلك الضربات المتبادلة بين إيران والكيان التي أكدت بداية وجود ردع حقيقي بينهما… وأعْطَت الاغتيالات المتتالية لكوادر حزب الله وعلى رأسهم زعيمه نصر الله الضوء الأخضر لبداية هذه المرحلة، أي مرحلة الانتهاء من الدور السوري في المنطقة.
وجاءت اتفاقيات وقف إطلاق النار مع لبنان لتعلن فصل الجبهة اللبنانية على باقي جبهات المقاومة وتُهيِّئ لاتخاذ قرار القضاء على سوريا… وهو ما حدث مباشرة. وكان كل شيء مهيئا لذلك، وسقط الحكم القائم بأسرع مما كان مُتوقَّعا… وبدأت الحرب الثانية على سوريا: تحطيم الجيش السوري أولا، احتلال جزء من أراضيه ثانيا والشروع في مفاوضات تقاسم النفوذ بين القوى المهيمنة على المنطقة في لقاءات ماراتونية. الولايات المتحدة بحلفائها في الشمال الشرقي لسوريا مع قوات سوريا الديمقراطية تنفرد بالهيمنة على الطاقة، الكيان الصهيوني بقواته في الجولان يحقق مكاسب استراتيجية بالهيمنة على جبل الشيخ فضلا عن احتلاله لجزء آخر من الأراضي السورية، الأتراك يؤمِّنون وجودهم في الشمال ويشرعون في جني مكاسب التحولات في المنطقة، وهي مكاسب أمنية واقتصادية وسياسية، والروس يكتفون بمقايضة وجودهم في سوريا ببقائهم في أجزاء من أوكرانيا، وإيران تغادر المنطقة لبناء دفاعات جديدة في العراق وعبر حدودها الشمالية حتى لا تخسر أكثر…
وتجري اتفاقيات علنية وسرية بين هذه القوى في الوقت الذي يعيش الشعب السوري المضطهَد فرحة خروج أبنائه المظلومين من السجون وفرحة عودة اللاجئين إلى ديارهم، وأمل في أن لا يكونوا مرة أخرى ضحية لعبة دولية كما حدث في العراق وفي ليبيا واليمن وكما يحدث اليوم في السودان…
يبدو لي أن هذه هي الحرب الثانية القائمة اليوم في سوريا، هي بين القوى الكبرى مباشرة وليس من خلال أذرعها، وهي امتداد لتلك التي عرفتها بعد 2011، وقد تم تحطيم الجيش السوري العمود الفقري للدولة…
تبقى القوى الوطنية الرئيسة وحدها التي تستطيع احتواء مثل هذا الوضع، بالالتفاف حول مسألة جوهرية واحدة: رفض الارتباطات بالأجندات الأجنبية والتعامل مع القوى الدولية بدون تمييز، مع رفع شعار مشترك أولي: لا لمناطق الحكم الذاتي ولا للتقسيم ولا لاحتلال الأراضي. لن يكون ذلك سهلا، ولكنه ممكن إذا اتحدت أهم قيادات المعارضة ولم تستثن أحدا من الدفاع عن بلاده تحت أية ذريعة كانت…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!