الحزم ووعي الأولياء يجهضان تسريبات البكالوريا

يبدو أن بكالوريا 2025 ستكون ” الأقلّ” من حيث إحصائيات محاولات غشّ أو تسريب المواضيع، مقارنة بدورات سابقة، بسبب تشديد العقوبات على المتورطين من تلاميذ وأساتذة وحراس وإداريين، واللاّفت أن الأولياء باتوا يتخوّفون من الغش أو التسريب أكثر من المترشحين، لدرجة صار الولي يوصي ابنه: “حتى ولو لم تنجح.. لكن لا تتورط في الغش.. !”. ومع ذلك تمّ القبض على متورطين في التّسريب من مختلف ولايات الوطن ولكن بنسبة محدودة.
رغم تشديد العقوبات وتخوّف الأولياء، لا يزال بعض الأشخاص نساء ورجالا حتى ولو كانوا قّلة هذه السنة، يتورطون في تسريب مواضيع البكالوريا، معرضين أنفسهم لعقوبات شديد وإيداع فوري للسّجون، وكأنهم ” يستهترون أو غير مُصدقين” بوجود عقوبات صارمة.
بن عودة: الظاهرة تهدد كفاءات المستقبل ولابد من الحزم
ضيافي: عقوبات قد تصل إلى 10 سنوات سجنا للمسربين
وفي هذا الصدد، أصدرت محاكم كل من عنابة، الوادي، المسيلة والشلف، أمس الاثنين، أوامر بإيداع عدة أشخاص الحبس وعقوبات بدفع غرامات مالية لتورطهم في الغش في امتحان شهادة البكالوريا وفي تسريب الأجوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب بيان الجهات القضائية مكان اختصاص وقوع المخالفات، تمت إحالة 5 متهمين على محكمة عنابة، لارتكابهم جنحة تسريب أجوبة الامتحانات النهائية باستعمال وسائل الاتصال عن بُعد من قبل مجموعة من الأشخاص، بحيث تم إيداع 4 منهم الحبس المؤقت وآخر تحت نظام الرقابة القضائية.
وبولاية الوادي، تم توقيف امرأة لاشتباهها بنشر أجوبة موضوع امتحان شهادة البكالوريا لمادة اللغة العربية عبر موقع للتواصل الاجتماعي، وأدانتها المحكمة بـ 18 شهرا حبسا، منها 6 أشهر موقوفة التنفيذ.
وسلطت محكمة المسيلة، على شقيقين حكم عام حبسا نافذا، عن تهمة نشر موضوع الامتحان النهائي لشهادة التعليم الثانوي، عن طريق استعمال وسائل الاتصال عن بعد.
وامتثل متهمين اثنين أمام محكمة الشلف، لتورطهما في تسريب مواضيع وأجوبة “الباك”، وتم إدانتهما بـ 18 حبسا نافذا لكل واحد.
تراجع نسبة الغش والتسريبات
ومع ذلك، يؤكد حراس عبر مختلف مراكز الإجراء لـ”الشروق”، أن معدل الغش والتسريب، تناقص “بشكل ملحوظ” مقارنة بدورات سابقة، وكما أن غالبية المراكز جرت فيها الامتحانات بشكل هادئ ودون تسجيل محاولات غش خطيرة أو تسريب، ما عدا لدى القلة.
وكانت السلطات اضطرت إلى سن عقوبات ردعية للمتورطين في عملية تسريب مواضيع البكالوريا على منصات التواصل الاجتماعي قبل وفي أثناء سير الامتحان، واتخاذها إجراءات صارمة للحد من الظاهرة قبل تفاقمها، سواء من الناحية القانونية أم التقنية، وذلك حفاظا على قدسية البكالوريا، والذي يعتبر امتحانا مصيريا وإحقاقا لمبدأ العدل والإنصاف بين التلاميذ، وأيضا لمحاربة تغلغل ظاهرة الغش في المجتمع، ليتحول بذلك، سلوك تسريب مواضيع البكالوريا في الجزائر إلى جريمة خطيرة تُهدد مصداقية هذه الشهادة الرسمية.
فصل كامل في قانون العقوبات في الغش في الامتحانات
وفي الموضوع، يرى رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم، الأستاذ عومر بن عودة، أن الامتحانات الرسمية قد عرفت منذ سنين طويلة ظاهرة الغش السلبية والتي تسيء إلى العلم وإلى قيمة شهادة البكالوريا أو شهادة التعليم المتوسط، إضافة إلى مساسها بنزاهة الامتحانات وشفافيتها، واستخدامها كوسيلة لتحصيل من النقاط ما يُمكّن من النجاح.
وقال، أن ظاهرة الغش التي انتقلت من الاختبارات خلال الفصول إلى الغش في الامتحانات الرسمية، كما انتقلت من استعمال وسائل تقليدية إلى ابتكار أحدث التقنيات التكنولوجية المتطورة مثل الساعة الذكية، الهاتف الذكي، منصات التواصل الاجتماعي والبلوتوث… إلخ. بحيث أرّقت هذه الوسائل، حسب قول عومر بن عودة، القائمين على قطاع التربية الوطنية، وجعلتهم ينظمون ندوات وأياما دراسية لإيجاد السبل الكفيلة للحد من ظاهرة الغش، ضمانا لنزاهة هذه الامتحانات، وحماية لقدسية العلم ورسالة المدرسة الجزائرية عموما في تخريج الكفاءات والمهارات وتحقيقا لأهدافها السامية.
