الرقمنة في الجزائر من صفر ورقة إلى ذكاء اصطناعي يفرض نفسه في التعاملات

شهد العالم تطورا تكنولوجيا متسارعا في آخر عشرين سنة من هذا القرن، وقد كانت ثنائية الحاسوب والأنترنت العامل الأساسي والحاضنة لهذا التطور ، فأصبح غالب الإبداع البشري مرتبطا بالرقمنة التي فرضت وجودها على الدول والشعوب ، فلم تعد شيئا ثانويا وإنّما صارت معيارا لتقييم الدول ، وقد أولت الجزائر اهتماما كبيرا بالرقمنة على جميع الأصعدة ، وخصصت قطاعا وزاريا لمتابعتها وتطويرها ، وحققت بذلك قفزة بالتقدم 14 مرتبة في تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات عبر موقعه الرسمي
الرقمنة في القطاعات الوزارية ومشروع صفر ورقة
لعّل أكثر القطاعات تطورا في المجال الرقمي في الجزائر وأسرعها وصولا إلى مستويات متقدمة هي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي أعلنت أنها وصلت إلى صفر ورقة في تعاملاتها ، حيث أشار الوزير كمال بداري أن القطاع تمكن من تحقيق الرقمنة في مجالات الحوكمة والتكوين والبحث العلمي والخدمات الجامعية بنسبة 100 بالمائة ، وبشكل جعل الطالب يتعامل مع إدارته ومع مكونيه بصفر ورق وذلك على هامش زيارة تفقدية إلى المدرسة العليا للبيطرة في الحراش عام 2023 ، وأصبح ذلك يشكل نموذج نجاح و حافزا لباقي القطاعات التي بدأت تعلن عن منصّاتها التي صارت تختصر الوقت والجهد على المواطن ، وصار استخراج الكثير من الوثائق يتم من البيت ، فمثلا وزارة الداخلية والجماعات المحليّة والتهيئة العمرانية أعلنت عبر صفحتها على الفيس بوك سنة 2021 أنه أصبح بالإمكان استخراج وثائق الحالة المدنية المتمثلة في شهادة الميلاد وشهادة الوفاة وعقد الزواج عن البعد عبر موقعها الرسمي وذلك تحت شعار الإدارة الرقمية في خدمتكم ، وأعلنت في نفس العام وزارة العمل تطبيقات إلكترونية لتسهيل الإجراءات الإدارية على المواطنين ، أما قطاع العدالة فقد قطع أشواطا معتبرة في مجال استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال ، وقد أعلنت عبر موقعها الرسمي أنه تم اعتـمـاد تقنية التصديق والتوقيع الإلكترونيين في المجال القضائي، وفقا للقانون رقم 15-03، المؤرخ في 01 فيفري 2015، المتعلق بعصـرنة العدالة، من خلال استحداث مركز شـخصنة الشـريحة للإمضاء الإلكتروني وإنشاء سلطة التصديق الإلكتروني، وتمكين كافة المتدخلين في نشاط القطاع، من إمهار الوثائق الإدارية والمحررات القضائية بتوقيع إلكتروني موثوق، بهدف إتـاحة الخدمات القضائية عن بعد ، وتم تمكين المواطن من استخراج القسيـمة رقم 03 لصـحيفة السوابق القضائية وشهادة الجنسية ممضيتين إلكترونيـا، عبر الإنترنت ،وكذلك تم تمكين الجالية الجزائرية بالخارج والأجانب الذين سبق لهم الإقامة بالجزائر من الحصول على القسيـمة رقم 03 لصـحيفة السوابق القضائية، ممضاة إلكترونيا، وتمكينهم أيضا من الحصول على شهادة الجنسية ممضاة إلكترونيا وذلك عبر الممثليات الدبلوماسية أو القنصلية بالخارج
رقمنة التعاملات التجارية والاقتصادية في القطاع الخاص
صار شائعا في القطاع الخاص وجود منصات وتطبيقات رقمية للمؤسسات الاقتصادية سواء كانت تحمل طابعا تجاريا أو خدماتيا ، وأصبح بإمكان رب عائلة أن يطلب سيارة أجرة وهو في بيته وبالسعر الذي يناسبه ، وأصبح بإمكان ربّة البيت أن تطلب غالب حاجياتها المنزلية بضغطة زر على أحد المتاجر الالكترونية ، وكذلك أصبح البحث عن عامل بناء أو سمكري أو مصلح كهرباء أو مصلح سيارات يتم عبر منصات رقمية للمتعاملين الخواص حتى لا تكاد تجد مؤسسة لم تدخل الفضاء الرقمي الذي أصبح مصدر الدخل الأساسي لها ، فالبحث عن الخدمة أو المنتوج يتم رقميا ، والطلب يتم رقميا ، والدفع يتم رقميا ، وقد وصلت بعض المؤسسات إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لإقناع الزبائن بالمنتوج ، ومتابعتهم في خطوات التعامل إلى نهاية العملية ، فأصبح بالإمكان متابعة آلاف الطلبيات في نفس الوقت وبكفاءة عالية وجهد أقل
قطاع الإعلام نحو مواكبة الذكاء الاصطناعي
لم تكتف المؤسسات الإعلامية بالرقمنة التي ولجتها في بداياتها من خلال إنشاء مواقعها الإخبارية الخاصة ، وصفحاتها وقنواتها على الفضاء الرقمي ، بل أصبحت تسير نحو مواكبة أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج مادتها الإعلامية ، وهذا ما يمكن ملاحظته في بعض البرامج التي تم عرضها في رمضان 2025 ، والتي كان بعضها يعتمد بشكل شبه كلي على الذكاء الاصطناعي ، وحقق نجاحا نوعيا من حيث جودة الإنتاج والإخراج مما ينبئ بمستقبل واعد وقفزة نوعية في الإعلام الجزائري
من أجل جزائر رقمية 2030
خلال يوم إعلامي تم تنظيمه تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون تحت شعار ” من أجل جزائر رقمية 2030 ” أوضحت الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة السيدة مريم بن مولود عن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي ، والتي حملت رؤية تصل إلى العام 2030 تكون شاملة لجميع القطاعات الوزارية ، وتتضمن ركيزتين أساسيتين ، الأولى تتعلق بالجانب القانوني والتنظيمي المنظم والمؤطر والضابط لمجال الرقمنة ، وهو ما تعمل عليه حاليا المحافظة السامية للرقمنة من خلال إعداد مشروع قانون الرقمنة مثلما كشفت عنه السيدة بن مولود ، والثانية تتعلق بالأمن الرقمي وتشمل حماية البيانات والأنظمة من التهديدات السيبرانية ، وتقوم الاستراتيجية المذكورة على خمسة محاور أساسية حسب وكالة الأنباء الجزائرية هي : البنية التحتية الأساسية”، “الموارد البشرية والتكوين والبحث والتطوير”، “الحوكمة الرقمية”، “الاقتصاد الرقمي” و “المجتمع الرقمي”.