الدكتور عبد الوهاب بن بولعيد.. ابن الشهيد أسد الأوراس

في هذا الشهر، رحل الكثير من الأحرار الذين حملوا راية الوطن، وفي مثل هذا اليوم 22 مارس، شاء القدر أن يتجدّد الفداء، وأن يُكتب فصلٌ آخر من فصول التضحية، فصل بدأ مع أسد الأوراس، الشهيد مصطفى بن بولعيد، واستمرّ مع ابنه الشهيد الدكتور عبد الوهاب بن بولعيد الذي ارتقى بقافلة الشهداء، في اليوم نفسه الذي استشهد فيه والده، مصطفى بن بولعيد، وكأن التضحية قدر خالد في هذه العائلة.
مشهد استثنائي، التقت روح الشهيد عبد الوهاب بروح والده في اليوم نفسه الذي استشهد فيه الأب، وكأن القدر أهدى الابن لأبيه بعد عقود من الفراق، وكأن المسيرة لم تكتمل إلا بهذا اللقاء الأبدي.
اليوم، لا نرثي رجلاً رحل، بل نخلّد إرثاً خالدًا… لا نبكي فقدان فرد، بل نشهد ميلاد مصطلح جديد في سجل التاريخ الجزائري “الشهيد ابن الشهيد”.
ليس كل الرجال أبطالًا، وليس كل الأبطال شهداء، لكن أن يولد الإنسان من رحم التضحية، ويسير على درب الفداء، ثم يرتقي شهيدًا كما ارتقى والده، فذلك مقام لا يبلغه إلا العظماء. عبد الوهاب بن بولعيد لم يكن مجرد ابن لرائد الثورة مصطفى بن بولعيد، بل كان امتدادًا له، انعكاسًا لنضاله، وصدى لصوته الذي لم يخفت، حتى بعد استشهاده، ليؤكد أن التضحية التي ولد في أحضانها لا تُورّث فقط بالدماء، بل بالقيم والمبادئ، حتى لو كان الثمن الحياة نفسها.
لقد كتب الشهيد بدمه قصة لا تُنسى، قصة خطّتها عائلة لم تعرف يوما معنى الاستسلام، عائلة قدّمت الأب شهيدا، ثمّ الابن شهيدا، وكأنّ التضحية كانت قدرهم المحتوم، وكأن دماءهم مهر الحرية التي ننعم بها اليوم.
* ثلاثون عامًا مضت ولم تنطفئ الشعلة، لأن النور الذي أضاء طريق الجزائر لا يمكن أن ينطفئ.
*استُشهد الأب، فحمل الابن راية الشرف، وسار على درب التضحية، حتى لحق به شهيدًا، ليؤكّد أن الجزائر لا تزال تنجب الأحرار، وأن دماء الأبطال هي التي تروي شجرة الكرامة والاستقلال.
*ثلاثون عامًا مضت، لكن الأسطورة لا تموت، والرجال العظماء لا يطويهم النسيان. ثلاثون عاما مضت، لكنّ الشهداء لا يموتون، والأبطال يُخلّدون.
استشهد مصطفى بن بولعيد، فكان من الأوائل الذين خطّوا طريق الحرية بدمائهم، ولم يكن يدري أن القدر سيعيد المشهد، وأن الابن سيسير على خُطى الأب، ليس فقط بالفكر والمبدأ، بل حتى بالاستشهاد. لقد كان عبد الوهاب يحمل حلم جزائر حرة، شامخة، يحكمها أبناء الوطن بإخلاص ونزاهة، كان مؤمنا بأنّ الجزائر لم تولد من فراغ، بل وُلدت من الدموع والآلام، من السجون والمنفى، ومن صرخات الأحرار الذين رفضوا الذلّ والاستعمار.
علّمنا التاريخ أنّ الحرية لا توهب، بل تنتزع وتصنع بالدماء، وأن الاستقلال ليس نهاية الطريق، بل بدايته. مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وكانت الخطوة الأولى التي خطاها مصطفى بن بولعيد على درب الجهاد بداية لمسار طويل من التضحيات. ليأتي ابنه عبد الوهاب، حاملًا فكر والده وروحه النضالية بنيّة إكمالها بالعزيمة نفسها. لم يحمل سلاحًا، لكنه حمل فكرا، ولم يكن في الجبال، لكنه كان في ساحة النضال بالكلمة والموقف، حتى امتدت إليه أيادي الغدر، فارتقى شهيدًا، تمامًا
كما ارتقى والده، لتلتقي روحه بروح أبيه في مقام الشهداء.
ثلاثون عامًا مضت ولم تنطفئ الشعلة، لأن النور الذي أضاء طريق الجزائر لا يمكن أن ينطفئ.
استُشهد الأب، فحمل الابن راية الشرف، وسار على درب التضحية، حتى لحق به شهيدًا، ليؤكّد أن الجزائر لا تزال تنجب الأحرار، وأن دماء الأبطال هي التي تروي شجرة الكرامة والاستقلال.
ثلاثون عامًا مضت، لكن الأسطورة لا تموت، والرجال العظماء لا يطويهم النسيان. ثلاثون عاما مضت، لكنّ الشهداء لا يموتون، والأبطال يُخلّدون. اليوم نقول له:
لم تمت يا عبد الوهاب، بل صرت فكرة…
لم تغادرنا، بل تركت فينا نبضا يرفض الخضوع…
رحلت، لكن المبادئ لا تُغتال..
لم يُسكتوك، بل جعلوا صوتك يهتف في قلوبنا أبدًا…
لم يُغيّبوك، بل منحوك مكانة بين الخالدين…
لم يمحوا أثرك، بل كتبوا اسمك في سجلّ الشهداء…
لم يكن الموت بالنسبة لك نهاية، فقد زرعت بذورا لن تموت،
وتركت أبناءً يحملون اسمك وفكرك، كما حملت راية والدك بكلّ شرف ..
إن استذكار عبد الوهاب بن بولعيد بعد ثلاثين عامًا ليس مجرد احتفاء بالماضي، بل هو تجديدٌ للعهد بأن الجزائر لن تنسى أبناءها، وأن تبقى ذكراه حية، وأن تضحيات الأبطال ستظل درسًا للأجيال، ونبراسًا ينير طريق الحرية درب المستقبل.
اليوم، ونحن نرفع راية التقدير والوفاء، نقول بصوت واحد:
ابن الأسد أسد… المجد والخلود للشهيد ابن الشهيد… والمجد والخلود لكل من كتب بدمه تاريخ الجزائر.
رحم الله الشهيد الدكتور عبد الوهاب بن بولعيد، ورحم الله والده أسد الأوراس وكلّ شهداء الجزائر الأبرار.
مصطفى بن بولعيد (05 فيفري 1917- 22 مارس 1956)
عبد الوهاب بن بولعيد (03 نوفمبر 1945- 22 مارس 1995)
عن بذرتك التي لا تموت