الظاهرة تهدد كفاءات المستقبل
وأكد محدثنا أن الغش كظاهرة سلبية ومحرمة شرعا، وممقوتة لدى الأفراد والمجتمعات المتطورة بالجد والاجتهاد والبحث، “بحيث إن المتحصل على الشهادة بالغش لا يمتلك من الكفاءة شيئا ولا من المهارات، لأنه لم يعتمد على نفسه ولم يجتهد، بل اعتمد على الغش في محطة أو أكثر من محطات دراسته، لذا فشهادته لا قيمة لها، ولا يفيد بها غيره ولا مجتمعه ولا بلده.. لأنه لا يملك مهارات علمية، فيصبح غير قادر على العطاء والإبداع وتقديم ما يفيد مجتمعه” على حد قوله.
وأشار رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم، أن ظاهرة الغش في الامتحانات في الجزائر وخصوصا تسريب المواضيع أخذت في التراجع، منذ دخول العدالة على الخط، والاهتمام بمحاربة الغش في الامتحانات الرسمية، من خلال إجراء تعديل في قانون العقوبات 20_06، بحيث تمّ إضافة الفصل التاسع والمُعنْون بالمساس بنزاهة الامتحانات والمسابقات.
كما شملت المادة 253 مكرر 06 إلى غاية المادة 253 مكرر 12 إجراءات عقابية ضد كل من يلجأ إلى الغش في الامتحانات الرسمية أو يساعد عليه، سواء من طرف المترشحين أنفسهم أم انتحال صفة المترشح، أو تقديم المساعدة لهم من طرف الحراس أو الأمانة … إلخ، وقد وصلت أقصى عقوبة إلى السجن 15 سنة في حق كل من تسبب في إلغاء امتحان رسمي.
وبخصوص بكالوريا دورة 2025، كشف بن عودة، أنهم كمهتمين بالشأن التربوي، فقد لاحظوا أنه مرت يومين عن إجراء امتحانات شهادة البكالوريا ” دون تسجيل أي حالة غش في أي مركز من مراكز الإجراء على المستوى الوطني” وهذا حسبه، مؤشر جيد يعكس الأثر الإيجابي للإجراءات القضائية التي أقرّها جهاز العدالة كإجراءات تنظيمية من أجل ضمان قدر عال من النزاهة والشفافية لامتحانات البكالوريا، واعتبر أن هذه الإجراءات آلية ردعية لكل من تسول له نفسه استعمال الغش من أجل النجاح، حفاظا على القيمة العلمية للشهادة، وتمكينا للقائمين على العملية التربوية من إجراء تقييم حقيقي للامتحانات والقيام بتحليل النتائج على أسس حقيقية لا مكان للغش فيها.
العقوبات الجزائية تطال التسريبات وليس الغش داخل القسم
ومن جهته، يرى المختص في الشؤون القانونية، إسلام ضيافي، في تصريح لـ”الشروق”، أن أهم أمر يجب التنويه إليه، أن القانون الجزائري أقر عقوبات جزائية تتراوح بين الحبس والغرامات، ضد كل من يتورط في تسريب مواضيع البكالوريا وليس الغش مثلا بين زميل وزميل داخل القاعة، والذي يعتبر سلوكا يُعاقب عليه المتورط إداريا أو من طرف مركز الامتحان، مثل الإقصاء أو الحصول على نقطة الصفر.. إلخ
وقال ” لكن الغش المربوط بتسريب مواضيع البكالوريا قبل وفي أثناء الامتحان وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا الفعل يعاقب المتورط فيه جزائيا”.
وقال ضيافي، بأنّه عند تسجيل تسريب المواضيع أو الأجوبة في جميع الأطوار وذلك في الامتحانات العادية، فإن العقاب القانوني يتراوح بين عام و3 سنوات سجنا بحسب نص المادة 253 مكرر 6 من قانون العقوبات.
أما المادة 253 مكرّر 7، فتشدد العقاب والذي يصل إلى غاية 10 سنوات سجنا في حالة قام بالنشر مثلا شخص من مؤطري الامتحانات، أو إذا تم ذلك بتواطؤ مجموعة أشخاص. أو باستعمال وسائل التكنولوجيا ووسائل الاتصال.
وأضاف ضيافي، بأنه في حال تسبب تسريب مواضيع الامتحان في إلغاء الامتحان جزئيا أو كليا، مثلما عشناه في العام 2016، فعقاب المتورطين في هذه الحالة يتراوح بين 7 سنوات إلى 15 سجنا نافذا، بحسب المادة 253 مكرر 8.
أما في حال حضر شخص ليجري الامتحان نيابة عن شخص آخر، بطريقة احتيالية، فعقوبة المتورطين تكون من سنة إلّى 3 سنوات سجنا نافذا.