-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العمل السياسي بين الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني

العمل السياسي بين الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني

العمل السياسي أشمل مفهوما وأوسع نطاقا من العمل الحزبي، وكل نشاط اجتماعي يهدف إلى تحسين ظروف الحياة البشرية ويستهدف تطوير الإنسان اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا هو عمل سياسي بمعناه الواسع.

وبهذا المعنى يصبح العمل السياسي نشاطا رساليا، ويعتمد القائمون عليه على تصور عقدي، وخلفية فكرية، ورؤية تغييرية تهدف إلى الارتقاء بالمجتمع والإنسان إلى الكمالات الفُضلى الممكنة وفقا للظروف والإمكانات والبيئة المحيطة بهم.

إنّ العمل السياسي بهذا المعنى يقع كليّة في دائرة الحقوق والحريات الأصيلة للإنسان وعلى رأسها حرية المعتقد والتفكير والتعبير والتنظيم والتي تكون جميعها خادمة لحق الإنسان في الحياة بكل أبعادها بداية من حقه في الوجود إلى حقه في العيش بكرامة وأمن وطمأنينة.

ويشكل العمل الحزبي صورة من صور العمل السياسي ويُمارَس ضمن منظومة قانونية ترتكز على حق الإنسان في التعبير والتفكير والتنظيم ثم على حقه كمواطن في إدارة الشأن العام.

يمثل العمل السياسي ترجمة لحركة المجتمع الواسع، في حين يمثل العمل الحزبي ترجمة لنشاط مجموعة بشرية تختار لنفسها تصوُّرا مشتركا لتنمية وتطوير المجتمع وخدمة الدولة بعد فوزها بثقة المواطنين واختيارهم.

ترذيلُ العمل الحزبي وتشويه الانتساب للأحزاب جعل الوصول إلى السلطة عن طريق النضال الحزبي ذميمة ومنقصة لكل متحزِّب ومناضل وناشط ملتزم. وتبعا لذلك، أصبح النّضال والانتماء الحزبي معرّة، وأصبح الابتعاد على ذلك دليل نزاهة ونظافة يد ووطنية صادقة، وأصبحت عبارة (لا حزب لي إلّا الوطن) شائعة عند أولئك الذين (يرغبون في اللبن ويخبئون الطاس) وكأنّ مناضلي الأحزاب لا وطنية لهم ولا يعملون لصالح بلدانهم.

يتقيّد الحزب في أعماله كلها بالقوانين والنُّظُم التي تحكم النشاط السياسي، وهو بذلك يترجم عمليا عملا سياسيا يهدف إلى الوصول للسلطة للتمكُّن من الأدوات التي تسمح له بوضع برنامجه موضع التنفيذ.

لا شك أنّ العمل الحزبي نشاط سياسي بامتياز ويستهدف السلطة إذ لا تتحقق أهداف الحزب وتصوراته من دون تمكنه من التأثير بفعالية في صناعة القرار داخل دوائر السلطة بمختلف فروعها.

إنّ هذا الشرح المختصر في التمييز بين العمل السياسي العام والعمل السياسي الحزبي يفتح المجال واسعا أمام تساؤلات كثيرة، ويجعل من كل نشاط لا يحكمه قانون الأحزاب السياسية عملا سياسيا حتى ولو تَدثَّر برداء المجتمع المدني في تنظيماته الجمعوية والنقابية المختلفة.

تذهب الدول المتمدّنة إلى فتح مجال الحريات والحقوق العامة على مصراعيها للمجتمع، وبذلك تتمايز التنظيمات النّشطة في المجتمع وفقا لكثرة أتباعها وأهمية أهدافها.

يتخصص العمل الحزبي في النشاط السياسي الذي يستهدف السلطة وصناعة القرار فيها والتمكين بذلك لتصوراته وأهدافه في سَنِّ القوانين والتشريعات والنُّظُم لتحقيق ما وعد به في برنامجه، وتكون علاقة الحزب بالتنظيمات المجتمعية المدنية علاقة ذات صلة بما استجابه الحزب في برنامجه إلى تحقيق هدف أو أهداف التنظيمات المدنية ولا يتعدى ذلك، ولهذا ترى الأحزابَ توسِّعُ دائرة حواراتها مع مختلف التنظيمات المدنية قبل الحملات الانتخابية وأثناءها وربّما تذهب إلى حد إبرام توافقات خادمة للطرفين بمناسبة التّنافس الانتخابي.

إنّ مثل هذه العلاقات في المجتمعات السياسية المتمدّنة لا تقلب تنظيمات المجتمع المدني إلى تنظيمات حزبية، كما أنّ العاملين في الحقل السياسي بغرض الوصول إلى السلطة لا يستبدلون تنظيمات المجتمع المدني بالأحزاب السياسية لأنه بكل بساطة لكلٍ مجالُ نشاطه، ولكلٍ أهدافه المُعلنة والموثقة حتى وإن كان نشاط الجميع قد يتقاطع أحيانا أثناء السّير النّضالي.

إنّ المُتتبِّع للشأن العام يلاحظ ظواهر تستقطب اهتمامه وتفرض عليه دراستها ومعرفة كُنهها وتأثيرها في حركة المجتمع وتطوره. ومن أمثلة هذه الظواهر:

1 /  وجود خلط متعمّد واستغلال مؤسف لركوب الحركة الجمعوية للوصول إلى السلطة.

2 /  ترذيل العمل الحزبي وتشويه الانتساب للأحزاب وجعل الوصول إلى السلطة عن طريق النضال الحزبي ذميمة و منقصة لكل متحزِّب ومناضل وناشط ملتزم.

3 / وتبعا للملاحظة الثانية أصبح النّضال والانتماء الحزبي معرّة، وأصبح الابتعاد على ذلك دليل نزاهة ونظافة يد ووطنية صادقة، وأصبحت عبارة (لا حزب لي إلّا الوطن) شائعة عند أولئك الذين (يرغبون في اللبن ويخبئون الطاس) وكأنّ مناضلي الأحزاب لا وطنية لهم ولا يعملون لصالح بلدانهم.

4 /  عرف العمل الجمعوي أحيانا تنافسا منفعيا. ورغم وجود جمعيات تاريخية المنشأ، ذات تاريخ طويل من ناحية المنشأ والعمق الاجتماعي والتّصدي لكل عدوان على الأمّة وصناعة الرجال المدافعين عن حريتها وكرامتها وهويتها، وتبذل إلى اليوم جهودا مشهودة ومحمودة إلّا أنّها تُعامَلُ كما تُعامَلُ جمعيات حديثة النشأ، مصلحية الهدف، مناسباتية النشاط، الأمر الذي جعل التنافس في العمل الجمعوي لا يتّصف بنُبل الأهداف المُعلَنَة، ممّا أفقدها المصداقية الشعبية لتُستَغل كمركوب انتخابي لاحقا، وهو أمرٌ مؤسف زَهَّدَ المجتمع في العمل الخيري المُنظَّم، كما زهّد في الأحزاب من قبل.

والواقع أنّ الوقت قد حان لإنقاذ الأحزاب والجمعيات الجادّة من هذا الإفساد المتعمّد لصناعة رأي عامّ واع ومجتمع يصنع مستقبله بإرادته وقراره.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!