العلاقات السامة.. كلما كانت أقرب زاد أذاها
شاع مؤخرا، مصطلح العلاقات السامة، كدليل على كم الأذى الذي يمكن أن يتلقاه الفرد من ارتباطاته، لكنه عادة ما يطلق على الغرباء، الأصدقاء، الجيران أو الزملاء في العمل.. غير أن الدراسات في علم النفس والاجتماع أثبتت أن العلاقات السامة يمكن أن تكون مع المقربين جدا، كالشريك، أو الإخوة، وحتى مع أحد الوالدين، وقدر الأذى بها يفوق ما يتم تلقيه من الغرباء في هذا النوع من العلاقات.
تؤكد الأخصائية في علم النفس والعلاقات، الأستاذة دبوب عقيلة، أن العلاقة السامة هي تلك التي تكون مع شخصية حقودة أو منافقة أو مخادعة، أهم ما يحركها تجاهك هو الفضول لتفاصيلك، حتى تتمكن من التأثير عليك سلبا، وقد تظهر هذه الصفات كما أنها قد تختفي خلف وجه بشوش وكلام معسول”. وهذا في الواقع ما بتنا نشهده حتى في صلات القرابة، أما عن كونها أشد وطأة على النفس من غيرها، فيحدث ذلك من باب أننا كبشر نرتاح أكثر للأقارب، ولا يمكن أن نخفي عنهم مسراتنا وإنجازاتنا، أمر قد يتحول إلى سلاح ضد البعض، فالشخصيات السامة تستغل قدرتها على الوصول إلى مخططاتك، واطلاعها على تفاصيل حياتك ومدى تطوراتك، وتسعى بدافع الحقد أو الحسد إلى إحباطك، في قالب النصيحة، ويمكن حتى أن تستعمل مكائدها الخبيثة.
تقول صونيا، 34 سنة، منذ أن وعيت، عشت الكثير من العلاقات السامة، لكني كنت أتخلص منها بسهولة، إلا واحدة أكاد أجزم بأنها سبب ألمي الحالي، حيث أرى بأنه لا مفر لي من زوجي، النرجسي الخفي، بدأنا قصتنا قبل ثماني سنوات، وكان يعاملني بأفعوانية عاطفية دائما، مشاعر جياشة من الحب والاحتواء والرومنسية ثم بلا سبب يشعر بأنه يدللني أو لا أعلم ما يجول بذهنه، حتى ينقلب لممارسة العنف والقطيعة والصمت العقابي، هذا الأمر أصابني بالرهاب الاجتماعي وكون بداخلي مجموعة من العقد في العلاقات، أصبت بالأرق وضيق التنفس”. والسبب خلف كل هذا الأذى، تقول الأستاذة دبوب: “قربها منه، كونه زوجا نرجسيا يعرف جيدا كيف يتودد إليها ويعيدها إليه، ليكتشف نقاط ضعفها ومدى تعلقها به، وبناء على ذلك، يؤذيها بالبعد والعنف كلما تأكد من أنها لن تغادره”.
تعيق تقدم الحياة وتسعى لخلق المشاعر السلبية
تزيد شدة السم في العلاقة، كلما كان للطرف السام قدرة أكبر على اقتحام خصوصية الآخر والإمساك بزمام تطوراته، أو بمعنى آخر، كلما كان قادرا على التأثير في عاطفته بحكم القرابة، إذ من الصفات الشائعة للشخصية السامة في العلاقات توليد الشعور بالذنب، وتقييد قرارات الطرف الآخر مع التحكم في أدق توجهاته في الحياة، حيث لا يمكن أن يقبل على أي خطوة مهما كان واثقا منها، دون أن يحصل على رضى ومباركة الشخصية السامة، مع علمه بأنها لن تشجعه وسوف تنتقده وتتنمر عليه في الكثير من الأحيان.
مصعب، شاب ثلاثيني، مصمم جرافيك مبدع ويمتلك متجرا إلكترونيا لترويج الملابس الجاهزة، ويجني مبالغ محترمة من عمله، ينفق أغلبها على والدته كونها الوحيدة في حياته، مع هذا هي نقطته السوداء يقول: “العلاقة السامة التي تقتلني تدريجيا رغم حبي اللامشروط لها، تذكرني أمي مرارا بأني سبب فشلها في الحياة، سبب طلاقها وفقرها السابق مع أنني عوضتها بالمال والسفريات والمجوهرات، تعتقد أن فضلها علي لم يكن واجبا، وتشعرني دائما بالتقصير وتأنيب الضمير، لأقدم لها المزيد، لهذا لا أتمكن من الزواج أيضا، لو كانت شخصا آخر غير كونها والدتي لتخلصت منها منذ سنوات”.